نوح عواضة – خاص الناشر |
لم تدخل الولايات المتحدة بلدًا إلا وتركت خلفها المجازر والأعداد الكبيرة من الضحايا، دون أن تعود الحروب بالفائدة على مواطنيها، بل زادت أرباح الشركات الخاصة وبعض النافذين الأميركيين. فقد خلفت الحروب الكثير من التبعات التي تطارد الاميركيين غير المسؤولين عن سياسة إدارة بلادهم، وأصبح مواطنوها يمثلون البلد الذي يغزو البلدان من أجل الثروات، فأصبحت الولايات المتحدة مضرب مثل للخداع والجرائم والحروب.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة بإنشاء القواعد العسكرية في أنحاء مختلفة من العالم، ما خلف الكثير من الضحايا المدنيين وغير المدنيين. كان هدف الإدارة من ذلك إنشاء مراكز عسكرية متنوعة لتنفيذ مهام أمنية وحماية منشآت اقتصادية، حيث قام حلفاء الولايات المتحدة بتمويل مشاريعها العسكرية مقابل الحماية، إلا ان ذلك لم يعد على واشنطن الا بتحمل المزيد من الأعباء كحال الاتحاد السوفياتي سابقًا قبل الانهيار، فقد كثرت أعباء الدول التي ضمها ولم تعد هناك عوائد يمكن توزيعها على دول الاتحاد. انسحب الجيش الأميركي من أفغانستان وقامت الولايات المتحدة بتوزيع مهام إدارة المنطقة على دول حليفة لها فيما هي اختارت أن تنكفئ.
اليوم يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن انهيار الاتحاد السوفياتي كان درسًا قاسيًا يجب التعلم منه، لذلك قررت روسيا ان تصحح أخطاء الماضي وتعود إلى أمجادها. بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتنامي الخطر في أوكرانيا أدركت روسيا أنه حان الوقت المناسب لدخول أوكرانيا ولجم الخطر القادم من كييف. دخل الجيش الروسي أوكرانيا وضرب مشروع تمدد الناتو بتحصين الخاصرة الرخوة لروسيا، وهي أوكرانيا. البلد الذي تلقى دعمًا روسيًا طوال التاريخ أصبح جبهة مشتعلة بوجه موسكو! فلو عدنا إلى الحرب السورية لفهمنا مبدأ الحرب الاستباقية، فقد أدركت روسيا ما تحضره الادارة الاميركية فأرسلت جيشها الى سوريا لتجد قاسم سليماني قبلها في ساحة المعركة.
لم يفاجئ الولايات المتحدة وحلفاءها دخول روسيا إلى أوكرانيا، فهي كانت مدركة لكنها عجزت عن مواجهتها فاستبقت الأأمر بشن حملات إعلامية ضد روسيا، ولدى دخول الجيش الروسي شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تضامنًا واسعًا مع أوكرانيا، حيث بدأت منظمات المجتمع المدني في كل من أوروبا والشرق الأوسط بتصوير روسيا على أنها وحش كاسر! مشاهد الحرب الاوكرانية أعادت إلى ذهن المشاهد العربي مشاهد دخول الجيش الاميركي الى العراق بل وفتح سجل حروب الولايات المتحدة وما خلفته من ويلات على شعوب العالم، فبعد كل حرب كانت الإدارة الأميركية تحتاج إلى جهد كبير لتجميل صورتها امام المجتمع الدولي حتى أصبحت مثل امرأة كبيرة في السن أجرت العديد من عمليات التجميل فأصبحت مشوهة بالكامل؛ فقد امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصور المسلحين الاوكرانين، وكأن هناك منظومة اعلامية كانت حاضرة لنشر فيديوهات بطابع سينمائي، أظهرت الاوكرانيين بصورة الابطال الشجعان، الأمر الذي عاد بذاكرة الناشطين العرب الى صور المقاومة الفلسطينية بوجه الاحتلال الاسرائيلي، التي تعتبرها الادارة الأميركية “خارجة على القانون”.
الامر لم يقف عند حد تشويه صورة روسيا، بل شنت وسائل الاعلام الاوروبية حملة تشويه لصورة الرئيس الروسي، وتصويره على انه نازي، فيما كشفت مصطلحات ومواقف بعض الإعلاميين الأوروبيين النظرة العنصرية إلى اللاجئين العرب في أوروبا، فيما منع عدد من الطلاب العرب ركوب القطار على مبدأ ان “الاوكرانيين أولى بالقطار من العرب!”.
الإعلام الغربي لم يكن محايدًا كما يدعي، بل في الكثير من الاحيان كان أداة للحروب مثلما كان في الحرب العالمية الثانية، حيث اشتهرت السينما النازية في تصوير بطولات الجيش النازي وتحقير الأعداء، الأمر ذاته حضر في عروض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السينمائية وهو الذي يملك سجلًا حافلًا من البطولات السينمائية إلا انه رغم بطولاته عجز عن التوصل إلى تفاهم مع الروس الذين يطالبون أن لا تكون أوكرانيا محطة لتهديد موسكو .
فإذا بحثنا بين رؤساء العالم لما وجدنا رئيسًا وطنيًا يسعى للمحافظة على سيادة بلده الا ويقابل بحملات تشويه واتهامه بالرجعية والديكتاتورية من قبل الإدارة الاميركية، وفي الوقت الذي صبغت حروب الولايات المتحدة الأميركيين بأنهم ينتمون لبلد يقطع المحيطات من أجل غزو البلدان وسرقة ثرواتها، جعلت روسيا مواطنيها رغم الحملات ينتمون لبلد يجتاح العالم إليه من أجل المحافظة على سيادة أراضيه.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.