منذ اللحظات الاولى لاندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وانطلاق ما سمّي بالعملية العسكرية الروسية التي بدأت باجتياح روسي للأراضي الاوكرانية، كثر الحديث عن نية صينية بفعل مماثل، والقيام بعملية عسكرية يتم من خلالها السيطرة على جزيرة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
لا يختلف الباحثون العسكريون على أن الصين تمتلك من القوة ما يكفي وما يمكنها من اجتياح تايوان، وعلى عكس ما حدث ويحدث في اوكرانيا قد يكون من الصعب على اي قوة في العالم، في حال تدخلها الى جانب تايوان، القدرة على ايقاف الجيش الشعبي الصيني ومنعه من تحقيق أهدافه. لكن الاسئلة التي تتبادر الى ذهن معظم الخبراء العسكريين المتخصصين في الشأنين الصيني والكوري، هي على الشكل الآتي: كيف ستتم عملية الاجتياح؟ وما هو السيناريو أو السيناريوهات المحتملة لتلك العملية؟ وما هو حجم الخسائر التي سوف تلحق بالطرفين لا سيما الطرف المهاجم وخصوصًا بعد ما شاهدنا ونشاهد من خلال الحرب في اوكرانيا حيث ظهر الى العلن ما يمكن تسميته “تعثر” للقوة الروسية المهاجمة في مواجهة صمود ومقاومة غير متوقعة من الجانب الاوكراني المدافع، يضاف الى كل ذلك حجم التأثير الذي انتجه التدخل الخارجي من خلال دعم اوكرانيا وما نتج عنه من الحاق اضرار مهمة بالجانب المهاجم على الصعيدين العملاني والاستراتيجي.
في البداية وقبل الدخول في سيناريوهات الاجتياح الصيني الافتراضي، وقبل الاجابة عن الاسئلة المطروحة اعلاه، لا بد لنا من الاشارة الى نقطة اساسية ترتبط بشكل مباشر بالحرب المفترضة الحدوث، ونعني هنا العبرة المأخوذة من الحرب الروسية الاوكرانية التي يتم بكل تأكيد قراءتها بشكل دقيق من الجانب الصيني والتي يمكن اختصارها على الشكل التالي:
أ- سقوط وانعدام فرضية الحرب الخاطفة والنصر السريع، وهذا يعود وبشكل واضح الى اثارة، وبشكل مستمر ومتكرر، نية ورغبة الصين في استعادة تايوان وضمها الى سيادة التنّين، الامر الذي يسقط بشكل كامل مفهوم الحرب الخاطفة، وذاك بسبب الاستعداد الدائم والمعقد من قبل الجهة المستهدفة.
ب- التعقيد السياسي الاقليمي والدولي الذي يحيط بالحالة التايوانية، لا سيما التحالف الاستراتيجي العلني والعميق، والذي يمتد لعقود، ما بين تايوان من جهة والولايات المتحدة الامريكية من الجهة الاخرى، (الامر الذي يعتبر طارئًا في الحالة الاوكرانية). ولا يخفى على المراقب للوضع في جنوب شرق اسيا، حجم الدعم الامريكي العسكري القديم – الجديد الذي حوّل تايوان الى قلعة عسكرية امريكية مدججة بشتى انواع الاسلحة الامريكية المتطورة والاستراتيجية، بالإضافة الى التواجد المباشر لجنود المارينز على ارض تايوان. أضف الى ذلك الموقف الياباني الداعم لتايوان والرافض لأي عمل عسكري صيني ضدها، مع الاخذ بعين الاعتبار العداء التاريخي بين الطرفين الذي يعود لعقود من الزمن والذي شهد حربين مهمتين خلفتا رواسب وتوترات ولا زالت آثارهما موجودة في وجدان البلدين الى الآن.
والآن وبعد هذا الاستعراض الموجز، ندخل في صلب الموضوع ونحاول أن نجيب عن السؤال: في حال قررت الصين اجتياح أو استعادة السيطرة على تايوان، هل تستطيع امريكا وحلفاؤها التدخل لأجل افشال الاجتياح والعمل على الحاق هزيمة بالصين على نسق ما يحدث في اوكرانيا؟.
حسب مجموعة من الخبراء والمحللين العسكريين الغربيين عمومًا والامريكيين خصوصًا، الجواب هو كلا، إنه من الصعب في مكان منع الصين من القيام بالاجتياح، لكن هناك إمكانية ان يتحول هذا الاجتياح الى محرقة تدفع الصين فيها خسائر فادحة، على غرار ما يحدث في أوكرانيا. ويؤكد الخبراء أن التكلفة سوف تكون مرتفعة جدًا على الصعيدين المادي (عتاد وتجهيزات وبنى تحتية) والانساني (خسائر بشرية في الجانب العسكري والمدني)، بل يذهب البعض الى القول إن خسائر انزال الحلفاء في النورماندي اثناء الحرب (الاوروبية الثانية) والذي استمر لأكثر من ثلاثة اشهر، والذي نجم عنه، حسب وثائق امريكية اخرجت من الارشيف، اكثر من نصف مليون بين قتيل وجريح ومفقود من طرفي القتال، سوف تعتبر قليلة مقارنة بالخسائر المحتملة جراء محاولة أو قيام الصين بحرب ضد تايوان.
ويؤكد الخبراء أن الخسائر البشرية لن تقتصر على الجنود فقط بل سوف تتعداها الى خسائر هائلة بين المدنيين، فتعداد السكان في تايوان يناهز الـ 24 مليون بمعدل 9،500 شخص تقريبًا لكل كيلو متر مربع واحد، وهذا رقم يعتبر ضئيلًا إذا ما تمت مقارنته مع تعداد سكان مدينة ماريوبول الاوكرانية التي دارت على ارضها معارك طاحنة ادت الى الحاق دمار هائل وخسائر مهمة في الارواح، وإذا اعتمدنا على الارقام والاحجام نلاحظ، وحسب الإحصاءات، ان النسبة السكانية في ماريوبول تبلغ في الكيلومتر الواحد تقريبًا 2،600 شخص. فبعملية حسابية بسيطة سوف نستنتج ان الخسائر البشرية في تايوان وحجم الدمار سوف تكون هائلة.
لو تجاوزنا كل التوقعات واعتبرنا أن لغة الارقام حاسمة، وسلمنا بالتفوق الصيني، على كل الصعد، يبقى السؤال: هل تستطيع الصين تحمل حجم الخسائر المفترضة؟ هذا السؤال يبقى دون جواب حتى اللحظة.
والان سوف نستعرض، على ضوء ما قدمناه، سيناريوهات متوقعة في الحرب المفترض حدوثها، وهي سيناريوهات قد تحدث منفردة أو مجتمعة :
1 – سيناريو الحرب البحرية
مما لا شك فيه أن الصين تمتلك أكبر قوة بحرية في العالم يبلغ تعدادها 360 سفينة حربية متجاوزة لحجم البحرية الامريكية التي تمتلك ما يقارب 300 سفينة قتالية.( حسب إحصائيات مجلات متخصصة في الشؤون العسكرية).
الى جانب القوة البحرية الصينية الرسمية تمتلك الصين اسطولًا كبيرًا من السفن التجارية يضاف اليها، حسب تصريح العديد من الخبراء، قوة اضافية تشكلها قوات رديفة مكونة من حرس السواحل بالإضافة الى نوع من الميليشيا الشعبية المكونة من صيادين محليين يمتلكون المئات من سفن الصيد الصغيرة التي تشكل اسطولًا اضافيًّا يمكن للجيش الصيني الاعتماد عليه للمساعدة في نقل الجنود في حال الضرورة.
لكن تبقى المعضلة الاساس، في حال قررت الصين اتباع استراتيجية الحرب البحرية الكاملة، هو الحجم الهائل من العتاد والجنود والاليات والامدادات التي تحتوي على مئات الاطنان من الذخائر وملاين الليترات من الفيول التي يتوجب نقلها عبر البحر.
وحسب تصريح إيان إيستون، مدير أول في Project 2049 Institute، الامريكي المتخصص في الشأن العسكري، فإن نقل قوات وعتاد بهذه الضخامة والابحار بها على مسافة 177 كلم، يعتبر امرًا في غاية الصعوبة وخطيرًا من الناحية العسكرية، اذ انه يضع كل هذه القوات في فخ القوات المدافعة ويوقعها في شباك صيد محكمة تعرضها للدمار الشامل.
وفي مقال اخر يقول فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، إن فكرة غزو الصين لتايوان، سوف تكون مذبحة للبحرية الصينية، ويعلل ذلك بالقول بأنه لا بد ان تايوان عملت، عبر عقود، على تخزين صواريخ أرض بحر مضادة للسفن رخيصة وفعالة ويتم تصنيعها محليًا، على غرار صواريخ نبتون التي استخدمتها أوكرانيا لإغراق الطراد الروسي موسكفا في البحر الأسود في أبريل، بالإضافة الى اسلحة امريكية اخرى.
ومن جهة اخرى يؤكد معظم الخبراء العسكريين، أن تكلفة صاروخ ارض بحر واحد، محلي الصنع من الناحية العسكرية والاستراتيجية، يعد صفرًا في المقارنة مع تكلفة سفينة حربية يتم تدميرها.
ومع ذلك، يمكن للصين – بالنظر إلى تفوقها العددي – أن تقرر ببساطة أن السيطرة على تايوان تستحق الخسائر المحتملة، كما أشار توماس شوجارت، قبطان غواصة سابق في البحرية الأمريكية وهو الآن محلل في مركز الأمن الأمريكي الجديد.
وقال شوجارت “ستكون هناك مئات إن لم يكن الآلاف من السفن (الصينية الرخيصة الثمن) التي قد تستعمل ككبش محرقة لامتصاص الصواريخ (التايوانية).
وبغض النظر عن خطر الصواريخ، ستواجه الصين عقبات لوجستية ضخمة اخرى، تتمثل في صعوبة إنزال عدد كافٍ من الجنود لأجل كسب المعركة، فإن المدرسة العسكرية التقليدية للحروب تشير الى أن القوات المهاجمة يجب أن تفوق عدد المدافعين بنسبة واحد على 3 (1/3). وفي عملية حسابية بسيطة وفي مواجهة جيش تايواني قوامه 450 ألف جندي، ناهيك عن عدد مضاعف من الاحتياط، سوف تحتاج الصين إلى أكثر من 1.2 مليون جندي (من إجمالي القوة النشطة التي تزيد عن مليوني جندي). وكل هذه القوات يجب نقلها عبر البحر الامر الذي يحتاج الى عدة آلاف من السفن، حسب ما كتبه هوارد أولمان، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية وأستاذ في الكلية الحربية البحرية الأمريكية في مقال نُشر في شباط (فبراير).
وفي ما يخص الحرب البحرية يجب ان لا ننسى دور البحرية الامريكية المتواجدة في المنطقة والتي تمتلك أكبر حاملات للطائرات المجهزة بأنظمة هجومية ودفاعية تخولها الحاق اضرار مهمة في الجانب الصيني، في حال نفذت التزامها المتكرر، بالدفاع عن حليفتها تايوان.
2- سيناريو الحرب الجوية
لم يعد سرًا السعي الصيني الى التفوق على مستوى بناء القوة الجوية، وهذا بالفعل قد حصل في العقد الاخير حيث بلغ عديد الطائرات الصينية المقاتلة اكثر من 1600 طائرة في مقابل 300 مقاتلة تايوانية، بينما تمتلك الولايات المتحدة الامريكية 2600 مقاتلة حربية، متفوقة بذلك على الصين. لكن وعلى الرغم من هذا التفوق الامريكي، تبقى الدفة مائلة في صالح القوة الجوية الصينية وذلك يعود الى قدرة الصين على الاستفادة من كل اسطولها الجوي، على عكس الولايات المتحدة الامريكية، التي قد تجد نفسها في الجانب الاضعف، وذلك يعود الى تشتت القوة الجوية بسبب انتشارها حول العالم، ناهيك عن مشكلة المسافات التي تواجه القوة الجوية الامريكية؛ فعلى سبيل المثال، ان معظم القواعد الجوية الامريكية المتواجدة في الفلبين تحتاج الى قطع مسافة 800 كلم لكي تصل الى ساحة المعركة بالإضافة الى فرضية ان تقوم الصين بضربة استباقية لمعظم القواعد الجوية الامريكية المتواجدة في اليابان وغيرها من القواعد المنتشرة في شرق آسيا، ناهيك عن قدرتها عبر منظومات صواريخ متعددة، على القيام بقصف حاملات الطائرات الامريكية الراسية في الموانئ في عملية شبيهة بعملية بيرل هاربر الشهيرة التي نفذتها اليابان ودمرت وأغرقت خلالها ثماني عشرة سفينة حربية امريكية بما في ذلك خمس بوارج.
3- سيناريو الحرب البرية
في حال تجاوزت الصين مرحلة الحرب البحرية واستطاعت الوصول الى الشواطئ التايوانية وبدأت في عملية اجتياح بري، فإنها سوف تجد نفسها في مواجهة ما لا يقل عن ربع مليون جندي تايواني يضاف إليهم أكثر من مليونين من الاحتياط. ان استعداد تايوان للدفاع عن الارض امر قائم منذ عقود بل ان كل استراتيجيتها العسكرية مبنية على هذا الاساس، وهي بكل تأكيد تمتلك افضلية معرفة الأرض، ولا شك بأنها وضعت الخطط وبنت التحصينات اللازمة لخدمة هذا الهدف. واذا كان صحيح ما رشح عن ان الاستعداد الاوكراني لمواجهة الاجتياح الروسي كان قد بدأ قبل سنة من تاريخ الاجتياح، وقد أدى الى عرقلة التقدم الروسي واطال المعركة الى مدى غير محدد حتى الان، فمن المتوقع ان يواجه الاجتياح الصيني مقاومة اشرس واصعب واكثر كلفة، بالإضافة الى احتمال اطالة المواجهة لمدى اطول مما يمكن توقعه وسوف يكون للتحصينات التي عُمل على بنائها خلال عقود من الزمن من قبل القوات التايوانية وخصوصًا حول النقاط الاستراتيجية التي يمكن ان يكون السيطرة عليها من قبل القوات الصينية من الاولويات، كالعاصمة تايبيه والميناء الرئيس والمطارات، الامر الذي قد يدفعنا الى مشاهدة عشرات المعارك الشبيهة بمعركة مصنع ازوفستال الاوكرانية.
على صعيد آخر يرى أحد المحللين العسكريين أن الصين قد تقدم أولًا على السيطرة على الجزر التايوانية البعيدة في عملية قدم اولية في خطوة قد تعتبر جس نبض لردة الفعل الدولية. ولكن برأي كاتب هذا المقال ان اي عملية احتلال جزئي قد تأتي بمردود عكسي على نسق الذي حصل مع اوكرانيا حيث اتاح الاجتياح الجزئي لأوكرانيا انشاء نوع من التحالف العالمي الذي شكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة الروسية وادخل الحرب في دوامة صراع غير معروف العواقب.
على صعيد آخر يؤكد محللون على ان احتمال قيام الصين باجتياح شامل لتايوان ضئيل جدًا بل غير وارد على الاطلاق. ويمكن لأي مراقب وبعد لحاظ ما جرى و يجري على ارض المعركة في اوكرانيا والصعوبات التي واجهت وتواجه القوات الروسية على الصعيد العملاني من جهة، وما تلاقيه من دفاع اوكراني، الذي بشكل أو بآخر اثبت فعالية ما، من جهة اخرى، يؤكد على ان كل هذه الامور مجتمعة قد تكون ألقت بظلالها على صناع القرار الصيني ودفعتهم الى اعادة الحسابات والتفكير مليًا قبل اتخاذ قرار بشن عملية عسكرية بهدف اجتياح تايوان والسيطرة عليها. اذًا ما هو الخيار المتبقي امام الصين؟
هنا نصل الى السيناريو الأخير والاكثر احتمالًا.
4- سيناريو العزل الشامل والاخضاع
برأي كاتب هذا البحث، قد تعمد الصين الى استراتيجية مغايرة تتلخص بسياسة الحصار والعزل ومن ثم الاخضاع، على شكل الحصار الامريكي للعراق في التسعينيات والذي انتهى بإسقاط العراق كليًا بيد المحتل الامريكي مع مراعاة فارق الجغرافيا والتاريخ.
وهذا الامر مع ما يحمله من مخاطر عدة، الا انه يتيح للصين كخيار اخير وكبديل عن الحرب المكلفة، اخضاع تايوان لأمر واقع يفرض عليها ربما التخلي كمرحلة اولى عن سيادتها. ويمكن تلخيص هذا الفعل بخطوات هي: حصار خانق، شامل، جوي وبحري يعمل على عزل تايوان عن العالم وينزع عنها القدرة على اقامة اي نوع من العلاقات والاتصالات الخارجية، لتتحول في مرحلة اولى الى مجرد سلطة ادارة محلية ليتم بعد ذلك الانتقال عبر المفاوضات الى دولة منزوعة السلاح ومن ثم يتم ضمها الى جمهورية الصين الشعبية مع مراعاة لبعض الخصوصية والاستقلالية الادارية.
وفي حال حاولت الولايات المتحدة الامريكية كسر الحصار، الذي سوف يكون من فعالياته منع حركة الملاحة الجوية والبحرية من والى تايوان، الا من خلال إذن مسبق وحصرًا عبر الموانئ والمطارات الصينية وبعد اخذ اذن المرور عبر السلطات المخولة، فالامر يعني إطلاق العنان لمواجهة عسكرية امريكية صينية مباشرة قد تؤدي الى نتائج لا يمكن تخيلها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.