تعرضت إحدى أهم سفن روسيا للغرق في البحر الأسود، بعد اندلاع النيران فيها الخميس 14 أبريل/نيسان 2021، بعد أن أدت النيران المندلعة في السفينة إلى انفجار فيها، قبل تمكن السلطات الروسية من إجلاء جميع أفراد طاقمها.
قالت السلطات الأوكرانية إنها أصابت السفينة الحربية الروسية موسكوفا بصاروخين مضادين للسفن، من نوع نبتون؛ دون تقديم أي دليل على ذلك، وهي إحدى أخطر السفن في البحر الأسود، وشاركت سابقاً في اشتباكات مع القوات البحرية الأوكرانية.
بينما تقول روسيا إنها ستحقق في الحادثة، دون الاعتراف بأنها أصيبت بصواريخ أوكرانية مضادة للسفن، بينما تحدثت فقط عن اندلاع حريق على متن السفينة، أدى إلى انفجار ذخائر على متن السفينة.
وتمثل خسارة السفينة نكسة لروسيا، سواء كانت بسبب حادثة حصلت على متن السفينة فقط، أو كانت بسبب استهداف أوكراني للسفينة.
لكن حال ثبوت أن السفينة استُهدفت بالفعل من قبل القوات الأوكرانية؛ فذلك يعني ضربة كبيرة للعملية العسكرية الروسية، ونصراً معنوياً ومادياً للقوات الأوكرانية، رغم أنه- بحسب الإعلان الروسي على الأقل، لم يتسبب غرق السفينة بإصابات بشرية قاتلة.
هل غرق السفينة حادثة ومصادفة؟
تعتبر السفينة الروسية موسكوفا رمزاً للقوة البحرية الروسية، وإحدى أهم القطع العسكرية التي تقود العمليات ضد أوكرانيا من البحر، وخسارتها ضربة كبيرة للجهود البحرية لروسيا، والتي تشتهر فيها مقولة “لا صديق للروسي إلا الجيش والأسطول”، والتي أطلقها الإمبراطور ألكسندر الثالث، ورددها بوتين.
فهل يمكن أن القوات الأوكرانية أغرقت رمز الفخر الوطني والعسكري الروسي؟ أم أن من المحتمل أن السفينة غرقت نتيجة لحادثة لا علاقة لها بالعمليات العسكرية؟
بطبيعة الحال؛ رغم أن السلطات الأوكرانية لم تقدم أي أدلة على استهداف السفينة الروسية، إلا أنه من الطبيعي أن ترتفع احتمالات غرق السفن نتيجة لاستهدافات عسكرية، في ظل وجودها في مسرح العمليات الميداني، وكون الاشتباكات قريبة جداً، وتشكيل السفينة هدفاً شرعياً للقوات الأوكرانية، وضرورة لمحاولة التخلص منها في ظل التفوق الروسي البحري الكبير.
لكن مجرد عمل السفينة في الميدان يعني ارتفاع إمكانية حصول حوادث على متنها، والتسبب باحتراقها، ولكون السفينة تحمل ذخائر عسكرية شديدة الانفجار، فإن وصول أي حريق إليها لأي سبب كان يعني انفجار هذه الذخائر، وهي معدة لإحداث دمار كبير أصلاً، ومن المنطقي افتراض أن تغرق بسببها.
ولكن حتى لو كان غرق السفينة نتيجة لحادثة لا علاقة لها باستهداف أوكراني مزعوم؛ فذلك لا يعني أن الأسطول الروسي تعرض لنكسة كبيرة، قد تدل على عدم كفاءته، أو سوء صيانة ومراقبة القطع البحرية المهمة.
فغرق السفينة لأي سبب كان، يضيف دليلاً آخر على سردية أوكرانيا والغرب عن عدم كفاءة الجيش الروسي؛ سواء كان ذلك بسبب الإهمال الذي قد يكون السبب الأهم لحصول الحادثة، أو بسبب عدم قدرة السفينة على تجنب الوقوع ضحية لضربات أوكرانية.
حتى الآن لم تتوفر أدلة كافية لمعرفة سبب غرق السفينة، لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إنهم لا يستطيعون تأكيد استهدافها من عدمه بشكل مستقل، وهو أمر يشكك في صحة الرواية الأوكرانية حتى الآن؛ خصوصاً أن أمريكا تعمدت نشر معلومات استخباراتية غير مؤكدة؛ بهدف “إفقاد بوتين لتوازنه”.
كما أن بعض المحللين أكدوا أن نظام كشف الحرائق على السفينة قديم وغير كفؤ، وهو ما يعني أن من المحتمل فعلاً أن يكون الحريق قد نتج بشكل منفصل عن أي استهداف من القوات الأوكرانية.
الأسطول الروسي
دخلت السفينة الخدمة العسكرية في عهد الاتحاد السوفييتي، في بداية الثمانينات، وتم استخدامها مؤخراً في سوريا.
استخدمت السفينة في سوريا لأهداف حماية المصالح الروسية في سوريا، ضمن دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، والذي كان مهدداً من قبل المعارضة السورية، قبل أن تتدخل أطراف عديدة بينها موسكو لإنقاذ حكمه.
كما أنها السفينة الثانية التي تفقدها روسيا منذ بدء هجومها على أوكرانيا، ويعتبر الأمر محرجاً للقوات الروسية، ولجهود بوتين في أوكرانيا، ومحاولته تنفيذ أهدافه فيها، بينما تنتشر أنباء وتقارير المقاومة الأوكرانية غير المتوقعة ضد القوات الروسية.
ورغم أن الأسطول الروسي لا يقارن في القوة والكفاءة بالأسطول الأمريكي؛ والذي يعتبر أقوى أسطول في العالم، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مهتم به جداً منذ وصوله إلى السلطة، وقد أنيط بالقوات البحرية مهمات عسكرية كثيرة في سوريا وأوكرانيا خلال عهده.
صواريخ نبتون
تعتبر هذه الصواريخ المضادة للسفن من أهم السفن للمواجهات البحرية؛ فهي قابلة للاستخدام من البر والبحر، وتستطيع إصابة هدفها من بعد 300 كيلومتر.
تم تبنيها لأول مرة من قبل أوكرانيا فش أغسطس/آب 2020، ويزن الصاروخ 870 كيلوغراماً، ويحمل رأساً حربياً يزن 150 كيلوغراماً، ويستطيع تدمير أهداف حربية تزن 5 آلاف طن.
ابتدأت أوكرانيا تطوير هذه الصواريخ بعد خسارتها 80% من أسطولها عام 2014، في حربها الأولى مع روسيا بسبب شبه جزيرة القرم، ومعارك الدونباس في شرق أوكرانيا.
صُممت هذه الصواريخ لحماية الشواطئ الأوكرانية، في ظل معرفة الأوكرانيين بالتفوق الروسي الهائل في البحر عليهم، وكان من المخطط نشر ثلاثة من هذه الأنظمة على شاطئ بحر آزوف بحلول عام 2025، لتصبح في وضع تأهب دائم.
حوادث تاريخية
إذا كان الأسطول الأمريكي هو الأقوى في العالم، والأكثر كفاءة بين أساطيل دول العالم؛ فذلك يعني أن حصول مثل هذه الحوادث في الأسطول البحري الأمريكي يعني أنه ممكن الحدوث في أي أسطول آخر.
حصلت الكثير من الحوادث التي أدت إلى تدمير كامل أو جزئي للسفن الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بعضها حديث ويرجع إلى فترة الأعوام العشرة الماضية فقط.
أحد هذه الحوادث كانت احتراق سفينة ميامي، بعد أن أشعلها أحد عمال ميناء في عام 2012، وخسرت بسببه الولايات المتحدة 700 مليون دولار، وقرار البحرية الأمريكية التخلي عن السفينة بدلاً عن إصلاحها.
لكن مثالاً أكثر قرباً للحالة الروسية؛ هو ما حصل في عام 2020، عندما احترقت سفينة الـ”حارس Guardian” الأمريكية، والتي احترقت لخمسة أيام كاملة، بعد أن أتمت البحرية عملية إصلاح لها بقيمة ربع مليار دولار.
قدرت البحرية الأمريكية أن إصلاح السفينة سيكلف بين 2.5-3.2 مليار دولار، ومن 5-7 سنوات من الإصلاح، وظل سبب الحريق مجهولاً حتى الآن، وتم التخلص من السفينة أيضاً.
كما أن حوادث أخرى كثيرة حصلت في السفن الأمريكية، وفي غيرها من السفن، ولم تستطع السلطات أحياناً كشف أسباب الحادثة، أو التمكن من إنقاذ السفينة وإصلاحها.
فحتى في غير حالات الحرب؛ تظل إمكانية خسارة المعدات العسكرية الضخمة قائمة. طبعاً؛ هو نجاح كبير لجيش أضعف من أن يتمكن من تدمير قطع عسكرية ضخمة ومتفوقة لجيش أكبر منه، وبحظوظ أفضل للانتصار، لكن ذلك لا يعني أن الأمر غير مسبوق ولم يحصل سابقاً.
عربي بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.