جرت العادة في كلّ انتخابات أن تقوم الجهة التي ترشّح نفسها لخوض المعركة الانتخابية باستقطاب جمهور لها عبر الوعود والمشاريع والبرامج بغضّ النظر عن واقعيتها. لكن المستجدّ اليوم هو في تمحور كلّ الخطاب الانتخابي عند البعض حول العداء الصريح والمباشر لحزب الله: لا برنامج انتخابيّ يُناقش، ولا شعار يحمل مضمونًا يُقبل أو يُرفض، ولا حتى وعود تختلف نسبة إمكانية تحقيقها.
في مكان ما، فتح هؤلاء من حيث لا يعلمون ملف الهويّة اللبنانية التي حتى الساعة لم تزل قيد الدّرس، فلا ملامح ثابتة يمكن الانطلاق منها لنقاش التفاصيل والملحقات، ولا وجه نهائي يمكن التحديق فيه وإبداء المحاسن والمساوىء.
يعجز البعض عن فهم التعدّد الثقافي إلّا من زاوية ضيّقة، فنصّبوا أنفسهم قادة في صفوف معسكر هزيل يحاول تصوير الهويّة بحسب ما يراه مناقضًا للهويّة الثقافية لحزب الله، وهو أمر يسيء لمرتكبه ولمن يدّعي النطق باسمهم أكثر ممّا يسيء إلى الآخرين.
أولًا، لا يمكن صناعة هويّة كلّ عناصرها مبنية على مبدأ “النكاية”. جل ما يمكن فعله من هكذا منطلق هو خطاب بغيض وسطحي ومنفّر حتى بالنسبة لمن لا يتفقون بالسياسة مع الجهة المستهدفة أي مع حزب الله. فالقائل بأنّ من يعادي حزب الله هو حكمًا ممتعضٌ من هويّة حزب الله الثقافية هو إمّا جاهل وإمّا متغابٍ انفضح.
ثانيًا، الوجه الثقافي لكلّ مكوّن من المكوّنات اللّبنانية هو وجه مصان بأهله. وعمليًا، لم تُسجّل حالة اعتداء واحدة من قبل أهل الهوية التي يمثلها حزب الله على من يختلف عنهم، وكلّ ادعاء غير ذلك هو ادّعاء فرديّ لا بدّ أن له منشأ وظروفًا وتفاصيل لا يمكن إسقاطها في قالب تغيير وجه لبنان الثقافي (العبارة الشائعة). فلا خطر حزباللهي على الديكولتيه ولا على كأس العرق أو غيرهما، ويعلم ذلك حتى التافهون الذين ارتضوا لأنفسهم أن تكون سمات هويّتهم الثقافية الوحيدة هي في نمط العيش الذي يناقض نمط عيش الحزباللهيين.
ثم خرجوا إلينا، بل علينا، يستصرخون حماية من مظلومية وهمية، ومن تهديد لم يرد في بال أيّ أحد، ومن استهداف لم يُسجّل أثر له في أيّ مكان. ويسمّون ذلك المبنى الوهميّ كلّه خطرًا على هويتهم. ويبنون عليه معركتهم وخطابهم وحتى وجودهم.
رغم ضآلة النسبة التي تعبّر عن عدوانيتها ضد حزب الله إلى تركيب ملف اعتداء هويّاتيّ لتتهمه به، ورغم كونها مسيئة لجميع الطوائف وثقافاتها على حدّ سواء، لعلّ أسوأ ما تقوم به هذه القلّة هو محاولة اختلاق معركة يريدونها كي يتخرّجوا منها بدور ضحية وهمية، أو حتى بدور بطولة وهميّ. وكلّ ذلك لأجل إبداء قدراتهم على خوض المعارك أمام عيون مشغّليهم، وليس دفاعًا عن نمط عيش يعتمدونه ولا أحد يدعوهم إلى تغييره أصلًا. وبكلام أدقّ، هم يرتكبون جرم الاعتداء على أنماط عيش الآخرين، وهويّات الآخرين، وبشكل عنصريّ فاضح، وإلغائي وقح، ومسيء حتى لمن يظنّون أنّه معهم.
ينطق هؤلاء بما يدور في بالهم اللاهث لرضا البخاريّ والساعي إلى اسم له في قوائم عوكر، ينطقون بهواهم، ويسمّون هذا النطق دفاعًا عن الهويّة! ولو سألوا كلّ من في الأرض “من لبنان؟” لعرفوا أن هوّيته صُنعت بالدّم وسُجلت في الدوائر الدولية بخط واضح وعريض: بلاد يعيش فيها قومٌ مقاومون، وأهلٌ أتقياء، وترابٌ حرّ، وأنّ أهواءهم لا تُسجّل في مكوّنات الهويّة، أيّ هوية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.