منذ أن بدأ التمهيد لمسار التطبيع مع العدو الإسرائيلي في المنطقة، وبدأ الحديث عن عدو بديل، بشكل محدّد من دول الخليج، وبشكل أدق من المملكة العربية السعودية، كان الاتجاه للذهاب إلى أبعد من النهاية في هذا الإطار، فمشى بمسار تصاعدي تصعيدي ضمن سلّة متكاملة سياسية إعلامية شعبية عبر محاولات إظهار ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي والترويج له، إلا أن هذا المسار اصطدم بأعمدته نتيجة تغيّر الظروف التي عاكسته ولم تصبّ بمصلحته.
صحيح أن نتنياهو من جهة وبن سلمان من جهة أخرى، كانا أحد أعمدة صفقة القرن، إلا أنها كانت محكومة بظروفهما وظروف تلك المرحلة، فنتنياهو وقتها ليس هو نفسه اليوم في ظل وضع الكيان المنقسم والمأزوم، وبن سلمان وقتها ليس هو نفسه اليوم بفشل حربه على اليمن وبكل خياراته في سوريا والعراق ولبنان.
لذا يمكننا أن نقول إن البحث عن عدو بديل، ألا وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من قِبل الدول التي روّجت للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، كان في مرحلة تصعيدية بإطار سياسة تصادمية انفجرت بأكثر من دولة ووصلت الى حدود قصوى، لربما غير متوقعة في المواجهة والنتائج، إلا أن الآن هناك إعادة حسابات مختلفة حتى لو لم تتضح أفقها بعد.
فما حصل بين إيران والسعودية الآن حدوده خفض التصعيد، وإطلاق مسار فيما بينهما لتسير العلاقة بشكل طبيعي. فالتموضع السعودي لن يتغيّر وكذلك الإيراني، إلا أن ذلك لا يعني أننا لسنا أمام مرحلة جديدة من العلاقات التي تحكمها المتغيّرات..
فمن بداية الاتفاق الأيراني -ا لسعودي خرج كلام سعودي إلى العلن، ألزموا أنفسهم به، ومفاده أنهم سيعودون إلى مبادرة السلام العربية التي أُعلِنت في قمة بيروت عام 2002، والتي تتضمن بأنه لن يحصل تطبيع قبل التسوية العادلة والشاملة في المنطقة. ما يعني أن التطبيع بالشكل الذي كان يسير به جُمِّد في الوقت الحالي إلى أجل غير مسمى، فبعد أن كانت السعودية مستعجِلة الى تطبيع العلاقة مع العدو الإسرائيلي وبدأت بمسارات تمهيدية لهذه الخطوة، تحوّل المسار الى اتجاه اخر بحيث باتت مستعجلة إلى إعادة العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كأولوية بالنسبة لها، صحيح أن المسارين منفصلان، إلا أنه بات مسار يتقدّم على مسار آخر على الأقل إذا بقيت الأمور تسير بهذا الاتجاه.
وبما أن المسار منفصل بين العلاقة السعودية – الإيرانية من جهة والعلاقة السعودية – الإسرائيلية من جهة ثانية، فالمملكة لن تذهب بخصومة مع الكيان الإسرائيلي بكل تأكيد، فالعلاقة ثابتة إلا أنها محكومة بتغيّرات دولية وإقليمية فهي تُجاري المرحلة أو تأخذ شكل يتناسب مع التطورات الحالية التي طرأت على العلاقات بين الدول.
العلاقة لها جوانب عدة، وهي مرتبطة أيضًا بالإدارات الأميركية المختلفة، فالمملكة حالياً لديها أزمة مع الديمقراطيين الذين علاقتهم مأزومة مع حكومة الاحتلال، باعتبار أن هناك تباينات بينهما بحيث خرجت تصريحات أميركية علنية تنتقد أداء حكومة نتنياهو، لكن هذا لا ينفي أن العلاقة بينهم علاقة استراتيجية وهم ضمن معسكر واحد، لكن المملكة غير مستعجلة على أي خطوة متقدمة بظل توقيت سياسي غير مناسب، فلماذا تُعطي هذا الإنجاز السياسي لإدارة بايدن وحكومة نتنياهو؟
من جهة أخرى، الواقع الإسرائيلي الحالي أيضاً لا يسمح بإكمال هذا المسار، فالأولوية للداخل المنقسم والذي يطال مختلف نواحي الكيان من قضاء ومؤسسات وجيش ورأي عام، ومَن يريد أن يتعامل مع “إسرائيل” من الآن وصاعداً، عليه أن يُفكِّر قبل ويسأل عن مصير الكيان خاصة بظل الحديث عن بقائه من زواله.
ولكن رغم الظروف الطارئة لكلا الجانبين، فإن العلاقة بين السعودية – و”إسرائيل” ستبقى قائمة، بحيث سيبقى الطيران الإسرائيلي يمرّ عبر أجواء المملكة، وسيبقى التنسيق الأمني بينهما، ولكن ستستمر ظاهريًا بشكل مختلف، فهي كانت سرّية، بعدها أصبحت علنية وقحة، والآن سيتم إعادة رسم العلاقة بالشكل الذي يتناسب مع المرحلة الحالية.
إذًا، ما يحصل اليوم أن هناك معطيات سياسية في الإقليم، والجميع يقوم بمراجعة الثابت فيها أن العلاقات السعودية – الإسرائيلية ستبقى قائمة وجيدة ومستمرة، لكن غير منفصلة عن المتغيّرات التي تحصل في العالم، فهناك معطيات دولية كثيرة تغيّرت، إلا أنهما لا يزالان في ذات المعسكر الغربي، لكن الغرب نفسه يتغيّر موقعه بحُكم التطورات التي لا زالت في بدايتها وتُنذِر بولادة عالم جديد.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.