ردا على اعتراف موسكو باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين عن كييف، علقت ألمانيا المصادقة على مشروع “نورد ستريم 2″، والذي كان من المفترض أن يوصل الغاز الروسي إلى برلين ومن ثم أوروبا عبر البحر.
وجاء تعليق المصادقة على المشروع كخطوة أولية في طريق فرض عقوبات غربية على موسكو، نتيجة لدعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
وكان قد تم إنهاء تجهيز هذا الخط الذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن لم يبدأ العمل به في انتظار المصادقة عليه في البرلمان الألماني.
أهمية “نورد ستريم 2”
تعد ألمانيا أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي، حيث تستهلك 40 في المائة من الغاز الروسي الواصل إلى أوروبا، بالمقابل فإن فرنسا التي كانت إحدى الدول المطالبة بوقف مشروع “نورد ستريم 2” ما زالت تلبي أغلب احتياجاتها من الطاقة عبر محطاتها النووية.
وتكمن أهمية هذا الخط، وفق خبراء، في أنه يوصل الغاز لأوروبا بتكلفة أقل بنسبة 25 في المائة تقريبا، كذلك سيستفيد منه 25 مليون منزل ألماني، بالمقابل فإنه في حال تشغيله سيحرم أوكرانيا من رسوم العبور التي تدفعها لها روسيا نتيجة استخدامها أراضيها لنقل الغاز إلى أوروبا.
كذلك يساعد هذا المشروع في استمرارية تدفق الغاز إلى أوروبا بعيدا عن الحاجة لنقله عبر أوكرانيا التي تعيش اضطرابات سياسية قد تؤثر على عملية التزود بالغاز.
إلا أن رؤوف محمدوف، مؤسس ومدير غرفة الطاقة الأوروبية الآسيوية، وزميل غير مقيم في مؤسسة جيمس تاون ومعهد الشرق الأوسط، يقلل من أهمية هذا المشروع بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وقال محمدوف لـ”عربي21″ إن “نورد ستريم 2، لا يحمل أي أهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لأنه لن ينقل كميات إضافية من الغاز، فهو تم بناؤه فقط لتلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي والتي تصل أصلا عبر طرق ووسائل أخرى”.
وأكد أن “مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2″ هو محاولة من موسكو لإخضاع الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر، وذلك من خلال الوصول إلى السوق الأوروبية مباشرة، وبالتالي فهو مشروع سياسي لا يمكن إيقافه إلا بالإرادة السياسية”.
من جهته اعتبر المحلل الاقتصادي في مؤسسة دراسات دول الخليج في واشنطن، الدكتور أوميد شكري أن “نورد ستريم 2، مهم للطرفين، فهو يوفر الغاز لأوروبا، وبالنسبة لروسيا فإنه يعني زيادة اعتماد أوروبا عليها في مجال الطاقة”.
وأوضح شكري، أنه “نظرًا لأزمة الطاقة وحقيقة أن أوروبا لا تستطيع توفير الغاز الطبيعي المطلوب من مصادر أخرى، فإن بدء استيراد الغاز من خلال “نورد ستريم 2″ كان يمكن أن يحل جزئيًا أزمة الطاقة في أوروبا، ولكن في نفس الوقت يزيد اعتماد أوروبا على موارد الطاقة الروسية”.
وتابع شكري في حديث لـ”عربي21″: “لكن بالمقابل ستزيد روسيا من اعتماد أوروبا على موارد الطاقة الروسية، الأمر الذي يتعارض مع الأمن القومي وأمن الطاقة الأوروبي، وبالتالي ستؤدي العقوبات الجديدة ضد روسيا، ومنها وقف مشروع “نورد ستريم 2″ إلى زيادة سعر الغاز الطبيعي، ما يعني زيادة نطاق أزمة الطاقة في أوروبا”.
تأثير وقف المشروع على الجانبين
ويمر خط الأنابيب “نورد ستريم 2” والذي بلغ تكلفته 11 مليار دولار عبر بحر البلطيق من خلال مسار يبدأ من غرب سيبيريا ليصل إلى ألمانيا، وهو مملوك لشركة غازبروم الروسية العملاقة للطاقة، وتشغيله كان سيساهم في مضاعفة قدرة الخط الأول “نورد ستريم 1”.
وفي ظل الحاجة الأوروبية الملحة للغاز خاصة في فصل الشتاء، ومع قلة توفر بدائل كثيرة وفقا للخبراء، يبقى السؤال الأهم ما تأثيره على الاتحاد الأوروبي؟ وما هو البديل؟ كذلك ما تأثيره على روسيا التي تسعى لتقليل اعتمادها على أوكرانيا لنقل غازها عبر أراضيها؟
أوضح مدير مركز معلومات ودراسات الطاقة، مصطفى البزركان، أن “المشروع كان في الأساس متوقفا لأسباب قانونية، ذلك لأن الشركة المشغلة مسجلة في سويسرا، لكن برلين اعترضت على ذلك وقدمت دعوى اعتراض لمحكمة ألمانية، لأنه بحسب تشريعات الاتحاد الاوروبي فيجب أن تكون الشركة مسجلة في ألمانيا”.
وتابع البزركان في حديث لـ”عربي21″: “لكن قرار الإيقاف هذه المرة كان سياسيا، ويكمن تأثيره في أن ألمانيا هي أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي، ما يعني أن القرار قد يدفع روسيا إلى وقف الغاز المار في خط “نورد ستريم 1″ ما سيخلق مشكلة طاقة حقيقية في ألمانيا”.
وأضاف: “بالمقابل فإن فرنسا وضعها يختلف تماما، فهي تعتمد على الطاقة النووية والتي تمثل 70 في المائة من مصادر الطاقة لديها، في حين أن ألمانيا أوقفت العمل في مفاعلاتها النووية لتوليد الطاقة”.
وحول البديل الذي يمكن أن تعوض دول الاتحاد الأوروبية الغاز منه عوضا عن الغاز الروسي قال البزركان: “لا يمكن توفير بدائل من دولة واحدة، وهذا ما أكده وزير الطاقة القطري في حديثه خلال القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز المنعقد في الدوحة”.
وأكد البزركان أن “تكلفة التزود بالغاز من مصادر أخرى ستكون عالية مقارنة بأسعار الغاز الروسي، حيث سيكون البديل هو الغاز المسال والذي يحتاج نقله إلى ناقلات بحرية وكذلك يحتاج لتوفر محطات تسييل”.
وحول تأثير وقف المشروع على روسيا وإمكانية مقاضاة الأخيرة ألمانيا بسبب وقفه قال البزركان: “تأثير وقف المشروع على روسيا ليس بذلك التأثير الكبير، فهي وقعت عقدا طويل الأمد قبل أسبوعين لتزويد الصين بالغاز”.
وأضاف: “كذلك يمكن أن ترد روسيا على هذا القرار بوقف الغاز المار عبر “نورد ستريم 1″ وكذلك وقف الغاز المار عبر خط يامال والذي يزود دول وسط أوروبا بالغاز الروسي، وأما قانونيا فقد يكون هنالك إمكانية لروسيا لمقاضاة ألمانيا التي لديها الأساليب القانونية لتبرير قرارها، ولكن كل ذلك يأخذ وقتا طويلا”.
“لا بديل ولكن”
من جهته أوضح خبير الطاقة رؤوف محمدوف أن “ألمانيا والاتحاد الأوروبي لا يملكان مصادر بديلة لخطوط الأنابيب أو إمدادات الغاز الطبيعي المسال لتعويض الانقطاع المحتمل للإمدادات من روسيا”.
واستدرك بالقول: “لكن السؤال هنا: هل سيكون من الضروري تعويض العجز المحتمل في الواردات، حيث لا الغرب ولا روسيا مهتمون باتخاذ مثل هذه القرارات الجذرية في هذا الصدد بالنظر إلى الترابط بين القطبين؟”.
وأكد أن “تعليق خط الأنابيب “نورد ستريم 2″ ليس له أي تأثير مباشر على أسعار الغاز، بل التصعيد بين الغرب وروسيا وتداعياته هو الذي قد يتسبب في مشاكل إمدادات الغاز في أوروبا”.
وأضاف: “بالمقابل هناك تأثير اقتصادي على روسيا، حيث استثمرت شركة غازبروم مليارات الاستثمارات في المشروع، كما أن هناك أيضًا تداعيات جيوسياسية لأن إلغاء المشروع يحرم موسكو من الوصول المباشر إلى السوق الأوروبية متجاوزًا أوكرانيا”.
“بديل عالي التكلفة”
بدوره قال الخبير الاقتصادي أوميد شكري: “نظرًا لأن معظم شحنات الغاز الطبيعي المسال يتم بيعها من قبل قطر والتي هي ودول أخرى ليس لديها طاقة إنتاجية فائضة، فإنه يجب على ألمانيا على المدى القصير استيراد غاز طبيعي مسال مرتفع السعر من اليابان مثلا”.
وأضاف: “ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى ليس لديها بديل للغاز الطبيعي الروسي على المدى القصير، ولكن من المقرر أن ترسل اليابان بعضًا من الغاز الطبيعي المسال المخزن إلى أوروبا في آذار/ مارس المقبل، وذلك لحل جزء من أزمة الطاقة الأوروبية”.
وأوضح أن “هذه الحلول المؤقتة يمكنها إدارة جزء من أزمة الطاقة، لكن قطع الغاز الطبيعي عن المصانع سيزيد البطالة ويقلل من الطاقة الإنتاجية”.
واستدرك بالقول: “لكن بنفس الوقت يمكن أيضًا التفكير في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي على المدى القصير وأثناء أزمة الطاقة”.
وحول التأثير على روسيا قال: “مثلما تحتاج أوروبا إلى الغاز الطبيعي الروسي، تحتاج روسيا أيضًا إلى الأسواق الأوروبية لزيادة تدفق النقد الأجنبي لها، وعلى الرغم من أنها وقعت مع الصين اتفاقية جديدة في الأسابيع الأخيرة لتصدير النفط والغاز لبكين، فإنها لا ترغب في تقليص حصتها في سوق الطاقة الأوروبية”.
وحول احتمالية لجوء روسيا للتحكيم التجاري للرد على وقف المشروع قال شكري: “لا أعتقد أنه يمكن لروسيا اتخاذ إجراء قانوني ضد العقوبات ضد نورد ستريم 2”.
قدامة خالد – عربي 21
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.