كان هذا الفتى الذي في مقتبل العمر يشاهد ممارسات المحتل الغاصب وتدنيس قطعان المستوطنين اليومي للمقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى المبارك، وتضييق الاحتلال الصهيوني وحواجزه على حرية العبادة داخل المسجد الأقصى. كان يرى آلات الهدم والدمار الصهيونية وهي تهدم بيوت المقدسيين وتشردهم في العراء دون مأوى، واستيلاء قطعان المستوطنين على بيوتهم عنوة وطردهم بالقوة وبتهديد السلاح خارج بيوتهم ورفع أعلام هذا الكيان السرطاني الخبيث فوقها.
كل هذه الممارسات القبيحة من عدو آثم قبيح لم يكن يسمع بها أو يشاهدها عبر التلفاز، بل كان شاهد عيان حيًّا على كل هذا الظلم والبطش والصلف الصهيوني الذي تقف خلفه آلة الدمار الصهيونية.
فتى في مثل سنه من المتعارف عليه أن تشغله اهتمامات أخرى تشغل العديد من الفتية من أترابه، لكن كل هذه المشاهد تركت أثرًا عميقًا وتفكيرًا مليًّا ورغبة واضحة في الانتقام من هذا المغتصب الذي يريد أن يطمس معالم هذه المدينة العريقة والبلدة القديمة قدم الجذور العربية الإسلامية فيها، والتي يشاهد الناظر عوامل الزمان قد غيرت جدرانها وحجارتها التي قد بليت لكنها لم تغير هويتها الحقيقية ووجهها الحقيقي وعقيدتها الإسلامية الراسخة، هذه الحجارة التي لو نطقت لتحدثت باللغة العربية والعربية فقط، وهذه الجدران التي كانت لسنوات عديدة تخشع لصوت الأذان من مآذن المسجد الأقصى.
لم يكن سهلًا أبدا على عاداته ومبادئه وإيمانه ومعتقداته رغم صغره أن يتقبل فكرة أن يصبح المحتل جارًا له بعد طرد الجار الحميم الذي عرفه منذ عشرات السنين.
بدأت نار الثأر وأجيج الانتقام يغليان في صدره، حتى أن حر العزة والكرامة ورفض الذل والهوان وطمس الهوية بلغ مبلغه من هذا الفتى الوسيم فاستل سكينه وخرج من بيته لا تدفعه إلا هذه الرغبة الكامنة منذ سنين، ليجد جنديين من جنهودهم الذين ينكلون بالمارة ذهابًا وإيابًا، فطعنهما دون وجل أو خوف، طعنهما وهو يعلم أنها قد تكون هذه آخر لحظات عمره. لكننا لم نكن نعلم أنه قد استعد جيدًا لهذه اللحظة، وقد طلب ممن عرفوه أن يذكروه بالخير لأنه خارج إلى بطولة لن يعود منها إلا شهيدًا مضرجًا بدماء الطهر التي حركت فيه كل مشاعر النخوة والثأر,
هذا هو الفتى الوسيم الهادئ الشهيد عمر أبو عصب. الهادئ هدوء البحر الذي يدور داخله صراع لم يكن يظهر لأحد إلى أن قام بهذا العمل البطولي.
طوبى لروحك الطاهرة يا عمر وقد تقدمت يوم تراجع الكثيرون، يوم قدمت الواجب فوق الإمكان، يوم تسلحت بالإيمان وهذا السلاح الأبيض البسيط الذي رغم بساطته لم يجعلك تتراجع عن القيام بالواجب. طوبى لدمائك الطاهرة علها تغسل عار تقصيرنا وانكسارنا. عذرًا لقداسة دمك يا عمر.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.