إذا كنت من متابعي الأخبار التقنية فربما سمعت حول قرار جوجل. بالامتناع عن استخدام ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) في متصفحها جوجل كروم في النصف الثاني من عام 2024. ولكن ما هي ملفات تعريف الارتباط ولماذا يحاول العالم بأسره التخلص منها بينما تمتلك جوجل نظرة أخرى؟ وهل يوجد بدائل عنها. يمكنك مرافقتنا في هذا المقال لتوضيح القصة كاملة.
هل الكوكيز ملفات نصيّة أم تجسسيّة
معظمنا يتجاهل النافذة المنبثقة عند تصفح مواقع الويب والتي تطلب منه الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز). وأعتقد أننا تساءلنا كثيرًا عن طبيعة هذه الملفات. فإذا ذهبنا برحلة بسيطة إلى بدايات ظهور ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) فسنجدهم يعرّفونها على أنها ملفات نصيّة يولّدها الموقع الالكتروني الذي نزوره ويضع بها اسم الموقع وعمر الكوكيز وقيمة معينة وبعض المعلومات ثم يخزنها المتصفح لديه. وبذلك تكون فائدة ملفات الكوكيز هي تسهيل إجراءات تصفح الموقع مع الاستفادة الكاملة من ميزاته. (كتذكر أبرز الصفحات التي زرتها والمقاطع التي شاهدتها وغيرها الكثير من الأمور التي ستوفر لك تجربة أفضل في المستقبل). وبما أنها ملفات نصيّة فهي غير قابلة للتنفيذ وبالتالي لا يمكن تصنيفها كبرامج تجسس أو فيروسات. مع العلم أن بعض برامج الحماية الحديثة بدأت بتصنيف أنواع معينة من الكوكيز كبرمجيات تجسس.
أصناف الكوكيز مثيرة للقلق فهي تتوفر بنكهات مختلفة
على الرغم من أن التعريف السابق لا يُظهر مدى خطورة هذه الملفات. ولكن عندما ننظر عن كثب لمحتويات ملفات الكوكيز وخصوصًا المعلومات التي تجمعها، سندرك جليًا مقدار الخطر الذي تجسده. فملفات الكوكيز تتوزع على عدة أصناف. وكل صنف منها يعمل على تخزين أنواع مختلفة من البيانات ومن أبرز هذه الأصناف نذكر:
بعد موافقتك على ملفات الكوكيز الرئيسية سيُسمح لك بتصفح الموقع والاستفادة من كامل الخدمات التي يقدمها. وعادة ما تحتوي هذه الملفات اسم المستخدم وبروتوكولات خاصة لحمايته في أثناء تصفح الموقع بالإضافة إلى ملف ارتباط الجلسة.
ملفات التفضيلات
تخزن ملفات التفضيلات معظم خيارات المستخدم ضمن الموقع والتي تتضمن اللغة التي اختارها عند تصفح الموقع، والعنوان التقريبي للمستخدم. بالإضافة إلى الأداة المستخدمة لتصفح الموقع (هاتف ذكي أو جهاز لوحي أو حاسوب). عدا عن تخزينه تاريخ آخر زيارة للموقع والتي تفيد بإظهار التغييرات التي حدثت على بنية الموقع منذ آخر تسجيل دخول للمستخدم إليه. كما تتضمن ملفات التفضيلات جميع الصفحات التسلسلية التي زارها المستخدم. وكل ذلك بهدف إعادة ترتيب وهيكلة الموقع بما يتلاءم مع تفضيلات العملاء.
ملفات لتتبع المواقع الاجتماعية
تفيد ملفات الكوكيز هذه بتتبع الأعضاء وغير الأعضاء خلال تواجدهم على شبكات التواصل الاجتماعي. بحيث تسهم في تطوير نظام الإعلانات وجعله متناسبًا مع احتياجات السوق.
ملفات الكوكيز التسويقية
تساعد ملفات الكوكيز التسويقية على تحليل السوق وقياس مدى نجاح الحملات الإعلانية بعيدًا عن الغش في عمليات النقر. وبذلك تضمن استهداف الأشخاص بالإعلانات المتوافقة مع اهتماماتهم.
بعد سردنا لمقتطفات من أصناف الكوكيز قد يتوقع البعض أن جميع ملفات الكوكيز والبيانات المتولدة من نشاط المستخدمين. ستذهب لصناعة الإعلانات الرقمية وللمساعدة في فهم تجربة المستخدم بشكل أفضل. ولكن لاتسير كل الأمور كما نتوقع. فتخيل دمج جميع ملفات الكوكيز والتي تتضمن في كثير من الأحيان على عناوين Ip وسجلات بحث جوجل ومعلومات البطاقات الائتمانية وكل شيء شاهدته أو بحثت عنه. فعند محاولة دمج جميع هذه الملفات والناتجة من مواقع مختلفة معًا عندها سنحصل على ملف تعريف مستخدم مفصل للغاية. بل سيمكنك التنبؤ عندها بالسلوك المستقبلي للمستخدم.
الكوكيز لم تعد مرغوبة لدى الجميع
ساهم زيادة الوعي حول مفهوم الخصوصية والخوف من انتهاكه في السنوات الماضية. وخصوصًا في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى الحاجة لوجود قوانين خصوصية رقمية تحمي بيانات المستخدمين. فظهر قانون الخصوصية GDPR (تنظيم حماية البيانات العامة) والذي انطلق تفعيله بتاريخ 25 مايو 2018. بهدف حماية البيانات الشخصية للمستخدمين في الاتحاد الأوروبي. ثم ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) الذي بدأ تطبيقه في 1 يناير 2020. ثم تبعه قانون حماية بيانات المستهلك فيرجينيا (VCDPA). والذي سيدخل حيز التنفيذ في 1 يناير 2023. بالإضافة إلى قانون الخصوصية كولورادو (CPA) والذي من المتوقع أن يبدأ تطبيقه بتاريخ 1 يوليو 2023.
جوجل تتعثر مجدداً ولا تلحق بمنافسيها
ساهمت هذه الاتفاقيات وغيرها من العوامل بالضغط على جميع المتصفحات للبدء بالتخلي عن جمع بيانات المستخدمين من خلال ملفات الكوكيز. والتي كانت تستخدم بشكل أساسي لعرض الإعلانات المناسبة لاهتمامات الأشخاص. وكان أوّل من استجاب لذلك متصفحَي سفاري وفايرفوكس اللذين حظرا ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث بشكل افتراضي. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة لمتصفح كروم التابع لشركة جوجل. فقد أعلن عملاق محرك البحث (جوجل) عن انضمامه لباقي المتصفحات مع بداية عام 2020. ولكن ضغوط شركات الإعلانات وطلبها الحصول على فترة زمنية كافية لإيجاد بديل فعال لملفات الكوكيز. (باعتبار ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث هي الوسيلة الوحيدة حاليًا لجمع بيانات المستخدمين وبالتالي استهدافهم بإعلانات موجهة حسب اهتماماتهم). دفع جوجل إلى تأجيل تنفيذ الفكرة حتى عام 2023 لترك مسافة أمان لباقي الشركات للبحث عن حلول بديلة لملفات الكوكيز. ولكن في27 يوليو 2022 نشر Anthony Chavez (أنتوني شافيز) نائب الرئيس المسؤول عن تقنية Sandbox Google Privacy إعلانًا يوضح فيه أن جوجل ستتأخر مرة أخرى في حظر ملفات تعريف الارتباط التابعة للجهات الخارجية حتى عام 2024. ولقد برّر ذلك بحجة الاطلاع على الاختبار الكامل للحلول التكنولوجية الجديدة التي تعمل عليها الشركة. والتي ستشكل بديلًا فعالًا لملفات الكوكيز على حسب رأيه.
تأخر جوجل ليس إلاّ مناورة على المستخدمين
على الرغم من الإمكانيات التقنية الكبيرة التي تمتلكها شركة جوجل. إلّا أنها لم تستطع التخلي عن ملفات الكوكيز بشكل سريع كما فعلت بعض المتصفحات. فحسب تقارير جوجل، تشكل الإعلانات أحد الموارد الأساسية للشركة. ودون ملفات تعريف الارتباط لن تتمكن جوجل والمواقع من الحصول على بيانات واهتمامات المستخدمين وبالتالي لن تستطيع استهدافهم بإعلانات موجهة خصيصًا لهم. وهذا بالطبع سيؤثر على أرباح وكالات التسويق والإعلانات التي تدفع ثمن الإعلان لجوجل. لثقتها بأن هذا الإعلان سيصل لراغبيه وللفئة والجمهور المناسبين. وهذا ما يفسر تأخر جوجل المستمر في وضع حد لاستخدام ملفات الكوكيز كغيرها من المتصفحات.
جوجل ملأت الصندوق لكن برمال متحركة تبتلع خصوصيتك ،لحسن الحظ، أغلب المشاكل التقنية لها حلول، فكيف إذا كانت هذه المشكلة ستؤثر على اقتصاد الشركات. فعندها حتمًا سيولد الحل، ولكن عقبة الوقت اللازم لقياس نجاحه وانتشاره ستبقى أحد العوائق التي تمنع تطبيقه بشكل فوري. فكانت خصوصية صندوق رمل جوجل (Google Privacy Sandbox) أحد أفضل البدائل لملفات تعريف الارتباط من وجهة نظر جوجل. بحيث سمحت هذه التقنية بوصول مواقع الويب إلى بيانات المستخدم دون اختراق خصوصيته وبذلك تحقق الهدف الرئيسي منها. والذي يتجلى بتسهيل وصول الإعلان عبر الانترنت إلى مستخدميه دون الحاجة إلى استخدام ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية.
لكي تستطيع جوجل تطبيق تقنية Google Privacy Sandbox ستحتاج إلى استخدام Floc (Federated Learning of Cohorts). وهو أشبه بخوارزمية تسمح لمتصفح كروم بتعقب كامل نشاط المستخدم ومن ثم تحليل ومعالجة هذه البيانات ومنحها رقمًا معرفًا id خاصًا بها. وبعد دراسة جوجل لاهتمامات المستخدم بشكل جيد ستعمل على إضافته إلى مجموعة. تتكون من الأشخاص الذين يمتلكون نفس الاهتمامات وبعدها تمنحها رقم id خاصًا بالمجموعة ككل. فعند رغبة وكالات الإعلانات بطرح إعلان جديد ستستهدف كامل أعضاء المجموعة التي قد يهمها هذا الإعلان. بينما كانت ملفات الكوكيز تسمح باستهداف الشخص بمفرده بناء على نشاطه.
بالطبع هذه التقنية ليست بالأمر الجيد والحل الحقيقي للمستخدم، فهي أكثر خطورة من ملفات الكوكيز. فصحيح أن جوجل أوضحت بأن المواقع الطبية والدينية والسياسية التي يزورها الشخص باستمرار لن تسمح بإضافتها إلى قائمة اهتماماته ولكن على الرغم من ذلك فالعيوب تبقى كثيرة.
عيوب تقنية Floc تنتصر على مميزاتها
كما ذكرنا سابقًا فإن مبدأ تقنية Floc يشبه التعلم من الأقران. فبما أنك أحد أعضاء مجموعة تتشارك معها بالاهتمامات الحالية فغالبًا ستتشارك معها بالاهتمامات المستقبلية أيضًا. نتيجة بحث أحد أفرادها عن شيء أنت حاليًا لا تهتم به. وبذلك استطاعت هذه التقنية التنبؤ بسلوكك واهتماماتك المستقبلية. أحد العيوب الأخرى هو احتكار جوجل لتقنية Floc والتي ستمنع الجهات الخارجية من الوصول لبياناتك عند استخدام متصفح كروم. وبالتالي جوجل الوحيدة المسؤولة عن جمع وتحليل البيانات. وذلك على عكس ملفات تعريف الارتباط والتي تساهم عدة مواقع في تكوينها. فهل تأتمن إحدى أكبر شركات الإعلانات على بياناتك؟
الشركات ترفض Floc والمستخدمون يفعلون وضع موافقة جوجل
رفضت معظم المتصفحات استخدام تقنية Floc مثل متصفح مايكروسفت Edge وBraveو Vivaldiو Firefoxو Opera وSafari. والسبب الرئيسي لذلك هو فشل جوجل باختيار تقنيتها البديلة لملفات تعريف الارتباط. وتبقى خياراتك حاليًا الموافقة على استخدام ملفات الكوكيز أو رفضها يدويًا بعد أن فعلت جوجل هذه التقنية في 2020. فإذا قبلت استخدام الكوكيز ستُمنح فرصة تجربة أفضل للموقع ولكنّ بياناتك معرضة للخطر. وإذا رفضت استخدام الكوكيز ستتعرض لإعلانات عشوائية وجمع بيانات مجهولة الهوية. فاختر ما شئت ولكن تذكر أن البيانات هي نفط المستقبل. وتذكر أيضًا كلام المدير التنفيذي لشركة آبل تيم كوك في سبتمبر 2014. الذي قال “عندما تكون الخدمة التي تستخدمها على الإنترنت مجانية، فأنت لست العميل، أنت السلعة”.
المصدر: اراجيك تك
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.