بدأت المحكمة الأميركية العليا دورة جديدة شديدة الأهمية أمس الاثنين، مع عودة اجتماع قضاة المحكمة بصورة شخصية للمرة الأولى منذ إغلاقها قبل عام ونصف بسبب احترازات فيروس كوفيد-19.
وتنتظر المحكمة أجندة وقضايا شائكة يترقب نتائجها الأميركيون بقلق كبير، سواء فيما يتعلق بحق حمل السلاح، أو الفصل بين دور الدين والدولة، وقضية الإجهاض.
ميزان القوى
وشهدت الأسابيع والأشهر الأخيرة تطورات متسارعة مرتبطة بتشريعات قضية الإجهاض، التي تعد من أهم القضايا الاجتماعية الدينية التي تؤثر بصورة كبيرة على قطاعات مؤثرة من الناخبين الأميركيين.
وتبنت أكثر من 20 ولاية تخضع لسيطرة الجمهوريين، تشريعات متشددة تتعلق بالتضييق أو بإلغاء “حق الإجهاض”. وقبل نهاية دورة انعقادها السابقة، قررت المحكمة العليا بغالبية 5 أصوات مقابل 4 أصوات، عدم التعرض لقرار ولاية تكساس الذي يحظر بشكل شبه كامل الإجهاض.
وسمح تغيير توازن القوى داخل تشكيلة المحكمة خلال سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترامب -حيث اختار 3 قضاة محافظين جددا إثر تقاعد أو وفاة 3 قضاة معتدلين- بسيطرة التيار المحافظ المتشدد بأغلبية 6 قضاة مقابل 3 قضاة.
وأدى ذلك التغيير للتعرض -وربما الإلغاء- لقرار تاريخي عمره نصف قرن، عندما أقرت المحكمة حق الأميركيات في الإجهاض في حكم تاريخي معروف بقضية “رو ضد وايد” عام 1973.
ويقول توم غولدشتاين، وهو ناشر مدونة متخصصة في شؤون المحكمة العليا، “كنا نشتكي كل بضع سنوات من استيلاء المحافظين المتشددين على المحكمة العليا، ولكن هذه المرة، نحن نعني ذلك حقا”.
نقاط فاصلة
ولا تعد القضايا المعروضة على المحكمة مجموعة عشوائية من القضايا، بل إن الأغلبية المتشددة من القضاة اختارتهم عمدا، بهدف تعديل وربما إلغاء قرارات الإجهاض التي لم يمسها أحد خلال نصف القرن الأخير.
ويعتقد غورشتاين أن “الولايات للمتحدة وصلت بالفعل إلى نقطة تحول جديدة، وفي غضون فترتين إلى 3 فترات رئاسية، سنرى قرارات كاسحة من الجانب اليميني المحافظ بالمحكمة، أمام مقاومة الجانب الليبرالي اليساري الضعيف، بشأن أكثر القضايا إثارة للخلاف السياسي في عصرنا مثل حقوق التصويت، وحق اقتناء الأسلحة، والإجهاض، والدين والتمييز الإيجابي”.
وسمحت المحكمة بترك قانون الإجهاض في ولاية تكساس، والذي يحظر جميع عمليات الإجهاض بعد 6 أسابيع.
ولأن القانون كُتب ليصعب الطعن فيه، قال 5 قضاة (أغلبية كافية) إن هذا ليس الوقت المناسب للنظر في تشريع ولاية تكساس. ومن خلال قرارها عدم التدخل، سمحت المحكمة عمليا بحظر جميع عمليات الإجهاض تقريبا في تكساس في المستقبل المنظور.
وفي الوقت نفسه، من المقرر أن تستمع المحكمة إلى مرافعات خلال أسابيع لاختبار قانون ولاية مسيسيبي الذي يحظر الإجهاض بعد 15 أسبوعا.
وتعد هذه الحالات تحديا مباشرا لسابقة “رو ضد ويد” والقرارات اللاحقة التي منحت المرأة الحق الدستوري لإنهاء الحمل حتى النقطة التي يمكن للجنين فيها البقاء على قيد الحياة خارج الرحم، وتقدر بحوالي 24 أسبوعا.
وقانون ولاية ميسيسيبي هو واحد من العديد من القوانين التي أقرتها أكثر من 20 ولاية مؤخرا، في مسعى إلى القضاء على الإجهاض أو تقييده بشدة.
وتقول الرئيسة والمديرة التنفيذية لمركز الحقوق الإنجابية نانسي نورثوب، “إن عواقب تراجع رو ضد وايد ستكون مدمرة، حيث يعني ذلك أن حوالي 24 ولاية ستكون لديها قوانين تحظر الإجهاض تماما”.
انقسام واختلاف
وتتعارض تحركات القوى المحافظة المتشددة حول قضية الإجهاض مع تطلعات أغلب الأميركيين كما أظهرها استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الوطنية “إن بي آر” (NPR) بالتعاون مع شبكة البث العامة “بي بي إس” (PBS) على 1220 ناخبا بين 20 و26 سبتمبر/أيلول الماضي.
وردا على سؤال حول تأييد أو معارضة قانون يسمح بالإجهاض بعد 6 إلى 8 أسابيع من الحمل ووجود نشاط في منطقة القلب، عبّر 32% منهم عن موافقتهم على القانون، في حين رفضه 58%، في حين عبّر 10% عن عدم وجود توجه محدد تجاه الإجهاض.
ورفض 74% من المستطلَعين قانون ولاية تكساس الذي يسمح لأي مواطن بمقاضاة مقدمي خدمات الإجهاض أو أي شخص يساعد المرأة في إجراء عملية إجهاض، في حين وافق عليه 18% فقط، ولم يحدد 8% من المستطلَعين رأيا واضحا.
من جانبها أجرت شبكة فوكس (FOX) الإخبارية استطلاعا آخرا شارك فيه 1002 ناخب مسجل خلال الفترة 12-15 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ طالب 28% من المستطلعين من المحكمة العليا أن تلغي قضية رو ضد ويد، في حين رفض 655 منهم إلغاء هذا القرار، ولم يختر 7% من المستطلعة آراؤهم أي جانب.
وطبقا لاستطلاع شبكة فوكس، فقد اعتبر 29% من الأميركيين أن الإجهاض يُعد عملا قانونيا في كل الحالات، واعتبره 20% عملا قانونيا في أغلب الأحيان. وعلى النقيض اعتبره 11% عملا غير قانوي في كل الحالات، واعتبره 38% عملا غير قانوني في أغلب الأحيان.
مواقف وتنافس
وتتمتع المحكمة الآن بأغلبية كبيرة للمحافظين بـ6 قضاة مقابل 3، وتظهر سجلات القضاة الستة اتخاذهم مواقف معادية للإجهاض على مدى تاريخهم الوظيفي. وتعني أغلبية 6 مقابل 3 أن المحافظين -حتى لو صوت أحدهم ضد القرار- تبقى لهم الأغلبية.
ولو تم إلغاء أو تعديل قرار “رو ضد ويد” فسيترك ذلك تبعات وعواقب غير مؤكدة، ولكنها هائلة، ليس فقط على المحكمة وصورتها، ولكن أيضا على التنافس السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وأيا كان التشريع الذي يمرره الكونغرس ذو الأغلبية الديمقراطية، وأيا كانت الأوامر التنفيذية أو اللوائح الإدارية التي قد تضعها إدارة جو بايدن موضع التنفيذ لمواجهة تشدد المحكمة العليا، تعرف المحكمة العليا حاليا جرأة غير معتادة من القضاة المحافظين، ويظهر ذلك جليا في خوضهم معارك لم يجرؤوا عليها خلال السنوات والعقود الماضية.
محمد المنشاوي – الجزيرة نت
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.