مع اقتراب دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الثاني، شكلت الحرب الدائرة ساحة مثلى لمصنعي الأسلحة، لتجربة أحدث منتجاتهم التقليدية والتقنية، لتجربتها على أرض الواقع، في ساحة معركة حقيقية، بعيدا عن مواقع الاختبار التي تعطي مؤشرات أولية فقط على فعاليتها.
وعلى الرغم من أن الحرب في أوكرانيا، لا تزال إلى حد كبير، معركة استنزاف طاحنة، بكافة أنواع المدفعيات والتكتيكات التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، واعتماد الجانبين على أسلحة الحقبة السوفيتية، إلا أن التكنولوجيا الحديثة لعبت دورا كبيرا في توجيه هذه الأسلحة لتكون أكثر فعالية من الشكل التقليدي لاستخدامها.
ورصدت “عربي21” أهم الأسلحة والتقنيات الجديدة المستخدمة خلال عام من الغزو الروسي لأوكرانيا:
نظام معلومات “دلتا” الأوكراني
شبكة تبادل معلومات بين القوات الأوكرانية والناتو، كانت نتاج جهود مشتركة بين الطرفين، يجمع بين المعلومات الاستخبارية وصور الأقمار الصناعية، والبيانات القادمة من الأشخاص على الأرض، لتقديم مساعدة في كيفية اتخاذ أفضل القرارات في ساحة المعركة بشكل أكثر فعالية من الوضع التقليدي في الجيوش.
الاختبار الأول لشبكة دلتا كان في شهر شباط/فبراير 2022، بعد الغزو مباشرة، حين تتبعت الطائرات بدون طيار الأوكرانية، قافلة روسية عسكرية على امتداد 40 ميلا باتجاه كييف، ووفرت للقوات الأوكرانية الأرضية، أفضل المعطيات والمواقع لاعتراضها، إضافة إلى البيانات القادمة من السكان والتي احتوت على تفاصيل لا يمكن رؤيتها إلا عن قرب.
وقالت تقارير إن “دلتا” ساعدت القوات الأوكرانية، في مدينة خيرسون شرق البلاد، في كشف خطوط الإمداد الروسية والهجوم عليها، وتدمير الجسور المستخدمة ومستودعات الأسلحة ونقاط المراقبة، وعزل القوات الروسية، التي فوجئت بالخسائر الكبيرة، ومحاصرة من تبقى من عناصرها في المنطقة لتنسحب عقب ذلك.
وكشفت وزارة الدفاع الأوكرانية، أن شبكة “دلتا” ساعدت في تحديد 1500 هدف روسي، في كافة أنحاء أوكرانيا، والتي قضي على المئات منها في غضون 48 ساعة.
بنادق “سكاي ويبرز” المضادة للمسيرات
السلاح الذي ظهر للمرة الأولى في الحرب الأوكرانية، وهو عبارة عن بنادق نظام دفاع جوي، للطائرات بدون طيار، وهو نسخة محدثة من سلاح بني في ألمانيا، ولم يستخدمه الجيش الألماني نفسه حتى الآن.
ودخل السلاح الألماني، إلى الخدمة أواخر العام الماضي، ويعمل على تحويل مسار الطائرات بدون طيار، أو تعطيلها عن طريق قطع إشارات الاتصال الخاصة بها، ورغم أنها توفرت في ليتوانيا لمدة عامين، إلا أنها سلمت لأوكرانيا عبر برنامج المساعدات الأمنية والعسكرية لحلف الناتو.
وتحول “سكاي ويبرز” إلى أحد أبرز أسلحة التشويش في الحرب الأوكرانية، بسبب الكفاءة والفعالية التي أظهرها ضد الطائرات المسيرة الروسية، والتي تمكنت القوات الأوكرانية من إسقاط أو الاستحواذ على الكثير منها بعد قطع إشارتها عن مشغلها الروسي.
القوارب الانتحارية المسيرة
فاجأت القوات الأوكرانية البحرية الروسية، بقوارب مفخخة مسيرة، سريعة الحركة، ومحملة بكمية كبيرة من المتفجرات في البحر الأسود.
وكانت ذروة الهجوم بواسطة هذه القوارب صغيرة الحجم، في تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي، بعد ضربها قطعا للأسطول الروسي على سواحل سيفاستوبول.
وأشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة زودت أوكرانيا بهذه القوارب، والتي تحتوي على محرك صغير، وأدوات اتصال للتحكم بها عن بعد، بالإضافة إلى كاميرات تصور مسارها، وهي رخيصة الكلفة مقارنة مع البوارج الحربية الروسية التي لحقت بها أضرار كبيرة.
نظام الصواريخ الموجهة “آيريس تي -T IRIS”
نظام دفاع جوي ألماني، ظهر للمرة الأولى عام 2015، الجيش الألماني لم يستخدم النسخ المحدثة منه، ولم يجرب على ساحات معارك حقيقية، وأثبت فعالية في الحرب الأوكرانية.
يقوم “آيريس تي” على صواريخ موجهة متوسطة المدى، تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وقادر على مواجهة الطائرات المسيرة الروسية، وحتى صواريخ كروز التي تسببت بدمار كبير للمدن الأوكرانية، وقامت المنظومة الألمانية بإسقاط عدد منها بسهولة بعد انطلاقها صوبها.
الصاروخ المضاد للإشعاع ARM
سلاح هجومي عبارة عن صاروخ قادر على اكتشاف ومهاجمة الأنظمة الروسية، التي تنبعث منها إشارات كهرومغناطيسية قوية، مهمتها التشويش على رادارات الخصم.
ويتتبع الصاروخ الإشارات المنبعثة من أجهزة ومحطات التشويش الروسية على رادارات أوكرانية، ويدمرها على الفور، ما يعني حرمان القوات الروسية من محطات تنسيق الإشارات فيما بينها والتعمية على قواتها.
المدفعية الصاروخية الموجهة HIMARS
شكلت الحرب الأوكرانية فرصة كبيرة لتجربة فعالية نظام “هيمارس” الأمريكي، للمدفعية الصاروخية، ويتكون من نظام محمول على عربة، و6 صواريخ قابلة لإعادة التحميل، وسرعة في الانتقال من الثبات إلى الإطلاق على مواقع الخصم، وبمدى 43 ميلا، ثم سرعة الانسحاب.
وتمكن السلاح المصنوع منذ عقود ولم تقدمه الولايات المتحدة لدول أخرى، من ضرب أهداف روسية عالية القيمة، خلف الخطوط وقطع الكثير من خطوط الإمداد ومرابض المدفعية الروسية، ووصل الحد بنظام “هيمارس” إلى تدمير 50 مستودع ذخيرة كبيرا للقوات الروسية.
وحتى الآن لا يوجد لدى القوات الروسية، سلاح مضاد قادر على إسقاط صواريخ “هيمارس” الأمريكية دقيقة التوجيه.
الطائرات بدون طيار “رباعية المروحيات”
رغم أن هذه الطائرات صنعت بالأساس لأغراض مدنية، إلا أنها خضعت لتطويرات وتحسينات، لتؤدي أغراضا عسكرية، أثبتت فعالية في إلحاق أضرار بالخصم.
واعتمدت القوات الأوكرانية، على طائرات مسيرة صغيرة الحجم من تصنيع غربي، وبواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، تمكنت من ابتكار قنابل صغيرة الحجم والوزن، تتمكن الطائرات المسيرة الصغيرة من حملها، وإلقائها على تجمع صغير للجنود الروس، أو داخل الخنادق، وقتلهم أو إحداث إصابات فادحة في صفوفهم، كما كشفت العديد من المقاطع المصورة للجيش الأوكراني.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، طورت القوات الأوكرانية، طائرات الألعاب الصغيرة، رخيصة الثمن، المزودة بكاميرا منخفضة الجودة، لتصبح انتحارية بعد تحميلها بقنابل صغيرة، ومهاجمة آليات أو دبابات روسية، وتدميرها. فضلا عن إحداث حالة إرباك للجنود في مواقع بسبب عدم القدرة على تحديد الموقع الذي ستهاجم فيه وعدم توفر وسائل لمواجهتها.
طائرات “أورلان 10” الروسية
واحدة من أهم الأسلحة الروسية، منخفضة الكلفة، وكبيرة الفعالية، والتي تستخدم في الحرب الدائرة حاليا على نظام واسع، للاستطلاع والاستهداف والتشويش واعتراض إشارات الهواتف المحمولة وتحديد المواقع.
وتمتاز طائرة “أورلان 10” الروسية، بالحجم الصغير والوزن الخفيف، وسهولة إطلاقها، وتحتوي على كاميرا تبث بصورة مباشرة إلى مركز التحكم، وأشارت تقارير إلى أن روسيا تملك ألف طائرة منها.
وتضطر القوات الأوكرانية في الكثير من الأحيان، لإسقاطها بواسطة صواريخ مضادة للطائرات، من طراز ستينغر وستريلا، وحتى عبر المنظومات الألمانية الحديثة المكلفة، أو حتى نظام صواريخ سام من الحقبة السوفيتية، بسبب خطورة هذه الطائرة على مسرح العمليات.
طائرة “شاهد” الإيرانية المسيرة
واحدة من أهم الأسلحة التي جرى تجربتها بشكل فعلي في الساحة الأوكرانية، والتي حصلت عليها روسيا، وقامت باستخدامها لضرب مواقع ومحطات طاقة أوكرانية وإخراجها عن الخدمة.
ولا يقتصر عمل مسيرة “شاهد” الإيرانية على الهجمات الانتحارية، بل هي قادرة على الاستطلاع والمراقبة. وهي قادرة على التحليق لمسافة 2200 كيلومتر، بمدة 10 ساعات تحليق وإلى ارتفاع يصل 36000 قدم.
الساحة الأمثل
الخبير العسكري العميد المتقاعد أحمد الرحال، قال إن حلبة المعركة الحديثة، باتت تأخذ منحيين، الأول استخدام أسلحة ذكية على مبدأ “أطلق وأرم”، وتجربة العديد من الأسلحة التي ابتكرت ولم تجرب في ساحات المعارك، والثاني استخدام الحرب الإلكترونية، والتشويش بشكل عام والأعمال المعاكسة والمضادة.
وأوضح الرحال لـ”عربي21″ أن أكبر خدمة قدمها الغرب لأوكرانيا، كان بنك الأهداف، بعد توظيف الأقمار الصناعية الغربية والأمريكية، التابعة لحلف الناتو، بحيث لم يعد هناك شيء اسمه عنصر المفاجأة تخشاه أوكرانيا، لأن لديهم صورا لكل تحركات الجيش الروسي، على مدار الساعة، وعلى امتداد جبهة مشكلة من 1500 كيلومتر”.
وأشار إلى أن ساحة المعركة، توفر فرصة ممتازة للدول المصنعة للسلاح لتجربة منتجاتها بصورة حقيقية، والدول التي تصنع هذه الأسلحة الحديثة، تقوم بمراقبة أدائها ومراجعة نقاط القوة والضعف فيها، من أجل التطوير والتحسين، لتكون أكثر فعالية في حال استخدمتها هي في معاركها.
وأضاف: “ما نراه اليوم ثورة في العالم العسكري، ولفترة طويلة كانت الدول، ذات القدرات المالية الهائلة تتحكم بسوق السلاح، وكلفة إنتاج طائرات يحتاج إلى أرقام فلكية، لكن اليوم دول أقل قدرة ماليا، تنتج أسلحة أقل ثمنا، وبكفاءة وفعالية واضحة في ساحة المعركة، مثل الطائرات المسيرة التي قلبت الموازين، بل وتقوم بتجربتها في ساحة حرب حقيقية”.
عربي 21
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.