كما كان متوقعًا، لم يثمر لقاء الدوحة أي نتائج إيجابية، وأول مؤشراته السلبية كان بخفض التمثيل الأميركي لمستوى نائب مساعدة معاون وزير الخارجية، عكس ما كان متوقعًا حضور باربرا لايف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
وكان استُبق اللقاء بهجوم مزدوج قبل انعقاده من أقطاب التقاطع سمير جعجع وجيران باسيل، بعد لقاء الأول برأس الكنيسة المارونية، القائد الفعلي لمشروع الانقلاب الداخلي الذي بدأه بالدعوة الى “الحياد الايجابي”، وأخفق بتأمين دعم دولي خارجي له وبانتزاع قرار أممي، كما أن طرحه الخاص بالحياد لم يلقَ قبولًا داخليًا، حتى من التيار الوطني الحر الذي غادر مقاعد تحالفه مع حزب الله باتجاه المعارضة كرأس حربة في مواجهة خيار الثنائي الوطني المتعلق بالانتخابات الرئاسية، بهدف كسر إرادة المقاومة، وهو القرار الذي تعمل له الإدارة الأميركية ولم تعدم وسيلة من حرب إعلامية أو اقتصادية وسياسية وعسكرية أمنية بأوجه مختلفة.
وفق معطيات سبقت المؤتمر، فإن قطر ومنذ مدة غير قصيرة تعمل على إقناع رئيس التيار جبران باسيل بانتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون، كمرشح ثالث من خارج الاصطفاف بعد تيقنه من انه غير قادر على ابتزاز الثنائي، وأنه عاجز عن فرض شروطه. في حين لا تعني عودة الحرارة إلى العلاقات مع الحزب أن أيًّا من الطرفين بدل خياراته، فالوزير سليمان فرنجية مرشح جدي وغير قابل للصرف في سوق المساومة، فلا شخصية الرجل تقبل ولا تاريخ الحزب يسمح.
وكان وفد المعارضة الذي جال على عواصم غربية سمع أكثر من نصيحة أوروبية للسير بفرنجية، على اعتبار أن الظروف تصب في خانة وصوله بلحظة دولية حرجة دخل فيها لبنان حالة العناية المشددة، بفعل الأزمة الاقتصادية والنزوح السوري ليتحول الوضع الى كارثة تهدد الكيان اللبناني، وتقضي على تنوعه، ينتفي معها دور الوجود المسيحي في ظل عالم متخم بمشاكل سياسية وعلى فوهة بركان حرب بين دول عظمى.
فلبنان في ظل كل هذا، ليس أولوية، وكاد الملف اللبناني أن يكون منسيًا إلا من إرادة أميركية تضع العصي في دواليب الحلول، ترجمتها تدخلات السفيرة الأميركية في بيروت وفرض إرادتها لجمع شتات المعارضات بفريق مع التيار الوطني الحر خارج أي مشروع سياسي بهدف قطع الطريق على المرشح سليمان فرنجية. وهذا تحديدًا عند التيار الوطني الحر وانقلابه المدرج، عكس القوات وباقي المعارضة المسيحية، فخيارهم الرافض للمقاومة لم يخفوه يومًا، وهذا حال وليد جنبلاط أيضًا الذي ينتظر منذ مدة مرور جثة الحزب أمامه لينهش جسدها.
إلا أن هذا التقاطع المرحلي من المعارضات، يمارس فيه غبطة البطريرك دور ضابط إيقاع بين أقطاب المتقاطعين نظرًا لانعدام الثقة بينهم، وما وصف سامي الجميل للعلاقة مع باسيل بالحذرة إلا دليل على ذلك. وسمير جعجع منذ لحظة الانقلاب أبدى قلقله من جبران باسيل الذي يعتبر أنه حقق إنجازًا باستدراج المعارضة إلى مشروع قطع الطريق على الفرنجية بعكس الحقيقة أن انقلاب باسيل منح المعارضة قدرة عدم انتخاب فرنجية دون أن يحقق لها أي مكسب سوى رفض التوافق على انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية.
لكن يبقى عامل مهم في الملف اللبناني يؤشر على الدور الأميركي، فالسعودية لم تعط إشارة حتى اللحظة والأميركي مستمر بالتهويل والحصار ممسكًا بالورقة الاقتصادية مانعًا أي حلول. فخارطة القوى في مجلس النواب تكرس عدم قدرة أي فريق على الحسم، وهذا ما يريده الأميركي الذي يحاول انتزاع الملف اللبناني من أنياب الحلول ويضعه طبقًا على طاولة الملف النووي ليدخله في بازار المفاوضات ويمارس ابتزازه بورقة قوة كان فيها باسيل حصان طروادة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.