کثیرًا ما تحدّث الخطباء ومحبّو الإمام موسی الصدر طوال کلّ هذه السنوات حول عطفه ورحمته ومحبّته للإنسان، وقیمة الإنسان في فکره ورؤیته وسلوکه وتصرّفاته. کان یقول «اجتمعنا من أجل الإنسان»، وکان یعمل ویشتغل من أجل الإنسان وحرّیة الإنسان وکرامة الإنسان. ولذلك، الکلّ یعرف أنّه رجل الحوار واللقاء والتعایش والدعوة إلی کلمة سواء وتجنّب الخلافات والنزاعات والتعصبات القومیة والطائفیة الجاهلیة. وهذا هو الإنسان الإنسان، والإنسان الشریف، والإنسان المؤمن.
لکن قلّما تطرّقوا إلی البعد الثوريّ الحرکيّ في الإمام، وهو البعد الذي کان یدفعه دائمًا للدفاع عن الإنسان. الإمام موسی الصدر في الحقیقة کان الإنسان الثائر من أجل الإنسان، وإلا فهناك کثیر من أدعیاء حقوق الإنسان الذین لم ولن یُحرّکوا ساکنًا من أجل الدفاع عن الإنسان. الإنسان الثوري المجاهد هو المدافع الحقیقي عن الإنسان والإنسانیة، وهو المناضل المخلص الصافي المستعدّ لبذل حیاته في سبیل الدفاع عن حرّیة الإنسان وکرامة الإنسان.
إنسانیة الإنسان مرهونة بثوریته، فکلّما كان الإنسان ثوريًّا أکثر سیکون إنسانًا أکثر، ویکون محبًّا للإنسانیة أکثر، ویکون مستعدًّا للتضحیة من أجل الإنسانیة أکثر وأکثر، وکلّما كان الإنسان عاشقًا أکثر یصبح ثوریًّا أکثر، لأنّه لا یتحمّل الظلم ومعاناة الناس، ولا یرضی بأن یعیش الإنسان دون کرامته وحرّیته، فیغضَب وینهَض ویهتِف ویتحرّك ویثور، ویصبر ویناضل ویقاوم ویجاهد لیعیش الإنسان کما أراد الله أن یعیشَ حرًّا سیّدًا مکرّمًا.
الإمام موسی الصدر الذي عرفته لیس إمام الحوار والتعایش والتهدئة فحسب، وإنما هو إمام الثورة والغضب أیضًا. هو مصداقٌ بارزٌ للآية الکریمة: «محمّد رسول الله والذین معه أشداء علی الکفار رحماء بینهم». لا یخدم الإمامَ من یحاول أن یُخفيَ من صورته بعدَها الثوري ویقدّم صورة ناقصة منه. جاذبیة صورة الإمام موسی الصدر وجمالیتها تکمن في أنّها تشتمل علی کلا البعدین بشکل متوازن ومدروس. کلّ إنسان بفطرته وجِبِلّته وطبیعته یحبّ هذه الصورة التي تشتمل علی هذين الجانبين وهذين البعدين الأساسیّين: الرحمة والشدة، العاطفة والغلظة، اللیونة والقوّة، الحوار والثورة.
بالأساس، في عالم یسوده الظلم والفساد، فعلًا لا یمکن الدفاع عن الإنسان إلا باستخدام القوّة. الاستکبار العالمي والشیطان الأکبر الذي یحرم الشعوب من حقوقها وینهب ثرواتِها ویقتل أطفالَها لا یفهم الیوم لغةً إلا لغةَ القوة والمقاومة. والإمام موسی الصدر کان مؤمنًا بهذا المبدأ، ومن منطلق هذا الإیمان وهذه العقیدة قام بتأسیس حرکة المحرومین وأفواج المقاومة اللبنانیة لکي یستعید حقوق شعبه بقوّة المقاومة. ولم يبق ولم يقتصر الإمام في ثوريته على نطاق لبنان فحسب، بل قام بإيجاد علاقة عميقة مع قائد الثورة الإسلامية في إيران سماحة الإمام روح الله الموسوي الخميني وكوادر الثورة في إيران.
——————–
(من كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر في إحياء الذكرى الرابعة والأربعين لاختطاف الإمام القائد السيد موسى الصدر ورفيقيه تحت عنوان: “الإمام الصدر باعث نهضة عابرة للطوائف” بدعوة من مركز حوار الأديان والثقافات. السبت 3 أيلول 2022)
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.