أكثر مما كان متوقعًا بدا الانبطاح الرسمي في لبنان. بربطة عنق رسمية تخاض حروب السعودية في لبنان. كل ما في المشهد تفاصيل، من الأزمة التي افتعلت على خلفيات تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي وصولًا إلى مهزلة الاستياء البحريني من مؤتمر صحفي حقوقي لجمعية الوفاق البحرينية سبقته عشرات المؤتمرات المشابهة التي استضافتها بيروت. تكر سُبحة التنازلات المعيبة، ولا شيء في حسابات رئيس الحكومة اللبنانية أكثر من ابتسامة يرسمها على وجه محمد بن سلمان من شأنها أن تمنحه زعامة سنية يلهث إليها في الوقت الذي يرى فيه ميقاتي فرصة قد لا تتكرر.
كل الأوراق وظفها ميقاتي للضغط على قرداحي باتجاه إعلان استقالته، وحتى بعد أن تمت رفض ابن سلمان وساطة ماكرون لاستقبال ميقاتي في جدة، مكتفيًا بالرد على ما بادر إليه الأخير، أما الكلام والأخذ والرد فكان مع الفرنسيين حصرًا. حتى هذا القليل، كان مرضيًا جدًا بالنسبة لميقاتي. وبموازاة بازار انتخابي انطلق مبكرًا في لبنان، كان لا بد لبازار الابتزاز الخليجي من أن يُفتح بأيادٍ لبنانية.
هكذا يتلخص المشهد، ارتزاق سياسي بالكامل، تستبدل فيه شعارات بأخرى تناسب المزاج الخليجي وأجندته في لبنان. وبعد طي صفحة الأزمة المفتعلة من تصريحات قرداحي، أزمة جديدة كبّر حجرها رئيس الحكومة اللبناني نفسه، استياء بحريني استدعى تأهب الحكومة اللبنانية ووزارة الداخلية وبيان استنكار من الخارجية، تحقيق وتهديد باتخاذ اجراءات بحق معارضين بحرينيين على خلفية إطلاق تقرير حقوقي يطل على انتهاكات السلطة منذ العام 2019، ليصدر قرار وزير الداخلية اللبناني بترحيل أعضاء جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، كبرى جمعيات المعارضة البحرينية، الذين رحلتهم السلطة الحاكمة لبلادهم إلى لبنان، بعد حملة سحب جنسيات وتصفية للعمل السياسي والصحافي في الداخل.
وبعيدًا عن البحث في قانونية قرار بسام مولوي، في زمن الفوضى العارمة لبنانيًا، اذ لا جدوى من البحث، يبدو أن قرار مولوي سيبقى حبرًا على ورق، بمفاعيل توثق للوزير ولرئاسة الحكومة حجم انبطاحهما السياسي المهين.
حتى الساعة، تلتزم جمعية الوفاق البحرينية الصمت تجاه ما صدر من مواقف وقرارات من قبل الحكومة اللبنانية. تفوّت المعارضة البحرينية الفرصة على ميقاتي من أن يتمترس خلف أي موقف من شأنه أن يصدر عن الجمعية ليثبت صوابية قراره، أو ليصوّر أن ثمة من يمس بهيبة “الدولة”. وهو صمت سيطول على ما يبدو، لأن المستهدف في كل ما يجري وإن كان بحرينيًا في الشكل إلا أنه لبناني في الصميم، لذلك فليكن الرد لبنانيًا – لبنانيًا، بالأسلوب الذي يفهمه اللبنانيون على بعضهم بعضًا، ويفهمه لبنانيو الضفة المقابلة لارتزاق ميقاتي لمن يعنيهم الأمر في الإقليم.
لا ترحيل الوفاق سينفذ، ولن يجر القرار ما بعده على مستوى استهداف الوجود اليمني مثلًا، ولا استرزاق مولوي وميقاتي سيمر عبر الضاحية الجنوبية، بكل ما ترمز إليه هذه الضاحية. ورب ضارة نافعة، علّ كسر قرار مولوي سيكون هدية بالمجان إلى شريحة يُمعَن في استفزازها ظلمًا في حرب استنزاف تدركها وتخوضها حتى النفس الأخير.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.