د. أحمد الشامي – خاص الناشر |
رأيت اهتمامه بضيوفه غير اعتيادي، فسألته عن سرّ هذا الاهتمام الاستثنائي، قال لي: إنّهم رسل عالم دين اسمه الإمام الخميني، وقد بعثهم ليتفقدوا أحوال الناس إثر الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، رغم انشغال الإمام بالإعداد لثورة شعبيّة في إيران سوف تغيّر وجه العالم.
كان ذلك في العام 1978، حين أطلق الحاج حسين الشامي وإخوانه حملة إغاثة للنازحين من قراهم هربًا من الهمجيّة الإسرائيلية، وقد اتخذوا من المسجد في منطقة الشياح (الطيونة) مقرًا لتلقي التبرعات الماليّة والعينيّة، ولإعداد وجبات الطعام للنازحين، وتوضيب ما توافر من احتياجات أساسيّة لتوزيعها عليهم.
كشفت مرحلة السبعينيات عن ركائز أساسيّة في شخصيّة الحاج حسين، وهي اعتقاده الحاسم بجدليّة العلاقة بين عبادة الله وخدمة الناس، كما اعتقاده بحتميّة الخلاص عبر الدين، شرط أن يتوافر العالم الرباني القائد الممهّد لخلاص البشريّة من الظلم ومحقق العدالة الإلهية.
فكانت تلك العلاقة المبكرة بالإمام الخميني وأطروحته الثورية، حيث جعل الحاج حسين في البداية من منزل الأهل مكانًا لعرض ما يصلهم تباعًا من خطابات الإمام ومشاهد حيّة عن أحداث الثورة في شوارع إيران، وسرعان ما تحوّلت شوارع الضاحية إلى تظاهرات شعبيّة تحاكي ما يحصل هناك، فغدا سقوط الشاه مطلبًا في لبنان كما إيران.
الدرس الأساس الذي حفرته أطروحة الإمام الثورية في وعي الحاج حسين كانت في مسألة الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه، لذلك كان من أوائل المدرّسين لها في مسجد الطيونة، ثم في مكتبة الشهيد مرتضى مطهري. والترجمة العمليّة بدأت مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، حيث أعلن وإخوانه في أطر إسلامية متعددة، مبايعتهم الإمام الخميني والالتزام التام بوصيته، من خلال إلغاء أطرهم التنظيمية، والذوبان في إطار مقاوم واحد جامع ذي عقيدة موحّدة، فكان حزب الله.
لقد آمن الحاج حسين بأن المجتمع الطبيعي مقاوم، وبالتحديد، لمّا تتخلى أو تعجز الدولة عن حمايته إزاء ما يتهدده من تحديات، فيعمل على بناء قدرات قتالية رادعة للعدو، كذلك آمن بأنّ المقاومة الجادة هي مجتمع، فاقتدارها باقتداره، وتماسكها بتماسكه، وانتصارها مرهون بدوام احتضانه لها، يمدها بالدعاء، والصبر، وبمجاهدين أوفياء.
ليس في فكر الحاج حسين أن المقاومة دولة أو دويلة، ولكنها يستحيل أن تؤدي دورها بعبثيّة، فالعمل المؤسساتي هو الكفيل بتأطير المبادرات الفردية وتفعيلها وتوجيهها نحو هدف جامع، فكما مقاومة العدوان عسكريًا وأمنيًا يحتاج إلى تشكيلات منظمة، فإن المقاومة المجتمعيّة تتطلب أيضًا إيجاد أطر مماثلة.
لقد برع الحاج حسين وإخوانه في التأسيس لأطر اجتماعية تسهم في جعل المقاومة ومجتمعها أكثر اقتدارًا على الصمود والمواجهة وصناعة الانتصارات. والبداية بعد تأسيس الحزب وبتوصية من الإمام مباشرة، كان في مؤسسة تحتضن عائلات الشهداء والجرحى والأسرى والمستضعفين في لبنان بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والمذهبية والمناطقية. فالمعيار الأساس لتلقي الرعاية هو العداء للكيان الاسرائيلي.
وانطلقت عجلة التأسيس للمجتمع المقاوم، من إطار إلى آخر، فكانت المستوصفات، ومراكز الدفاع المدني، والمستشفيات، ومراكز الرعاية الاجتماعية، وجهاد البناء، ومراكز الإمام الثقافية، وهيئة دعم المقاومة. وإلى جانبهم مركز الدراسات الاستراتيجية للتخطيط، الذي بنى الحاج حسين عليه الآمال بتقديم رؤية لاقتصاد مقاوم.
فالاهتمام بالاقتصاد يحضر بقوة عند الحاج حسين، وهو خريج إدارة الأعمال والمولع بأفكار الشهيد الصدر الاقتصادية، حيث اعتبر أن الاهتمام بهذا الجانب من أهم مرتكزات بناء المجتمع المقاوم، وقد وجد في مؤسسة القرض الحسن نواةً تصلح كنموذج بديل عن البنوك الربوية، لذلك، أخذت منه هذه المؤسسة آخر فترة من عمره ولربما صحته أيضًا، وبالتحديد، بعد تدمير مراكزها في حرب 2006. وقد منحته الإدارة الأمريكية وسامًا حين وضعته على لائحة الإرهاب.
إنّنا نشكر الله العزيز القدير أن وفّق الحاج حسين ليكون مجاهدًا في سبيله، ودعاؤنا أن يتقبله بواسع رحمته متجاوزًا عن أيّ تقصير بدر منه. والشكر موصول للأوفياء في دعمهم رحلته الجهادية، ولطف اهتمامهم خلال فترة مرضه، ومواساتهم بعد وفاته وانتقاله إلى حياته الأبدية.
ويبقى الرجاء الكبير أن يتطلّع دائمًا إلى سماحة السيد حسن نصر الله، فيديمه أمينًا على العطاءات والتضحيات والإنجازات، وموفقًا يبعث فينا الوعي والأمل والعزيمة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.