بالتزامن مع تحسن البيئة الأمنية لإيران على حدودها الجنوبية، بعد “اتفاق بكين” الأخير، تشهد الحدود الشمالية لـ “الجمهورية الإسلامية” واقعاً أمنياً صعباً مع أذربيجان، على خلفية محاولة فرض أمر واقع لتغيير الحدود في منطقة القوقاز، سواء حدودها مع #ارمينيا ، أو حدود الأخيرة مع إيران. ويترافق هذا التوتر الحدودي، مع فتور في العلاقات الإيرانية – الأذربيجانية خلال الأشهر الماضية، أعقب حادثة استهداف السفارة الأذربيجانية في #طهران . وتتواتر الأنباء عن تحذيرات بعثت بها القيادة الإيرانية، عبر قنوات دبلوماسية، تحذّر فيها باكو من استخدام القوة لأهداف توسعية، بخاصة داخل المناطق المتنازع عليها مع الجانب الأرميني، وهي تحذيرات ترجمتها بإجراء مناورات عسكرية أواخر العام الفائت على حدود أرمينيا، عدّتها باكو دعماً لغريمتها يريفان.
وانطلاقاً من واقع التحالفات الإقليمية، تميل باكو، الحليفة التاريخية لأنقرة، غالباً إلى إزعاج جيرانها الإيرانيين بالواسطة عبر زيادة الضغط العسكري والسياسي على أرمينيا، حليفة طهران، وتحديداً عبر مساعٍ حثيثة تبذلها لتغيير الواقع في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، بين باكو ويريفان، كما جرى أواخر العام 2022، عندما حاولت أذربيجان احتلال أراضٍ جديدة في تلك المنطقة، مستغلة انشغال روسيا، الحليف الآخر لأرمينيا، بحرب أوكرانيا، أو بصورة مباشرة عبر تعزيز الحضور “الإسرائيلي” على أراضيها، وصل إلى حد إعلان سلطات أذربيجان أواخر الشهر الفائت افتتاح سفارة لـ “إسرائيل” في باكو، وصولاً إلى طرد أربعة ديبلوماسيين إيرانيين بتهم تجسس. فعلى الصعيد العسكري الميداني، أعلنت دائرة الحدود الأذربيجانية قبل أيام تدشين نقطة تفتيش على الأراضي الخاضعة لسيطرتها، عند مدخل طريق “لاتشين-خانكيندي”، الواصل بين الأراضي الأرمينية والإقليم، علماً أنه الطريق الوحيد بين البلدين الجارين الذي لا يخضع لسيطرة القوات الأذربيجانية، باعتباره يحظى بحماية روسية، بموجب اتفاق العام 2020 بينهما.
ولتبرير تحركها، زعمت حكومة الرئيس إلهام علييف أنه جاء رداً على تحرك مماثل من قبل أرمينيا. أما فيما يتعلق بالعلاقات المتنامية بين باكو وتل أبيب، فلم يكن مستغرباً أن يستغل وزير الخارجية “الإسرائيلي” إيلي كوهين، منبر افتتاح السفارة الجديدة، الواقعة على بعد 20 كيلومتراً من الأراضي الإيرانية، ليعلن اتفاقه مع نظيره الأذربيجاني جيهون بيرموف على قيام “جبهة موحدة” ضد إيران.
من جهتها، تقيّم طهران ببالغ القلق تقاطعات “الشهية التوسعية” لدى كل من “إسرائيل” و #اذربيجان على حدودها الشمالية، وتستشف منها دوراً “إسرائيلياً” تخريبياً يلعب على وتر تغليب محاولات باكو توسعة حدودها على حساب يريفان. وبالإضافة إلى ممر “لاتشين-خانكيندي” يشتمل المخطط الأذربيجاني على ضم ممر زانغزور ومقاطعة سيونيك الأرمينية، المتاخمة لإيران. الموقف الرافض لذلك المخطط لم تتورع إيران عن التعبير عنه مراراً، وعلى لسان أكثر من مسؤول.
وقد جاء التعبير الأوضح عن هذا الموقف من رأس هرم القيادة في “الجمهورية الإسلامية” حين أعرب مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، خلال محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صيف العام الماضي، رفض بلاده الحاسم لهذا المخطط، وهو الموقف نفسه الذي سمعه سكرتير الأمن القومي الأرميني في زيارة قام بها إلى طهران في نيسان/ أبريل من العام نفسه. وكتعبير عملاني، تحركت الدبلوماسية الإيرانية سريعاً لاحتضان حلفائها الأرمن، عبر افتتاح قنصلية تابعة لها في مدينة قبان، وهي عاصمة مقاطعة سيونيك، التي شهدت أكثر من جولة اشتباكات عسكرية بين الجيشين الأرميني والأذربيجاني في الآونة الأخيرة.
في ضوء ما سبق، يرى محللون غربيون أن توتر العلاقات بين #ايران ، وجارتها الشمالية يزيد من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بينهما، لا سيما وأن الإيرانيين لا يخفون انزعاجهم من المشاريع التركية، بالتعاون مع دول مجاورة، كأذربيجان، وتركمانستان لإقامة ممرات برية تربط بينها وبين تركيا، من ناحية، وتقديراتهم بوجود اتفاق ضمني بين باكو وتل أبيب للعمل ضد بلادهم من ناحية ثانية. وفي هذا السياق، كما يشير الأستاذ المساعد في الشؤون الدولية في كلية بوش للحوكمة والخدمات العامة بجامعة تكساس، محمد آية الله طبار إلى أن “إيران حذرت مراراً وتكراراً من مغبة السير (من جانب أذربيجان وتركيا) في مخطط إنشاء ممر زانغزور”. وأوضح أنّه “إذا لم يتم التوصل إلى حل وسط لهذه القضية، وحاولت باكو فرض إنشاء هذا الممر بالقوة، فإن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي، كما كان عليه الحال (إبان هجوم أذربيجان على أرمينيا) عام 2020”. وتابع: “هذه المرة ستتحرك إيران (ضد باكو)”.
بدوره، يشدّد أستاذ العلاقات الدولية في “الجامعة الأوروبية” في العاصمة الجورجية، #تبليسي ، إميل أفدلياني على أنّ طهران “لا تشعر بالرضى إزاء تغير ميزان القوى على حدودها الشمالية”، مرجّحاً أن ترد على الأمر من خلال “زيادة انخراطها” في منطقة القوقاز. ويجزم أفدلياني بوجود خطوط حمر إيرانية في تلك المنطقة، مؤكداً أن “الجمهورية الإسلامية” ستعمد إلى “الرد بقوة أكبر إذا ما رأت أن خطوطها الحمراء تلك قد تم تجاوزها”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.