ليست المرة الاولى التي نشاهد فيها، بصمت، صورة مفجر ثورة الأمعاء الخاوية؛ خضر عدنان، وهو يقف خلف باب موصد لجامعة فلسطينية عريقة تصف نفسها بالجامعة الوطنية، توصد في وجهه الأبواب، وهو يلبي دعوة الكتلة الطلابية للمشاركة في فعالية طلابية تضامنية مع الأسرى الإداريين الستة المضربين عن الطعام رفضًا لاعتقالهم الاداري التعسفي في سجون المحتل العبري، وهو الفعل النضالي الذي ابتدعه هذا المناضل ذاته، خضر عدنان، الذي تحرر عبر هذه الاضرابات عدة مرات، وكان له شرف إطلاقها منذ أعوام خلت، وكان لذات الجامعة؛ جامعة النجاح الوطنية في نابلس، شرف القيام بفعاليات تضامنية معه في إضرابه الشهير الذي منحه رمزية استثنائية في الفعل الفلسطيني المقاوم.
لماذا تصرّ هذه الجامعة، للمرة الثالثة ربما، على منع خضر عدنان من دخول ساحتها للمشاركة في فعالية هو رمزها الأول؟!
في المرات السابقة جاء هذا المنع التعسفي في سياق الحملة الممنهجة التي شنتها اجهزة أمنية فلسطينية، لإفراغ هذه الرمزية من مضمونها الوطني. وقد آتت هذه الحملة أكلها عندما نجحت هذه الأجهزة في استقطاب قطاعات متنفذة في مؤسسات وكيانات فلسطينية عديدة، بحيث تم محاصرة نشاطات هذا المناضل، وخاصة في محافظة نابلس، ربما لخصوصية هذه المنطقة وما تمثله من مساحة فلسطينية شعبية كبيرة، في ظل حضور محدود لحركة الجهاد فيها مقارنة بمحافظتي جنين وطولكرم المجاورتين.
ولعل ذلك يفسر هذه الحملة الأمنية الشرسة التي تشنها هذه الأجهزة ضد نشطاء الجهاد في منطقة نابلس، وهي حملة هي الأولى من نوعها، في مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، منذ نفق جلبوع المعجز، وما حمله من تطورات ساهمت في ترسيخ الشخصية الكفاحية الوطنية لحركة الجهاد، كشخصية جامعة للمشروع الفلسطيني، بعيدًا عن حالة الانقسام والمحاصصة التي تعيشها حركتا فتح وحماس، في السيطرة على السلطة في الضفة وغزة، او في السيطرة على النفوذ في جامعة النجاح الوطنية، وهو ما يفسر حالة التماهي مع القرار الأمني ضد خضر عدنان بوصفه الشخصية الأكثر فاعلية في النشاط الميداني الوطني الشعبي على مستوى الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال المباشر، مقارنة بغزة التي تخضع لحصار المحتل المطبق.
تأتي الحملة الأمنية ضد الجهاد الإسلامي في نابلس، في ظل تصاعد المد الجماهيري لهذه الحركة في مناطق اعتادت على فتح وحماس كمظلتين وحيدتين للنضال الوطني، ليأتي حدث جلبوع المعجز ليهز العاطفة الوجدانية للشعب، وخاصة لفئة الشباب والفتيان الذين وجدوا في شخصية محمود العارضة واخوانه ما افرغوا فيه عواطفهم المجبولة بالأصالة الوطنية بحس ديني عميق، بدل التعلق بالممثلين والرياضيين والسياسيين.
عقب السادس من أيلول، حيث النفق المعجز قد تهاوى على رأس منظومة المحتل الأمنية، وعد المحتل المجرم أسرى الجهاد، بتحويل حياتهم إلى جهنم، وهو ما باشر بإجرائه بكل وحشية، ليجد هؤلاء الأسرى أنفسهم، يا وحدنا، فكان ان احرقوا كل سفن النجاة، عبر حرق غرفهم الخاصة دون ان يخلوها تبعًا لأوامر السجان، وباشروا تمردهم الشامل، وصولًا للإضراب الجماعي المفتوح عن الطعام، في ظل تهديد الأمين العام الحاج زياد النخالة بنقل معركة الأسرى لمعسكرات العدو وشوارعه، وهو ما دفع العدو لاختصار الوقت والخضوع لمطالب الأسرى، والعودة بحياتهم لما قبل الوعود بتحويلها إلى جهنم، بما اجتث كل التبعات السلبية للهروب، التي حاول العدو ترسيخها في الواقع الفلسطيني.
تجربة الأسرى ونضالهم، في تثبيت الثمار الإيجابية للنفق المعجز في الوجدان الفلسطيني والعربي والإنساني، تصلح ان تكون درسًا لمن يحاول خنق هذا الصوت عبر الاعتقالات والتحقيقات وحظر الحسابات وإغلاق أبواب الجامعات، فهل ثمة من يعي ان عتمة نفق جلبوع اطلقت فضاءات لفجر يستحيل خنق شعاعه المنبعث نحو نابلس وكل ازقة هذا الوطن؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.