مراكب الموت.. مخطّطٌ دولي وتواطؤٍ داخلي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

إنَّ الهجرة غير الشرعية ليست بجديدة على لبنان ومواطنيه منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر. ولكن رغم أهوال البحر ومخاطره ما زال العديد من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين يصرّون على ركوب أمواج الخطر والهجرة نحو المجهول، حيث تتكررُ الحوادث الأليمة التي تصيب المهاجرين والمتسللين في عتمة الليل على مراكب الموت، وما زالت جثث المهاجرين الغرقى من أبناء الشمال اللبناني في غيابات البحر على عمق مئات الأمتار حيث لم تفلح الجهود المبذولة في انتشالهم مما أطلق عليه “قارب الموت” من خلال استخدام غواصة متخصصة في انتشال الحطام من الأعماق، في مأساة مستمرة يعاني منها أهالي هؤلاء الضحايا من فقدِ أحبتهم الذين تم التغرير بهم ورميهم فوق أمواج البحر في قاربٍ لا يتصف بأية صفات ملائمة أو مناسبة للإبحار مسافات طويلة فوق سطح الماء ولا يتسع لربع عدد من ركبوه من الرجال والنساء والأطفال، ويدفع الجشعُ أصحابه للحصول على مبالغ طائلة لقاء الإبحار به إلى “شواطئ الأمل والعيش الرغيد” في أوروبا حسب اعتقادهم.

اليوم تضاف مأساةٌ جديدة لما سبقها من مآسٍ في غرق قارب الهجرة على سواحل طرطوس في سوريا والذي لم يعرف عدد ضحاياه حتى الآن، ومنظر انتشار الجثث فوق الماء ماثلٌ في العيون الدامعة لدى أهالي الضحايا على فقدان أبنائهم بل على عائلات بأكملها.

لا يخلو يوم من إحباط السلطات الرسمية اللبنانية أو السورية لعمليات تهريبٍ لأشخاصٍ أو من أخبارٍ تتحدث عن إنقاذ مهاجرين تقطعت بهم السبُل فوق أمواج البحر المتوسط. وكثيرٌ من هذه الأخبار تتحدث عن ظروفٍ سيئة ترافق مسيرة المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من بؤسهم وفقرهم وعوزهم نحو جنّة الغرب الموعودة، يعرِّضون أنفسهم وعائلاتهم في كثيرٍ من الأحيان للغرق والموت، وكلنا يذكر حادثة إنقاذ إحدى السفن المصرية ستين مهاجرًا من الغرق بداية الشهر الجاري كانوا على متن قاربٍ غادر السواحل اللبنانية خلسةً بعد أن أطلق مستخدموه إشارات استغاثة، حيث تم ربطه وجرَّه نحو السواحل المالطية ليتبين للمنقذين أن الركّاب كانوا في ظروف صعبة ومأساوية وإعياءٍ شديد وقد قضوا أسبوعًا كاملًا على متن هذا القارب في البحر، فتم تزويدهم بالمواد الإغاثية والأدوية اللازمة وهم من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية فيهم عشرون طفلًا وأربعةً من الرضَّع.

إن الظروف القاسية التي يعيشها اللبنانيون وحالة اليأس التي وصلوا إليها من إمكانية تغيُّر الأوضاع نحو الأفضل مضافًا إلى ذلك ما يعيشه النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون وجلُّهم قادمٌ من أحزمة البؤس التي تنتشر في لبنان من طرابلس وعكار إلى بيروت وضواحيها وصيدا وصور ومخيماتها وبعض من مناطق البقاع، ركبوا جميعهم في قوارب تتلاطم فوق موج البحر الهائج بالصعوبات والمعاناة سببها ظروف العيش وعدم القدرة على تأمين القوت اليومي، هذه الظروف التي عملت وتعمل على رفع مستوى قساوتها الضغوط الدولية على لبنان – الأميركية منها خصوصًا – والعقوبات المفروضة المختلفة العلنية وغيرها بالإضافة إلى تردي أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتعطيل مرافق الدولة الخدماتية وصعوبة تأمين لقمة العيش وفقدان فرص العمل والتعليم للأبناء والعلاج للمرضى منهم وارتفاع الأسعار وتدهور سعر العملة الوطنية مضافًا إليها زعامات منافقة متواطئة متسلِّطةٌ ومتباكية في إطار المخطط العام لتيئيس الناس ودفعهم نحو خيارات انتحارية خدمة لأهدافهم السلطوية دون الالتفات إلى حاجات هؤلاء المغرَّرِ بهم والمتروكين لأقدارهم.

وفق إحصاء “الدولية للمعلومات” تشير الأرقام إلى أنّ 195,433 مهاجرًا لبنانيًّا ما بين عامي 2018 و 2021 تركوا البلاد مضافًا إليهم عشرات الآلاف من سوريين وفلسطينيين وجنسيات أخرى. هذا الرقم الكبير يطرح العديد من التساؤلات: من وراء هذه الظاهرة ومن يشجع عليها؟ ولأية أهداف ولمصلحة من؟ من وراء هذه العصابات والمافيات التي تعمل على قبض الأموال واستغلال الناس وأخذهم نحو الموت المحتَّم؟ أين دور الأجهزة الأمنية الاستباقي في كشف هذه العمليات وإفشالها والقبض على المسؤولين عنها؟ لماذا الشمال اللبناني بالتحديد هو المنطلق والأساس في معظم عمليات الهجرة غير الشرعية وخاصة أمام ما نسمعه ونقرؤه وما يتم تداوله من معلومات سرًّا وإعلانًا عن مخططٍ جهنمي يُعدُّ للشمال ومدينة طرابلس بالذات من تيئيسٍ للمواطنين ودفعهم نحو الانتحار الجماعي من خلال الهجرة غير الشرعية أو القتل المجاني الذي نشهد فصوله كل يوم في الشوارع والأزقة؟ وما حقيقة المعلومات عن دخول أو إدخال مجاميع من الإرهابيين السوريين القادمين من الشمال السوري وذوبانهم في تجمعات النازحين تمهيدًا لتنفيذ أعمالٍ تخريبية عند اللزوم؟ وهل سنشهد موجات هجرة كبيرة وجماعية قريبًا في إطار تفريغٍ مبطّنٍ ومدروسٍ لهذه المنطقة؟

إنَّ كل ما يجري ويحدث نراه في إطار مخطَّطٍ دوليٍ وتواطؤٍ داخلي يعمل على خلق مناخٍ ملائم لهذه الهجرة الواسعة ابتداء بإشاعة الفوضى في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019 واستكمالًا بمحاولات إفقار الدولة وإسقاطها. وكُلُّنا يذكر إحضار المتظاهرين والفوضويين من الشمال وعكّار وغيرها من المناطق، أولئك الفقراء والمعوزين، الذين تم استغلالهم والتغرير بهم ببضعة آلافٍ من الليرات كانوا يحتاجونها لإطعام أولادهم، وذلك بهدف تخريب وتكسير الممتلكات العامة والخاصة وتحطيم سيارات المارة على الطرقات في العاصمة ومدنٍ أخرى، حتى باتت أخبار الهجرة غير الشرعية ومراكب تهريب البشر والعثور على جثثٍ عائمةٍ أو غارقةٍ خبرًا عاديًّا يوميًا يمر مرور الكرام في وسائل الإعلام.

أسئلة كثيرة في البال، فهل ما نشهده هو بروفا للسيناريوهات الأسوأ في الأيام القادمة من هجراتٍ جماعية بقواربٍ متهالكة تملأ سطح الماء بجثث الغرقى في بحرٍ مشرّعٍ نحو المجهول؟

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد