عماد خشمان – خاص الناشر |
حتى الآن لم يعُدْ إلى بيروت الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين بالأجوبة الشافية في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ زيارته الأخيرة إلى لبنان ولقائه المسؤولين الرسميين فيه. وبعد كل زيارة ولقاء له كان يوزِّعُ ابتسامته الصفراء على الحضور من صحافة وإعلام في عبوره داخلًا أو خارجًا من هذا المقرِّ وإلى ذاك مدلِّلًا بشكلٍ واضح وصريح عن الأمريكي والصهيوني البشع الذي عرفناه على مدى سنوات طويلة في رسوم المناضل الفلسطيني الراحل ناجي العلي المغتال غدرًا بأيدٍ صهيونية وبقرارٍ من الرجعية العربية، وكأن الراحل أراد لنا أن ترسخ في ذاكرتنا ولأجيال قادمة صورة وجوههم بابتساماتهم الوقحة.
هوكشتاين التقى الكثيرين وتحدث معهم بوضوح بلسان الإسرائيليين عارضًا رؤيته المنحازة لهم -وهو الذي خدم سابقًا جنديًّا في جيش العدو- ومستندًا في خلفية مفاوضاته إلى رؤية إدارته الإمبريالية واللوبي الصهيوني ولسان حاله وعقله وموقفه ورسالته: “يجب أن تحفظ مصالح المحتلِّين لأرض فلسطين في النفط والغاز والحدود”، لدرجة التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور والذي من مظاهره حتى الآن منع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن وإطلاق الوعود الفارغة بتسهيل الأمور وتجاوز “قانون قيصر” في هذا المجال على الرغم من معاناة الشعب اللبناني بأكمله من انقطاع الكهرباء. وما ضحكته اللئيمة والخبيثة وردوده الاستخفافية في لقائه المعروف على “قناة الحرّة” إلا خير دليلٍ وبرهان على النيات المبيَّتة والدفينة. ولكن فاته ومَن خلفه أنَّ هناك في لبنان من يحضِّر نفسه ليوم الواقعة الكبرى حين تزلزل الأرض زلزالها وتُخرجُ ما بداخلها من نارٍ وشواظ وحمم، ما يطيحُ بأوهام الأمن والرخاء في الكيان المؤقت والزائل والذي لن يناله على حساب وطننا العزيز وشعبه الأبي. وهنا لا يمكن إغفال عمق المقاومة الإستراتيجي في محورها ناهيك عمَّا طُرِح مؤخرًا بما يُسمّى بـ”وحدة الساحات” في أي مواجهة قادمة مع العدو.
على ما يبدو العدّة للمواجهة جُهِّزت واستقام أمرها وتنتظر الإذن من قائدها الأمين للانقضاض والاشتباك والتدمير والإغراق، تعضُّ على النواجذ وترمي ببصرها أقصى البحر إلى “كاريش” وإلى ما بعد ما بعد “كاريش” على كامل الساحل الفلسطيني، وهي تعلم أن النصر من عند الله. وهنا يمكن لنا أن نطلق لمخيلتنا العنان حول ماهية الاسم الذي ستحمله لجنة التحقيق في إخفاقات الحرب وتداعياتها على الكيان بعد انتهاء المواجهة القادمة بالهزيمة والفشل الذريع وأسوة بلجنة فينوغراد التي شُكِّلت بعد انتهاء عدوان تموز 2006. هذه المقاومة لا تعنيها دبلوماسية الصالونات والابتسامات الكاذبة ولا حتَّى الضجيج في الداخل اللبناني وانحدار المواقف وخفّتها والمتماهية مع الموقف الإسرائيلي في وقاحتها، دبلوماسية لم تنتج تحريرًا ولا انسحابًا من أرضٍ محتلة قط وفلسطين وجنوب لبنان شاهدان على مرِّ السنين.
في الأيام الأخيرة أشيعت أجواء إيجابية حول المفاوضات والترسيم تبين عدم جديتها وصدقيتها، وأمام ما تلاها من أخبار عن تعثر المفاوضات في ترسيم الحدود البحرية وضيق المهلة الزمنية التي وضعتها المقاومة لإنجاز هذا الترسيم والتي حُدِّدت في نهاية شهر آب الجاري قبل القيام بخطوتها المقبلة، ومحاولات التأخير والتسويف والمماطلة من العدو ووسيطه بسبب صراعات التكتُّلات الحزبية في داخل الكيان المؤقت وربطها بانتخابات الكنيست القادمة إلى جانب التعنّت في الرد على مقترحات لبنان التي عرضها لتسوية النزاع القائم، كان لا بدَّ للمقاومة من تشغيل محركاتها الدبلوماسية الجادّة والحازمة، والتي أُسمِّيها “دبلوماسية المُسيَّرات”، تلك المُسيَّرات التي جالت مرارًا وتكرارًا في سماء فلسطين الحبيبة برًّا وبحرًا رافعةً مستوى التحدي ومسببة إحراجًا للعدو أمنيًّا وعسكريًّا ومجبرةً إياه على الاعتراف مرغمًا بإخفاق منظومة الصواريخ في التصدي لها ودافعةً القيادة العسكرية لطلب تدخل سلاح الجو والعمل على إسقاطها. هذه العملية الجريئة حقَّقت أهدافها وأوصلت رسائلها الواضحة والصريحة: “إن اليد التي ستمتد إلى ثرواتنا ستقطع، دون استخراجنا لنفطنا وغازنا لا غاز ونفط للعدو، والذي هو في الأصلِ مغتصَبٌ من حقوق الشعب الفلسطيني، لا أمن لعدوٍ غاصبٍ دون أمننا، وأن لكم أوهام التفاوض والمفاوضين ولنا دبلوماسيتنا القاسية برسائلها الحاسمة والمؤلمة. وبناءً عليه يبدو أنَّ الأيام القادمة ستكون رسائلها أوضح وأبلغ وأعظَم، واللبيبُ من المُسيَّراتِ يفهمُ، والسلام.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.