يصنّف الشباب في قاموس الحياة على أنهم روح الأمة وصلب كيانها، مَوجُها الهادر وقوّتها الجارفة التي لا يقف أي كيان أمام إرادتها الصلبة وإيمانها بقضية ما. والأمر ظهر جليًّا على امتداد العصور والتاريخ، إذ إن كل تغيير أو انقلاب أو تحرير كان الشباب أساسه والمحرك الأول له. وفي هذا السياق تكثر الأمثلة وتتعدد عبر المحطات التاريخية، عالميًّا وإقليميًّا، بعضها أنتج أنظمة حكم جديدة، وبعضها أحدث نقلة نوعية في حياة الأمة، وبعضها الآخر رسم طريق الخلاص من الظلم والاحتلال والاستبداد في سبيل استرجاع الأرض والمقدسات متخذًا من الشهادة نهجًا للحياة.
واقع الحركات الشبابية بين العالم العربي وفلسطين
يختلف واقع المنظمات الشبابية بين الدول العربية باختلاف ثقافتها وبنيانها وواقعها وأنظمة الحكم فيها، وتتعدد أهدافها وفقًا لتطلعات الشباب ومستقبلهم. ورغم وجود أوجه تشابه بين هذه التطلعات في العديد من الدول العربية، لا سيما في القضايا المتعلقة بتوفير مقومات العيش الكريم والتخلص من أنظمة الحكم الفاسدة، ومنح المرأة حقوقها ومساواتها مع الرجل وغيرها، إلا أن ثمة قضايا جوهرية مقدسة تطال الأمة العربية بأكملها، قضية تبناها بعض العرب وأنكرها أكثرهم، وتمسك بها حد الشهادة والفناء أبناؤها، قضية تحرير أرض فلسطين، أرض المقدسات.
فيما يسعى بعض الشباب العربي إلى المزيد والمزيد من الانفتاح “الهمجي” وتقليد الغرب تقليدًا أعمى، والسير في طريق الحضارة المزيفة السطحية، وما يتبعها من مظاهر تطبيع ثقافي واجتماعي بدأت معالمه تظهر جليّة في أنماط حياتهم، تسعى نخبة أخرى منهم إلى إعادة صناعة التاريخ والحضارة بلغتها الخاصة، بلغة المقاومة والدفاع عن النفس والأرض واسترجاع الحق والصمود للرمق الأخير حتى بلوغ الأمنية الأخيرة؛ الشهادة.
يعيش شباب اليوم في العديد من المجتمعات العربية حياة الرفاهية والبذخ والتحرر، بينما يعيش القسم الآخر في غياهب الفقر والحرمان واليأس، ويعيش الشباب الفلسطيني فوق كل هذا، حياة القهر والذل والاحتلال والحصار. يكتب الآخرون عن أمجادهم وإنجازاتهم المرهونة بنجاحاتهم المادية والعلمية والاجتماعية والثقافية، بينما يكتب الشباب الفلسطيني بدمه عن بطولاته وعملياته وتصدياته ودفاعه عن أرضه ومقدسته، ومع كل هذا فهو لم يتخل يوما عن التمسك بمجالات العلم والمعرفة، فكان حاضرًا في ميادين العلم والحياة كما في ميادين الجهاد.
وتعقيبًا على ذلك، تشير الدراسات إلى أن عدد الشباب الخريجين في الضفة الغربية وغزة يبلغ 40 ألف خريج سنويًا، في ظل تلاشي نسبة الأمية تقريبًا بين الشباب (0.7%)، بينما تجاوز عدد الشهداء منذ بداية النكبة عام 1948، الـ 100.000 شهيد.
دعم الشباب الفلسطيني واجب على أحرار الأمة
يوجه الشباب الفلسطيني اليوم رسالة الى العالم بأسره، مفادها ان القضايا العادلة لا تموت بمرور الوقت، وأن كل ما يتعرض له هذا الشعب اليوم من حصار ومجازر وحملات تهميش اعلامية لن يدفعه إلى التخلي عن حقه في استرجاع أرضه وطرد المحتل منها.
وأمام كل ذلك، ثمة مسؤولية فردية ومجتمعية تترتب على كل حر من أحرار العالم، تتمثل بالعمل على دعم الشعب الفلسطيني ولا سيما فئة الشباب، والمقصود هنا ليس فقط الدعم المادي، بل الدعم المعنوي الإعلامي الثقافي الاجتماعي، إن كان عبر دعم الهيئات والجمعيات والمنظمات التي تدعم القضية الفلسطينية على المستوى العربي والعالمي من جهة، والمواجهة المستمرة لثقافة الخيانة والتطبيع التي تروج لها بعد الأنظمة الصهيو-عربية، وتربية الأجيال على مبدأ الحق وإنعاش ذاكرتهم على نحو مستمر بأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة العربية والإسلامية بأكملها رغم تخاذل البعض وتنازلهم عنها.
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من الدعوة الدائمة من قبل القيّمين والمهتمين بهذه القضية لتوحيد الصفوف الفلسطينية الداخلية لا سيما ضمن فئات الشباب، لما للأمر من أهمية في إعطاء زخم وقوة للقضية الفلسطينية في مواجهة المحتل والوقوف في وجه اعتداءاته الوحشية وأطماعه.
قدم الشباب الفلسطيني للعالم نموذجًا يحتذى به، نموذجًا عن الشباب المقتدر المثابر المقاوم، ذي الإرادة الصلبة والعزيمة التي لا ترضخ، ونموذجًا عن العروبة الحقيقية التي لا يمت لها الحكام العرب بصلة، وقد أثبتوا على مر التاريخ وحتى يومنا هذا، أن فلسطين بشعبها وأرضها ومقدساتها تصان بالقوة والدم فقط، وأي كلام دون ذلك هو ضلال ووهم، فالأرض التي أنبتت خيرة شبابها لا تصان إلا بأرواحهم ودمائهم.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.