لم تمنع الأزمات الكارثية التي حلت بلبنان أهله المغتربين من زيارته كل عام، ولم تقطع التحديات الجبارة سبل الوصول إليه ومدّه بالمساندة والإنعاش المالي والمعيشي في زمن الانهيار التاريخي الذي شهدته وتشهده البلاد.
مغتربو لبنان، أو من يعرفون بشريانه الحيّ وعموده الفقري ، كانوا ولا يزالون دعامته الأساسية في كل الظروف والتحديات التي واجهها البلد، وهم وإن عاشوا مرارة الغربة والشتات، فإن ذلك لم يمنعهم من الوقوف دائمًا وفي كل الظروف إلى جانب أهلهم وذويهم بعدما تخلت الدولة غير المسؤولة عن حماية المواطن المقيم والمغترب وتأمين أبسط مقومات الحياة له.
إحصاءات الهجرة: ارتفاع ملحوظ ومستمر
تشير الإحصاءات الصادرة عن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، إلى أن عدد المغتربين اللبنانيين الذين زاروا لبنان خلال هذا الصيف قد تجاوز المليون وافد، وقد أنفقوا ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار دعمًا لمختلف القطاعات الاقتصادية لا سيما السياحية منها.
وبالحديث عن إحصاءات المغتربين، تشير هذه الأخيرة إلى أن عدد المغتربين اللبنانيين حول العالم قد تجاوز 12 مليون مغترب، ما يعني أكثر من 3 أضعاف عدد السكان، وهذا العدد هو في تزايد مستمر لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي هذا السياق، وفي آخر إحصاء لـ”الدولية للمعلومات” تبين أن عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين منذ بداية العام 2020 وحتى منتصف شهر تشرين الثاني 2021، وصل إلى 77,777 فردًا مقارنة بـ 17,721 فردًا في العام 2020. وتبيّن أيضًا أن عدد اللبنانيين الذين هاجروا وسافروا من لبنان خلال الأعوام 2018 – 2021 قد وصل إلى 195,433 لبنانيًا.
بالإضافة إلى ذلك تشير الإحصاءات أيضًا إلى أن عدد المسافرين والمهاجرين من لبنان وصل حتى نهاية شهر تشرين الأول 2022 إلى 55 ألفا و500 شخص، وتبين آخر الإحصاءات الصادرة أن عدد المهاجرين المسجّل لهذا العام وحتى نهاية شهر أيار الفائت بلغ 32,332 مهاجرًا، ما مجموعه 307,254 مهاجرًا منذ العام 2017 حتى أيار 2023، وهي أعداد من المتوقّع أن ترتفع أكثر في الأشهر المتبقية من العام الجاري.
وعن الفئات المهاجرة، يشير أحد الباحثين في هذا الشأن إلى أن “الخطير اليوم في موضوع الهجرة، هو أن فئة الشباب هي الفئة الأعلى نسبة، بعد أن كانت في السابق هي فئة العائلات، لافتًا الى أن التحويلات التي تدخل لبنان من الخارج هي بمثابة الأوكسجين الذي يتنفّس منه أكثر من مليون لبناني، أي ما يعادل حوالي 250,000 أسرة لبنانية، ومن دون هذه التحويلات لكان الوضع أصعب بكثير مما هو عليه راهنًا”.
بين الحوالات والاستثمارات.. المغترب المنقذ
لطالما كانت أموال المغتربين الواردة إلى لبنان بمثابة المنقذ الأول للعائلات اللبنانية، والمعيل الأساسي لهم لتأمين مقومات الحياة الأساسية، بعد أن قضت الأزمات الكارثية التي حلت بالبلاد على كل مقومات العيش فيه.
وفي هذا الإطار قدّر حجم تحويلات المغتربين إلى لبنان بـ6.8 مليارات دولار مقارنة في نهاية العام 2023 مع 6.6 مليارات دولار في العام 2021. وحجم التحويلات هذا، الذي يمثّل 37.8 بالمئة من الناتج المحلّي، جعل لبنان في المركز الثالث إقليميًا والثاني عالميًا من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، وتأتي أغلبية هذه التحويلات من المهاجرين اللبنانيين المنتشرين في الأميركتين، ومن ثم الخليج العربي لتتبعها التحويلات القادمة من أفريقيا.
مساهمات المغتربين اللبنانيين في إنعاش اقتصاد البلد لا تقتصر فقط على التحويلات المالية الداخلة إلى لبنان، بل إن الاستثمارات التي يقوم بها المغتربون تشكل أحد أكبر محركات إعادة عجلة التنمية إلى الدوران وحماية النظام المصرفي، لا سيما في ظل التباطؤ الشديد في حل الأزمات المزمنة بسبب التجاذبات السياسية، إلا أن هذه الاستثمارات تبقى رهينة الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية.
وفي هذا الشأن، يراهن الباحثون ورجال الاقتصاد، أن نجاح أي مغترب لبناني في إقامة مشروعه الاستثماري في لبنان والمضي فيه قدمًا، سيكون إشارة إيجابية كبيرة لغيره من المغتربين الراغبين بالاستثمار أيضًا في لبنان، وسيشكل عامل جذب لهم ولغير اللبنانيين.
وأمام هذا الواقع، يوجّه الجزء الأكبر من المسؤولية في جذب استثمارات المغتربين على السلطة السياسية الفاسدة التي لم تترك مجالًا لأي إصلاح سياسي واقتصادي في البلاد، والتي أطاحت كل محاولات لجذب وإدخال الاستثمارات الوطنية والأجنبية سابقًا، ولا زالت حاليًا تصد كل تلك المحاولات، لتبقى بمثابة السلطان والحاكم الجائر الذي اعتاد أن يعيش في مستنقعات الفساد والظلم، وأن يحارب شعبه بلقمة عيشه ومقومات حياته.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.