لا يمكن للمنقب في تاريخ المقاومة الاسلامية وأخواتها اللبنانيات -حركة أمل، الحزب القومي، الحزب الشيوعي، حزب البعث، قوات الفجر، واللائحة الطويلة من الروافد- والذي شكل الصفحة الأنصع من تاريخ لبنان المعاصر إلا أن يتوقف عند أحد أهم تكتيكات الدفاع العسكرية عن الأرض وهو العمل الاستشهادي الطوعي ذو المنشأ الثقافي الذي يرتبط بالقيم والمبادئ الموروثة في هذا الركن الجغرافي الذي قلب معادلة ومفاهيم الصراع مع العدو الصهيوني.
فثقافة عاشوراء التي تربى عليها المتدينون والعلمانيون على حد سواء في منطقتي جبل عامل والبقاع اللتين ينحدر منهما معظم الاستشهاديين كانت المدرسة المركزية التي نشأوا عليها في الطفولة والحداثة في قراهم وأحيائهم البسيطة، ومن دروسها نهلوا نفس الفتوة والتحدي والبذل بلا مقابل بالاتكاء على عامل حضاري تفردت به عاشوراء بسببين أو علتين: القدوة المضحية التي لا يوازيها محارب للظلم والتي اختصرت بالإمام الحسين (ع) وأهل بيته وكل قدوات كربلاء، والفتح المؤكد والمؤجل ذو التأثير الاستراتيجي، وهو ما يعرف بالفتح الحسيني الذي يعني أن بذل الدم والنفس في المعركة الحاسمة ضد القوة الغاشمة هو العمل الابتدائي لتحقيق النصر النهائي والمرتكز على عشرات الانتصارات الموضعية والآنية التي توصف في العلم العسكري بالتكتيكية.
من هذا المبدأ كانت فلسفة العمليات الاستشهادية مرتبطة بجذر أساسي هو عاشوراء وكربلاء، ومن هذا البعد العقائدي والإنساني يمكننا الولوج إلى الموضوع مع التنويه إلى أن تحليل عناصر الخيار الاستشهادي لدى كل الجهات التي اعتمدته في مقاومة الاحتلال الصهيوني للبنان يخلص إلى محددات وأوليات تكاد تكون متطابقة.
وحتى لا نغمط الآخرين حقوقهم ننوه إلى أن بحثنا هذا سينصب فقط على خيار العمليات الاستشهادية لدى المقاومة الاسلامية في لبنان لأنها استخدمته كسلاح رادع واعتمدته كمنظومة عسكرية منذ بداياتها عام 1982، فخططت له تحت النار ووضعت أسسه ومنهجياته وأفردت له متطلباته البشرية والمادية في الوقت الذي كان العدو يوغل فيه احتلالاً في جغرافيا لبنان ويصل إلى عاصمته بيروت.
الفاتحة… استشهاديون في مواجهات خلدة
كان أول الغيث قطرة نور في خلدة اذ اندفع الشباب الاستشهادي ليحمل ما تيسر له من السلاح ويجابه الاعصار الصهيوني بعزم شديد، وغدت هذه القطرة موسم ري وبرَكة. وللتاريخ لا بد من سرد موجز لوقائع هذه المواجهة؛ ففي اليوم الرابع للطوفان وبعدما أصبحت آلة الحرب الصهيونية على تخوم بيروت وبلغت القلوب الحناجر واجه العدو مقاومة من نوع آخر لا زالت حتى اليوم إحدى نقاط الضوء في ذلك الزمان الحالك السواد، فقد اصطدمت دبابات العدو لأول مرة بعشاق الشهادة قرب مدينة الزهراء (ع) في خلدة، وهناك واجه عشرات الاستشهاديين في مكان قريب استماتة الكوماندوس البحري الصهيوني لبناء رأس جسر على شاطئ خلدة.
تقدمت الدبابات بعد نهار لاهب، وكان جحيم القصف البحري والبري والجوي الصهيوني ينصبّ فيه بكثافة على محيط مدينة الزهراء في خلدة وقرب المثلث القريب حيث تحصنت ثلة المقاومين الاولين، “جرحى وشهداء، الركام، الابنية المتهاوية في كل مكان، رائحة البارود أصبحت شريكة الأوكسيجين الذي يتنفسه الرجال ممزوجاً أيضاً بالأدخنة المنبعثة من معمل دهانات تينول المحترق القريب والذي ينذر المنطقة المحيطة بكارثة. كسفت شمس حزيران التي غطتها سحابة من الدخان الاسود وأزيز الآليات الصهيونية يجأر قبيل الغروب محدثاً صوتاً منكراً..”.
ويؤذن المؤذن للصلاة، همهمات وصوت يذكّر الجميع بأهمية تلك الليلة؛ إنها ليلة الخامس عشر من شعبان ذكرى ولادة منقذ البشرية قائم آل محمد (عج)، وهي ليلة نزول كل الرحمة الى صعيد الارض، وهي ليلة قبول أعمال السنة، فلنجزّر بهم، ليتقبل الله أعمالنا حتى الشهادة. تقطع كل هذه التجليات دفعة جديدة من القصف الصهيوني وصوت صلصلة آليات تتقدم. يتأهبون وسرعان ما تظهر اشباح الرتل السوداء مع انسلال آخر ضوء في ذلك الغروب العظيم. تقترب مجموعة من الرتل لتصبح تحت مرمى نيران المنتظرين فيطلق أميرهم قذيفة آر بي جي لتعصف نارها بملالة إم 113 تتبعها بقذيفة ثانية صارخًا بأعلى صوته ” الله أكبر”، ويكبر الجميع فيعصف تكبيرهم ولهيب نارهم بكل الرتل المتقدم فيشله رعباً، وهناك تبدأ الملحمة، يتقدمون بتشكيلة عسكرية الى الهياكل الفولاذية التي غرقت في شلل الرعب الآتي من الناحية الغربية لمدينة الزهراء ويشتبك اللحم الحي بتشكيل التحامي مع آلة الحرب والنار التي انتصرت خمس مرات على جيوش العرب جميعاً، ولم ينقض ربع ساعة إلا وكانت ثماني جثث صهيونية على الارض ووحشان حديديان يحترقان بينما غنم الاستشهاديون صانعو فجر الانتصار ملالة ودبابة صهيونية استطاعوا سحبها من المعركة بعد قليل عندما ولى العدو الأدبار وفر بعيداً باتجاه تخوم الناعمة وتلال الدوحة، ليسيطر المجاهدون على الطريق الممتدة من مدينة الزهراء إلى الناعمة وتوقف الغزو على ابواب خلدة، ولم تستطع الجحافل الصهيونية المؤللة من احتلال الأمتار المائتين طولا وعرضا عند مثلث خلدة إلا بعد 144 ساعة قتال، تخللتها 80 غارة جوية و19 محاولة إنزال برمائي و6 محاولات تقدم، وانجلى المشهد عن حقيقة ويقين حاول الكثيرون سرقته بعد حين إلا أنه كان مؤشرًا لبزوغ عصر الاستشهاديين وانطلاقة المقاومة الإسلامية.
السرية الأولى … عملية ” خيبر” الاستشهادية
تموز 1982 كان حجم الاجتياح الصهيوني لكامل جبل عامل وأجزاء من البقاع الغربي وصولاً إلى تخوم بيروت السبب الرئيسي في سرعة تشكل المجموعات الأولى للمقاومة واتخاذها لخيار العمليات الاستشهادية؛ فخلال الاجتياح استُفتيَ الإمام الخميني قدس سره عن بهذا الخيار فجاء الجواب صريحاً ومباشراً بالجواز.
كان على إحدى المجموعات الأولى التي تشكلت في منطقة صور والتي ضمت مجموعة من قيادات العمل المقاوم في جبل عامل الأمنية والعسكرية وأبرزهم الشهيد القائد الحاج عماد مغنية أن تتولى العملية الافتتاحية والتي تقرر أن تكون مزلزلة. تم انتخاب عدد من الأهداف الرئيسية ودراسة تأثيرها على العدو وملاءمتها للقرار الاستراتيجي المتخذ. ومن ضمن الأهداف المنتخبة استقر الرأي على مركز الحاكم العسكري الصهيوني في صور لأسباب عديدة:
1- كونه يضم العقل العسكري والاستخباراتي للاحتلال في لبنان.
2- كونه مركزاً لتخطيط العمليات الامنية التخريبية التي نفذها العدو خلال الاجتياح في بيروت وبعلبك ومنها السيارات المحملة بكميات كبيرة من المتفجرات التي استهدفت أسواقاً وتجمعات سكنية.
3- كونه الأقرب إلى فلسطين المحتلة من الأهداف الثلاثة المنتخبة.
4- كونه كان مقر قيادة المقاومة الفلسطينية العسكري في الجنوب قبل الاحتلال والرمزية التي يعنيها نسف هذا المقر بعد أقل من ثلاثة أشهر على تفاخر العدو باحتلاله.
5- كونه يقع على عقدة مواصلات رئيسية تربط صور شمالاً وجنوباً وشرقاً بكل المحيط.
وخلال استطلاع الهدف جرى إشغال العدو بعدد من العمليات تجاوزت العشر بأساليب مختلفة على الطريق العام الذي يربط صور شمالاً بصيدا عبر أبو الأسود والعاقبية والزهراني وصولاً إلى الأولي، ومنها أولى عمليات المقاومة اللبنانية على الاطلاق ضد العدو خلال اجتياح الـ 1982 والتي حصلت في صيدا بتاريخ 29 حزيران 1982 وقادها الشهيد المجاهد عبد الله فنيش من المقاومة الاسلامية مع عدد من الإخوة من قوات الفجر.
وساهمت إجراءات خداعية نفذتها المقاومة بتشتيت جهد العدو الاستخباري وساعدت في ذلك اجراءات أفراد مجموعة التنفيذ التي اعتمدت أسلوب الاتصال المغلق وشكلاً اتصالياً جديداً بين أفرادها غير مألوف لدى استخبارات العدو، وساعد في ذلك أيضاً أن تحضير وتفخيخ السيارة التي ستنفذ العملية جرى في منطقة النبطية البعيدة نسبياً عن صور وفي منطقة مسؤولية بعيدة عن منطقة مسؤولية الجهة الأمنية الصهيونية التي كانت تقوم بتأمين المقر الذي تقرر استهدافه، وهو كما أسلفنا مبنى عزمي المشهور في صور الذي اتخذته قيادة الاحتلال مقراً لحاكمها العسكري.
عند التنفيذ ساهم المدد الرباني بمضاعفة خسائر العدو حيث حولت عاصفة شديدة وأمطار غزيرة مخيم سرية المشاة الملحقة بالمقر الصهيوني الهدف (بناية عزمي) والمنصوب في بقعة أرض مقابلة للمبنى إلى بحيرة مياه وغرقت الخيم الخمس عشرة الكبيرة في المخيم بالوحول والمياه مما جعل الإقامة فيها مستحيلاً فجرى نقل السرية بأجمعها إلى المبنى وتكديس أفرادها وقسماً من عتادهم الفردي بطريقة فوضوية أمام عيني الحاج عماد مغنية الراصدتين والمستبشرتين بهذه الهدية الغيبية، وبقي في نقطة مرصده حتى أطمأن إلى أن الوضعية العامة للهدف ممتازة ويمكن التنفيذ .
وبسبب وفرة الاستشهاديين الذين تجاوزوا العشرة في مجموعة لم يتجاوز عديدها الـ 25 فرداً ساهمت مميزات وخصوصيات لا زال الوقت مبكراً لكشفها في انتخاب الاستشهادي أحمد جعفر قصير (حيدر) لتنفيذ العملية الفاتحة لعصر الاستشهاديين. وفي ذاكرة المقاومة أن استشهادياً آخر أصر أن يكون هو الفاتح قبل أن تحسم القيادة خيارها. أثناء وداعه للاستشهادي أحمد قصير أقسم له الشهيد أحمد أنه سيكون أول من سيلحق به في العملية القادمة وتحققت فراسة الشهيد أحمد حيث نفذ الاستشهادي المذكور عمليته الاستشهادية المظفرة وهي الرقم 2 في منطقة جغرافية شبيهة نسبياً وبهدف كبير وقبيل أيام من الذكرى السنوية الأولى للعملية الاستشهادية الفاتحة ضد مقر الحاكم العسكري الصهيوني بصور في 11-11-1982.
سرية ” عهد العشرة ” الاستشهادية
أواخر العام 1982 وبعد أسابيع من عملية الاستشهادي أحمد قصير تقرر توسيع مجال تأسيس سرايا الاستشهاديين الأولى جغرافياً إلى بيروت والبقاع.
في الأوزاعي على تخوم بيروت الجنوبية وقبيل نهاية العام 1982 وبعد شهر ونيف من عملية الاستشهادي أحمد قصير تأسست مجموعة استشهادية أخرى عرفت بمجموعة ” عهد العشرة “؛ فقد تداعت مجموعة من شباب الأوزاعي وبرج البراجنة التي قاتلت معًا جيش العدو في خلدة لأسابيع وغنمت إحدى آلياته إلى عقد لقاء في المسجد ليلًا، وخلال اللقاء اقترح الشهيدان سمير مطوط (الحاج جواد ) ومحمد نعمة يوسف (المفتي) مناقشة عامة للأوضاع لإحساسهما بأن المرحلة أصبحت مفصلية وأن الجميع اختار العمل الاستشهادي وأن الذي يفترق عن إخوته لن يعود ليجتمع معهم إلا يوم القيامة.
أتت فكرة الشهيدين في الصميم فقد أحس الجميع أن تفرقهم بعد الاجتياح دون تنسيق ينبغي ألا يتكرر، لأن المهمة الملقاة على عاتقهم الآن لم تعد صغيرة تنحصر ببعض الأعمال والنشاطات هنا وهناك، بل أصبحت في كيفية مواجهة الوضع الجديد الذي حل بالبلاد (الاحتلال، الفراغ، تراجع الوضع الايماني بين عامة الناس، المفاوضات المباشرة بين حكم أمين الجميل والعدو الصهيوني بمظلة عسكرية وسياسية اميركية، وفتوى الامام الخميني (قده) الصريحة بالجهاد ومقاومة العدو، فضلًا عن بداية العمل المقاوم والاستشهادي في الجنوب بعد عملية الشهيد أحمد قصير صديق الجميع)، فأي خمول وتقاعس يعني الخيانة.
وطرحت فكرة العهد والقسم على الانخراط في المشروع الكبير لبناء مجتمع مقاوم يدحر العدو الجاثم على صدر البلد مهما كانت قوته ومهما كان لونه أو لغته أو جنسيته، وهكذا كان.
أقسم الجميع بغربة صاحب العصر والزمان (عج) وبدماء الامام الحسين الشهيد (ع) على اداء التكليف الشرعي حتى الشهادة ومقاومة الاحتلال الصهيوني وأي احتلال بالنفس الاستشهادي وحماية وتحصين الناس. وتعاهدوا على أن الذي يسبق اخوته في رحلة الشهادة سيشفع للجميع غدًا يوم القيامة وألزم الجميع أنفسهم بشرط واحد وهو بقاء المجموعة كما هي عشرة استشهاديين قضوا نحبهم أو انتظروا وعلى ان تتكرر هذه الجلسة كلما صمم فرد من العشرة على الافتراق والسفر على اجنحة الشهادة.
في هذه الجلسة انتسب الشيخ اسعد ورفاقه بعهدهم وقسمهم الى قافلة الاستشهاديين، وعرض الشيخ نفسه للمعنيين كاستشهادي.
بعد سنتين وثلاثة أشهر تقريباً وغداة تصاعد العمليات النوعية وبعد أشهر قليلة من عملية (الخيام – المطلة) الاستشهادية في 10 آذار 1985 التي نفذها الاستشهادي العظيم عامر كلاكش (أبو زينب)، خططت قيادة المقاومة الإسلامية لتنفيذ عملية استشهادية ثانية تأتي مع زخم العمليات النوعية الكبيرة التي نفذت في ذلك الوقت، وكلف الحاج سمير مطوط “جواد” بترتيب الموضوع وتنظيم استطلاع لأحد الأهداف الكبيرة في منطقة عمله، ورشح الشيخ أسعد لتنفيذ العملية التي كانت ستضرب عمق المنطقة المحتلة. وبعد إتمام كافة الخطوات الأولية من قبيل رصد الهدف وإدخال سيارة التنفيذ المجهزة ومن ثم الشيخ أسعد، حددت ساعة الصفر. أُعطي الشيخ أسعد الأمر بالانطلاق وانتظار الإذن للتنفيذ وانطلق منتظرًا ذلك الإذن، ولم يبق أمامه سوى الدوس على زر التفجير والالتحام بالهدف. طرأ في آخر ساعة خلل أمني لم يكن بالحسبان مما دفع المعنيين إلى إصدار الأمر له بالانسحاب سريعًا قبل أن ينكشف جهد معلوماتي وميداني وفني لن يعوض فيما لو اكتشفت السيارة واعتقل. والتزم الشيخ فانسحب.
غداة انسحابه وجد المعنيون أن إلغاء العملية في آخر لحظة والتزام الشيخ بتنفيذ الأمر والانسحاب بنجاح ساهم بإنجاح وتوفير الفرصة لتسع عمليات اختراق أمنية ضخمة خمس منها استشهادية أوسطها العملية التي نفذها هو بعد أربع سنوات في عمق الشريط الحدودي المحتل في القليعة.
السر في الموضوع كان التدبير الإلهي والذي أراد أن يبرز جانبًا من عظمة الشيخ أسعد التي تميز بها بين إخوته الاستشهاديين وكان فاتحتها قبل أن يلحقه الاستشهادي العظيم صلاح غندور “ملاك ” فيها، لقد كان الشيخ أسعد أول متزوج يقدم على عملية استشهادية.
لم تتحقق محاولة الشيخ أسعد الاستشهادية الأولى لأن الله أراد له أن يتزوج وينجب طفلة أسماها فاطمة ظل يسميها يتيمة من يوم ولادتها حتى سفره الأخير وكانت لم تبلغ الثالثة بعد عندما ارتحل على أجنحة الشهادة وفي أحشاء زوجته جنين في الشهر الخامس أوصى بأن يسمى مصطفى إذا كان ذكرًا.
السرايا تتحول إلى وحدة ينتسب إليها آلاف الاستشهاديين
عام 1985 وبعد نجاح المقاومة بدحر العدو من معظم الجنوب وتقوقعه في جيب حدودي مساحته 1100 كيلومتر مربع بدأت المقاومة الاسلامية ببصمات أحد مبدعيها الشهيد القائد الحاج سمير مطوط (جواد ) ومجموعة من رفاقه ومنهم أمير الميادين الشهيد الحاج خالد بزي (الحاج قاسم) بإعداد خطة مبدعة تزاوج بين اختراق جسم العدو وعملائه وتنسيب مجاهدين نوعيين في قلب مناطق الاحتلال (الشريط الحدودي المحتل)، وتكثيف العمليات النوعية على مواقع وقيادات وأهداف حساسة.
الهدف من ذلك كان تحقيق تراكم النتائج التعبوية والتكتيكية لفرض أسلوب قتال على العدو يتلاءم مع أساليب المقاومة التي اعتمدت أسلوب الحرب اللامتماثلة في حرب عصابات وضعت بصمتها عليه وزاوجت فيه بين عدد من المدارس العسكرية.
جرى استقطاب استشهاديين من داخل الشريط المحتل ومن خارجه من جسم المقاومة العامل ومن جسم حزب الله، وتنوع المستقطبون المتقدمون طوعياً للعمل الاستشهادي بين أفراد ومسؤولي الجسم المتفرغ في حزب الله في المجالين الجهادي والمدني وبين أفراد التعبئة العامة والجهادية.
ولاحقاً قررت القيادة بعناية خاصة وإشراف مباشر من القائدين الجهاديين الكبيرين الحاج عماد مغنية (الحاج رضوان) والشهيد المبدع الحاج مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار ) ورفاقهما تشكيل وحدة خاصة بالعمل الاستشهادي بعد الارتفاع الكبير في عدد المتقدمين بطلبات لتنفيذ عمليات استشهادية من كافة تخصصات حزب الله ومراتبه. وفي مرحلة من المراحل في منتصف التسعينيات وصل عديد المتقدمين بطلبات انتساب لهذه الوحدة إلى الآلاف من جميع الأعمار والمراتب التنظيمية والاختصاصات.
وفي أكثر من مناسبة سعت القيادة لاختبار جاهزية وحافزية المنتسبين لسرايا الاستشهاديين قبيل التحرير عام 1999 وبعد التحرير بين عامي 2000 و 2006 وأعوام 2010 و 2014 و2021 فكانت تجد أن الجاهزية والحافزية لدى المتقدمين قد ارتفعت بشكل كبير، وفي كل مرحلة من مراحل الاختبار هذه كانت اعداد المنتسبين الجدد تزداد بالمئات.
إشارة في الختام إلى أن العمل الاستشهادي في المقاومة الاسلامية لا يتم بطريقة التجنيد أو الاستقطاب الذاتي بل يتم بطريقة الانتساب الطوعي حيث لم تعلن قيادة المقاومة يوماً في تاريخها إعلاناً داخلياً مكتوباً أو شفهياً عن حاجتها لاستشهاديين بل إن تاريخ المقاومة الاسلامية وحزب الله يشهد أن الانتساب يتم بشكل طوعي وفي بعض الأحيان يتوسل المنتسبون لأن يُقبلوا وأن يكونوا في أولويات المختارين لتنفيذ العملية الاستشهادية. ومن المفيد الاشارة هنا إلى أن سيارة التنفيذ في أكثر من عملية استشهادية كانت ملكاً شخصياً لمن نفذوا فيها عملياتهم وأولهم فاتح العمليات الاستشهادية الشهيد أحمد قصير الذي نفذ عمليته بسيارة يمتلكها شخصياً قام بالتبرع بها لهذا العمل المجيد.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.