على وقع المأساة والألم، نفضت الشعوب أوجاعها ووجهت أبصارها إلى سوريا، سوريا التي ذاقت أشد أنواع القهر والحصار، والتي ما زالت رغم ما حل بها تقاوم بإرادة الحياة والبقاء والأمل.
نحن الأمة الواحدة، المقاومة الصابرة، الممتدة من جنوب لبنان إلى شمال سوريا، مرورًا بكل مكان من هذه البقعة الجغرافية، نعرف جيدًا معنى أن يناضل المرء ليعيش، ليتحرر من الاحتلال والعدوان. وبما أن المعاناة واحدة، فالمواساة أيضًا واحدة، والإنسانية التي بين هذا الشعب وذاك، لن يجزئها أحد، ولن يمسها أحد، وكما أنه لا يشفق على المظلوم إلا مظلوم، فالشريف أيضًا يشفق على الشرفاء أمثاله.
الشعب اللبناني لقانون قيصر: كسرنا جبروتك
وقعت الواقعة في سوريا. كارثة هزت البلاد والعالم بأسره. شعوب كثيرة أعلنت دعهما ووقوفها إلى جانب الشعب السوري، الذي كان منذ أيام، لا بل سنوات، يقف وحيدًا في مواجهة أشرس الحروب التاريخية على الإطلاق، بينما الدول العربية وحكوماتها وقفت موقف الحياد، والبعض الآخر موقف المساند المتضامن والأكثرية العظمى موقف المتآمر.
وفي ظل ما حدث ويحدث، كان قانون الشيطان الأكبر “أميركا” المسمى بقانون قيصر، يرمي بظلاله القاسية الظالمة على كل ركن من أركان سوريا، روحًا وجمادًا، ولم يترك لهذا الشعب من منفذ، في محاولة لتضييق الحصار عليه، وبالتالي تضييق حلقة الحياة والعيش، وإدخال البلاد والعباد في مسلسل الموت البطيء، تحت خطيئة أنهم شرفاء، مقاومون، مناضلون صامدون في وجه أميركا وعملائها من الصهاينة والعرب.
ولأن الحياة وقفة عز، ولأن آلام شعب لبنان ومعاناته واحدة موحدة مع أبناء الشعب السوري، كان لشعب لبنان وأهله كلمة أخرى، وموقف آخر، كسروا من خلاله قانون قيصر، وأي قانون آخر كان يمكن أن يمنعهم من أداء واجبهم الإنساني والأخوي والتاريخي.
هب الناس من كل ناحية وصوب، جمعوا طاقاتهم وما استطاعوا إليه سبيلًا، وقبل ذلك قلوبهم ودعواتهم، وتوجهوا إلى سوريا الجريحة، تاركين خلفهم كل ما يمنعهم، مصممين على أداء واجب الأخوة الذي تناساه معظم العرب مع شقيقتهم الغريبة النازفة، فمضت قوافل الحب لإغاثة أهلها.
لم ينتظر الأهالي أن يدعوهم أحد، أو أن يطلب منهم، أو حتى أن ينظم مبادراتهم ومساعيهم التي بارك الله بها، وأيدها بعونه ولطفه، فمضت قوافلهم ولا زالت، وسوريا المقاومة التي لم يبخل عليها الشرفاء بالأرواح والدماء، لم ولن يبخلوا عليها بما هو دون ذلك، لأن الروح واحدة والقضية واحدة والأمة واحدة.
وفي هذا السياق، وفي مبادرة جديدة لافتة، لا بد من الإشادة بالوفد الوزاري اللبناني الذي زار سوريا معزيًا بعد الأزمة الإنسانية التي لحقت بها، والتقى على إثرها بالرئيس السوري، وذلك بعد سنوات من القطيعة في محاولة لإعادة إحياء العلاقات بين الدولتين والتعاون في جميع المجالات.
“رحماء” أبرز حملات المؤازرة والمساندة
في إطار تنظيم الحملات المتعددة والهادفة إلى تقديم أي نوع من أنواع المؤازرة والمساندة، جاءت حملة “رحماء” التي نظمها حزب الله في مقدمة هذه الحملات، حيث كان قد أعلن عنها منذ الأيام الأولى للكارثة الإنسانية التي أصابت الشعب السوري الشقيق، وهدفت الحملة إلى إغاثة المصابين والمنكوبين بأي طريقة ووسيلة متاحة في محاولة لكسر الحصار الظالم عليهم.
أول تحركات وقوافل هذه الحملة، انطلق منذ اليوم الثاني للكارثة، وهي عبارة عن مجموعة من الكوادر البشرية التابعة للدفاع المدني – الهيئة الصحية الإسلامية، تبعتها بعد ذلك قافلة من المساعدات المالية والعينية على اختلافها، انطلقت نهار الأحد المنصرم باتجاه اللاذقية، على أن تليها قوافل أخرى إلى حلب ومناطق سورية أخرى.
هذه التحركات الميدانية، أعلن عنها رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، السيد هاشم صفي الدين، نهار الأحد، وقال إنّ “المتضررين يحتاجون إلى كل مساعدة، وسوريا لطالما وقفت إلى جانب لبنان في محنه”، معاهدًا السوريين على “الوقوف دائمًا إلى جانبهم، ومعهم في هذا التحدي الكارثي”.
وفي هذا السياق يستكمل حزب الله عبر مؤسساته وكوادره البشرية المعنية التحضير للمراحل التالية من هذه الحملة، عبر إعلان كافة المؤسسات التابعة له عن استقبالها التبرعات بكل أشكالها فضلًا عن استنفار كافة الطاقات الممكنة لجمع التبرعات وإيصالها بأسرع وقت ممكن.
برهن الشعب اللبناني اليوم وللعالم بأسره، عن أنه لا توجد قوة في هذا العالم قادرة أن تمنعه من أداء واجبه الإنساني والأخلاقي مع الشعب السوري الشقيق، وأن قانون قيصر وما سبقه وما سيأتي بعده، هي قوانين تافهة ظالمة لا وجود لها في قاموس هذه الأمة ولا اعتراف بها مهما تعاظمت آثارها، والشعب الجبار الذي لم يمنعه شيء في الوجود عن إرادة الحياة، لن يقف في وجه قيصر، ولا ألف من أمثاله.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.