أمام المشهد التقاذفي للحكومة اللبنانية غير العتيدة، بين رمي الوساطات وتقاذف المساعي وعودة الكرة لملعب الثنائي الشيعي بجناحيه، نشهد عملياً أزمة ثقة لا يمكن نكرانها بين المكونات الحكومية الرئيسية، وفي الواقع يبقى اللبنانيون في حيرة من أمرهم أمام تدهور العملة الوطنية إزاء الدولار والذي يعتبر في بلد لا يملك أدنى مقومات الاقتصاد المنتج هو العملة الحقيقية وهو المرهون بالليرة وليس العكس، ترى اللبناني يرتقب من ساعة الى ساعة أخبار سعر الصرف في السوق السوداء ورفع أو ترشيد لدعم السلع والخدمات وبُعد الأمل بإقرار البطاقة التمويلية بسبب العجز عن تأمين مداخيلها وتمويلها.
وعليه، يرتقب اللبناني ارتفاع أسعار السلع الأساسية مع ثبات مداخيل العمال والموظفين على سعر الصرف الرسمي، وذلك لمن يحظى بعمل أساساً، وأيضاً يرتقب اللبناني لحظات البيان الأخطر من رفع الدعم على المشتقات النفطية لا سيما البنزين والمازوت والغاز، هذا إذا بقيت هذه المواد متوفرة في الأسواق. أمام هذا المشهد المتوتر أيضاً تواجه الحياة الاقتصادية اللبنانية أزمة العقود، ولا سيما عقود العمل وعقود الإيجارات وذلك بسبب ارتفاع سعر الصرف لليرة في السوق السوداء وعدم استقرارها أيضاً، وكذلك يخشى اللبناني من تفلت الوضع الأمني والاستقرار النظامي للسلطات القاهرة والإدارة بسبب تدني رواتب العسكريين وتدني سيولة المصاريف للخدمات الأمنية من تنقل وتغذية وصيانة معدات.
كل هذه الأزمات مجتمعة لا يمكن تلخيصها بأنها أزمة سياسية أو حكومية أو أزمة حكم، ولا يمكن حصرها بأنها أزمة اقتصادية أو نقدية أو مالية، بل كلهذه مجتمعة مضافاً إليها الفساد المستشري في كافة قطاعات الدولة دون استثناء. وكذلك لا يمكن تغييب ملف اختلاط الأوراق الإقليمية والدولية لا سيما بين المصالح الروسية والنفوذ الأميركي والصعود الصيني، وذلك لدور هذه الدولة في تقديم المساعي لإنضاج عمليات الحلول في الساحة اللبنانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
يجد اللبناني نفسه عاجزاً عن استقرار يومي فضلاً عن استقرار أو قراءة للسنة القادمة، ولكن ليس من شيء يدعو الى الاستعجال بالحكم على المستقبل الغوغائي أو اعتبار أن الفوضى الكبرى أصبحت على الأبواب، فإن أغلب ما تم الحديث عنه هنا صحيح أنه واقع مأزوم إلا أنه لا أحد عليه أن يعتبر أننا سندخل في رحاب غياب القيادة وإدارة الأزمة وإدارة والمخاطر. مهما تعقدت الأمور فإن تأمين الحماية الاستهلاكية والأمنية قد اعتاد عليه اللبنانيون عبر القنوات الطائفية بالدرجة الأولى وتحالف الأحزاب الطائفية مع دول أشقاء للبنان بالعنوان العريض، ولكن ستكون هذه الدول الراعية المباشرة لكل طائفة ريثما تضع حرب النفوذ الإقليمية أوزارها، فالذهاب الى حلول مباشرة في الآونة الحالية أمر مرتقب، ولكن تحرص كل الدول الراعية على عدم الذهاب أيضاً الى انفلات الوضع من عقاله، بل على العكس قد تقدم الدول اللاعبة في الساحة اللبنانية والإقليمة على تأمين رعاياها اجتماعياً وحفظ الأمن العام.
وعليه، هي حالة الدخول في ستاتيكو اللافوضى وهو ستاتيكو الارتقاب والترقب حتى انقضاء المفاوضات بين الأقطاب الدولية والإقليمية ورسم المشهد الدولي والنظام العالمي المعدل تدريجياً. وبالتالي، يظهر شكل النظام الإقليمي حتى يتم إسقاطه على النموذج اللبناني، فلا نحن أمام حلول قريبة سياسياً واقتصادياً ولا نحن أيضاً أمام تدهور منفلت.
لماذا؟ لأمرين أساسيين: الأمر الأول وهو داخلي باعتبار أن القوى السياسية الحالية ستسعى بكامل جهدها لإعادة تكوين نفسها في الانتخابات النيابية القادمة سواء كانت مبكرة أو عادية. فهي تسعى حالياً لإبراز نفسها على أنها الحل والمنقذ، وهذا ما يسمى في علم السياسية بالديماغوجية السياسية، فيمكنها التحكم بوتيرة وحرارة الأزمة نحو التزايد وهي واقعاً تحتفظ بالحقيقة التي تشير الى أقل من ذلك ولكن لن تظهرها فتجعلها ورقة إنقاذ، حتى تستعملها متى احتاجتها، فسيشعر المواطن المستهدف بثقة جزئية من قبل إدارته السياسية، وعلى هذه الإدارة رسم الستاتيكو اللاانهياري بهذه الطريقة وقلب الدفة لصالحه في عملية الإنقاذ والحماية.
أما الإمر الثاني، فهو إقليمي ودولي. فبكل بساطة إذا ما تركت الأمور تتجه نحو المهوار، فلن تجد الدول اللاعبة في الساحة اللبنانية فريقها عائماً حتى تتحرك من خلاله. فرغم الغرق الحاصل على جميع المستويات ستبقى الدول الراعية تمد قنوات الدعم تارة بشكل رسمي مثل دعم الجيش والمؤسسات المهمة، وهذا ما شهدناه عقب مؤتمر الدول السبع والأطلسي، وتارة عبر رسم كانتونات خدماتية دولية بأشكال غذائية واستشفائية ومد مصادر الطاقة، وهذا ما سمعناه حول النفط الإيراني والعراقي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.