في زمنٍ خان فيه زعماء الأمة وتآمروا، وتسابقوا بخطى متسارعة على طريق الذل والخذلان، رُسمت معالم التطبيع بقذارة وحقد، كأن تاريخ الأمة يعيد نفسه، وإن كان المشهد جديدًا والزمان مختلفًا، إلّا أن المعركة واحدة: معركة الحق مع الباطل.
هذا التطبيع الذي دخله المتخاذلون من أوسع أبوابه، دون استثناء يحفظ لهم ذرة كرامة وعروبة، تبنّوه واعتنقوه قولًا وفعلًا، سياسة واقتصادًا وثقافةً. ورغم أن النتيجة لكل أوجه التطبيع تصب في خانة واحدة، إلا أنه من الضروري تسليط الضوء على مخاطر كل منها على حدة، ولعل أبرزها مظاهر التطبيع الثقافي الذي لا يقل خطورة عن غيره من مظاهر التطبيع.
التطبيع الثقافي: الأشد فتكًا
يسعى العديد من المرتزقة العرب الى جعل التطبيع مع العدو الإسرائيلي ثقافة سائدة في المنطقة العربية، مقدمين لشعوب المنطقة العربية والإسلامية مبررات مستمدة من الجهل وانعدام كرامة العيش وحق الوجود؛ ففي الوقت الذي ما زالت الشعوب العربية تعتبر فيه الكيان الصهيوني عدوًا و محتلًا، وأن المقاومة الفلسطينية هي حق، فإن أسياد الأنظمة العربية المستبدة يدافعون عن ثقافة التطبيع ويروجون لها.
لقد نص “اتفاق أبراهام” الذي تم بين دول عربية والعدو “الإسرائيلي”، على بنود هذا التطبيع، وأشكاله. ورغم وجود العديد من التصريحات العربية التي صدرت بعد عقده، إلا أنه لم تتم الإشارة فيها بشكل مباشر الى “التطبيع الثقافي” مقارنة بغيره من أشكال التطبيع، ولكن ذلك لا يعني أبدًا استبعاده عن واجهة التحديات، بل على العكس تمامًا، لأن مخاطر التطبيع الثقافي هي أشد فتكًا وتأثيرًا، ومظاهره عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، افتتاح مراكز ثقافية “إسرائيلية” في الدولة المطبِّعة، وانخراط “إسرائيل” العدو في الفعاليات الثقافية المختلفة (المهرجانات، مجالات السينما، معارض الكتب، الندوات الثقافية)، بل وفي إنتاج أعمال فنية مشتركة كالمسلسلات التلفزيونية، حتى أنه قد يطال أيضًا المناهج التعليمية.
والجدير بالذكر، أن للعدو أهدافًا خفية يسعى الى تحقيقها عبر التطبيع الثقافي، تتجلى بشكل أساسي في تشويه الحقائق والتاريخ، وإسكات القضية الفلسطينية، وإعادة برمجة الوعي العربي على واقع مزيّف وحقائق مفبركة وإغراقه بمبررات كاذبة لوجود الكيان الغاصب واحتلاله للأراضي الفلسطينية، علمًا أن تحقيق هذا الهدف هو الأثمن بالنسبة لهم والأقل جهدًا وتكلفةً مقابل ما تكبّدوه في الحروب العسكرية سابقًا.
سبل المواجهة: المقاومة الفكرية
قبل الحديث عن سبل المواجهة، لا بد من الإشارة إلى أن التطبيع الثقافي يُعد معركة قوية ومعقدة، وهي جزء من معركة كبرى، وأن العدو “الإسرائيلي” ما زال إلى الآن مهزومًا فيها رغم كل محاولاته واتفاقياته التاريخية السابقة.
أما عن كيفية مقاومة التطبيع الثقافي، فالأمر يحتاج بشكل أساسي الى توحيد الجهود وتكثيفها، وإنشاء شبكات عربية تكون مهمتها نشر ثقافة الوعي وحقوق الإنسان، وترسيخ جوهر القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية، والحرص على تقديم “إسرائيل” على أنها عدو الأمة وليست صديقة أو حليفة، وإنعاش ذاكرة الشعوب بتاريخها الأسود الحافل بالإجرام والدم بكل ما هو متاح من وسائل وسبل اجتماعية وثقافية (وسائل التواصل الاجتماعي، الندوات، المحاضرات، الأفلام والتقارير الوثائقية…).
بالإضافة الى ما سبق لا بد من تفعيل حملات مقاطعة العدو “الإسرائيلي”، علمًا أن “حركة مقاطعة “إسرائيل” – BDS، كانت قد حققت إنجازات بهذا الشأن.
يمتلك الإنسان القدرة على أن يحتمي بثقافته، ويجعلها درعًا يتقي بها الضعف والهزيمة؛ فالثقافة الحقيقية لا تقهر ولا تهزم، وما نشهده اليوم هو احتلال ثقافي يجتاح الأمة بأفكاره الهدامة المعادية، ليعيد رسم الحقائق والتاريخ على أسس كاذبة وأوهام خادعة.
هذا زمن لا مكان للغموض فيه ولا للمساومة، فالتطبيع هنا خيانة، خيانة للأمة والدين والإنسانية والحق، وسلام على أمة إذا أصابت الخيانة عقولها، وضاعت قيم الكرامة والعروبة فيها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.