ناصر علي فقيه – خاص الناشر |
أخيرًا فعلها. رئيس حزب المستقبل النائب سعد الحريري يطلق رصاصة الرحمة على مسيرة سياسية ورثها عن بيت خدمته الظروف الدولية والإقليمية ليتحول إلى رقم صعب في لبنان، بل إلى ناطق شبه أوحد باسم هذه البلد الصغير.
كان اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري حدثًا مفاجئًا، لكنه سرعان ما تحول إلى إحاطة سعودية فرنسية أميركية للفتى الجديد القادم من عالم مختلف، فوُلد نجم سعد الحريري كوارثٍ لخط والده، لتكون رسالة الخارج واضحة أن الحريري الابن هو استكمال لمشروع الأب مع امتداداته العربية والدولية.
إلا أن مأساة 2005 غير المتوقعة لم تكن نهاية لآل الحريري، على العكس من النهاية غير المفاجئة لهذه العائلة السياسية في 2022، والتي ما كانت لتتم لولا إرادة ملكية، كانت هي الراعي الأول، وتكاد تكون الأخير، لولا حسابات فرنسية هنا، أو طلبات أميركية هناك، فمن العمة إلى الشقيق أو الأخ أو ابن الشقيقة، وصولًا إلى سعد الحريري، لم يعد أحد في هذا المنزل قادرًا على ملء الفراغ المطلوب الذي عمل على الاستفادة من الظروف الخارجية التي صبت في خدمة مسيرة رفيق، فكانت ولادة البيت الأزرق إغلاقًا لبيوتات منافسة بقرار من الراعي السياسي السعودي تحديدًا.
المفارقة أن بيت الحريري، كما بدا المشهد من بيت الوسط، قد أُغلق بقرار من الرياض نفسها؛ فالتواتر المفيد يؤكد أن المملكة الكبرى لا تريد ولن تدعم رئيس حزب المستقبل أو تياره في الانتخابات المقبلة، لتصبح طائفة بأكملها رهينة غموض لا تُعرف تداعياته بما أن المحركات الخارجية من الغرب إلى الخليج لا تعمل في مصلحة دور الحريري الابن، فيغلق هو بدوره الباب على الطائفة، ليصبح السؤال المشروع: هل ستجرؤ مكونات أخرى من الطائفة السنية على خوض غمار الانتخابات في ظل فيتو الرياض غير المعلن؟ وهل هذه مقدمة سعودية على طريق أحجار الدومينو لتحييد طائفة أساسية عن الاستحقاق التشريعي القادم ونسف ميثاقية أي عملية اقتراع قادمة؟
وبينما يلقي ساكن بيت الوسط اللوم على ذرائع بعيدة عن الوقائع الحاكمة (الفساد الداخلي، وهل هو بريء منه؟ أو التدخلات الإيرانية، وهل طهران مَن احتجزته؟)، يعلم القاصي والداني أن مفتاح الحل لأزمة بيت الحريري في السعودية، بل عند ولي عهدها محمد بن سلمان الذي فرض عليه يومًا الاستقالة من الرياض، لنزوة ارتآها ابن سلمان في مقاربته للملف الللبناني.
“يستودع” الحريري “لبنان وشعبه”، فيبكي كالنساء حكمًا ضاع لم يستطع أن يدافع عنه، ربما لأن رئيس حزب المستقبل عجز عن تحقيق مطالب أو أجندات داخلية لا تقوى عليها دول، من الولايات المتحدة إلى السعودية، و”إسرائيل” من ورائهما. ولعل غير المعلن الذي طُلب من الرجل، ظهر في طيات مقترحات خليجية إلى العلن، فأطلت بشكل سافر عبر موفدين يحملون حقائب الوساطة العربية. فهل إن عزوف الحريري عن السياسة هو لعجزه عن تحقيق الدور المطلوب منه خارجيًّا؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.