من خلال ما تقدم وبعد استعراض المخطط الدقيق الذي تحرّك خيوطه الأيادي الآثمة للغرب المتصهين يمكننا القول إنه يصبح من السهل على المتابع للقضية المهدوية والباحث في علامات الظهور وما بعده، فهم واستيعاب محتوى معظم الأحاديث والرويات التي تتحدث عن الفترة الأولى من ظهور الإمام وعن الانقلابات في المواقف والانتقال بين المعسكرات وتغيير الولاءات، فنجد من ينتقل من معسكر الإمام إلى المعسكر المعادي والعكس صحيح أيضًا. إننا بالتأكيد نتحدث هنا عن الظاهرة المشار إليها في الروايات والمعروفة بظاهرة “الإبدال”؛ اشخاص كانوا مع الإمام يتركونه ليلتحقوا بالمعسكر المعادي وآخرون من المعسكر المعادي يلتحقون بالإمام، وكيف أن فئات كانت مؤمنة بالإمام انقلبت على نفسها وعلى الإمام وأصبحت من الرافضين له والمنكرين لشخصيته ولحركته ومن المطالبين له بالعودة من حيث أتى، “ارجع يابن فاطمة لا حاجة لنا بك”.
ونستطيع أن نفهم أيضًا حجم الصعوبات والألم والظلم التي سوف يلقاها الإمام حين ظهوره، والخذلان والتشكيك من بعض من يفترض أن يكون من ركاب السفينة ومن آخرين يطلق عليهم لاحقاً البتريين. ونستطيع أن نتخيل حجم الحملة الإعلامية والكم الهائل، من التضليل والتشويه، الذي سوف يتعرض له الإمام ليكون مصداقاً للحديث الذي يقول: سيلقى القائم منا من البلاء ما لقيه رسول الله بل أكثر، وجزء كبير من هذا يعود إلى الضربة الاستباقية التي قام بها الغرب من خلال إنشاء داعش واستخدامه الاستباقي لبرنامج الإمام المهدي.
أخيراً يمكننا الادعاء أن الغرب استطاع توجيه ضربة استباقية للقضية المهدوية عبر تشويه صورة الإمام حتى قبل ظهوره، وهذا الأمر يقودنا إلى السؤال التالي: كيف سوف تكون عليه الصورة حين ظهوره؟ مع إعادة التذكير بأن الروايات تؤكد على أن الإمام عليه السلام يظهر من العدم يعني شخصية غير معروفة تظهر وتعمل بالواسطة، والأحاديث تؤكد على أنه لا يلتقي بأحد في المراحل الأولى إلا من خلال أشخاص معينين يحملون رسائله، وأشخاص يتحدثون باسمه، وهذا أمر قد شهدناه أيضًا مع داعش ( اتباع ونواب البغدادي أبو فلان المصري وأبو فلان الفلاني)، وهذا بكل تأكيد سوف يزيد التعقيد وسوف يدفع الناس إلى المزيد من التشكيك بهوية هذا الشخص وبحقيقة وجوده وانتمائه، مستندين دائمًا إلى الصورة السلبية الاستباقية التي قدمت من خلال داعش والبغدادي والناطق باسمه ونائبه الخ. ومن هذه النقطة ولأجل تجاوز هذا الفخ الذي نصبه الغرب للإمام المهدي وحركته وأنصاره، يجب علينا البحث عن الوسائل وإيجاد الأدوات التي تساعدنا على تحصين إيماننا بالإمام المهدي وعلى الإيمان بدوره وبرنامج عمله، ولأجل تحقيق هذه الأهداف لا بد لنا من الالتفات إلى صفات أصحاب الإمام، والتي إن عرفها المريدون يصبحون قادرين على تجاوز كل الشكوك والالتباسات التي زرعها في الأذهان الغرب الخبيث، ويثبتون بذلك، ومن خلال معرفتها، الإيمان الذي يمكنهم من الالتحاق بالمهدي وأصحابه حين ظهوره.
أبرز صفات أصحاب الإمام المهدي (ع):
الحلماء، العلماء، رهبان الليل، عرفوا الله حق معرفته، وهناك رواية أخرى تقول يظهر مع القائم شبه عبدة الشمس والقمر، أشخاص إذا رأيتهم تعتقد بأن لا دين لهم (وهذا تحدٍّ كبير وشبهة أكبر) فالحديث يقول: يخرج عن أمرنا من كان يظن أنه فيه، ويدخل في أمرنا شبه عبدة الشمس والقمر.
وأخيرًا وليس آخرًا لا بد من الإشارة إلى أن الإيمان بالإمام عن بعد قد يكون من الأمور السهلة ولكن لا يتصورن أحد أن الغرب وأعداء الإمام سوف يتحلون بديموقراطية عالية وروح رياضية ويزرعون في طريق الإمام الورود ويفرشون لحركته السجاد الأحمر وبالتالي يستطيع عامة الناس والخاصة منهم الالتحاق بالإمام والإيمان به وبحركته دون جهاد ودون أن يدخل الشك والريبة إلى النفوس، بل على العكس من ذلك سوف يواجه المنتظرون حملات من التشويش والتضليل والتشكيك والضغوط القصوى بكل أشكالها ابتداء بالحصار الاقتصادي والمالي والتجويع مرورًا بالحروب والمعارك الجانبية. وإن بعضًا مما تمر به المنطقة الغارقة في المواجهة الحالية والتي تواجه حملة الضغوط القصوى لهي خير دليل على ما يمكن أن يكون عليه الحال في مرحلة ظهور الإمام. وها نحن نرى كيف أن الكثيرين، ممن كانوا يهللون للمقاومة والنضال ويتبنون قضايا الأمة ويرفعون رايات المواجهة مع العدو المستعمر، وبمجرد خسارتهم لبعض الامتيازات، نراهم ينزلون البندقية عن عواتقهم ويخلعون البزة العسكرية، ناهيك عن البعض الذي لم يكتفِ بالانكفاء بل ذهب الى أبعد من ذلك وسلك الطريق المعاكس وانقلب على قضاياه ومجتمعه. أضف إلى ذلك آخرين سقطوا أمام حملات التضليل والتشويه التي إذا قمنا بقياسها بما سوف يتعرض له الإمام يمكننا اعتبارها نقطة صغيرة تكاد لا ترى؛ فالحملات في زمن الامام المهدي سوف تكون أشد وأمضى.
إن الإيمان بالإمام المهدي وبحركته ومبايعته على الطاعة القائمة على قاعدة الولاية، يتطلب صبرًا أكبر ووعيًا أرقى وقوة تحمل مضاعفة مئات المرات مقارنة بما تتطلبه المعركة الحالية، التي يمكن تصنيفها بواحدة من المعارك في الطريق إلى عصر الإمام.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.