هلال صادق | خاص الناشر
هل انتصرت ألمانيا على الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية؟ وفقًا لمعايير البعض في لبنان والدول العربية لمفهوم الانتصار والهزيمة، يبدو أن الجواب نعم.
فهؤلاء يصرون على وضع معيار واحد للنصر أو الهزيمة وخاصة في أي حرب تنشب ضدّ العدوّ الصهيوني وذلك لخدمة سرديتهم التاريخية التي تقول إن “إسرائيل” لا يمكن هزيمتها، وهذا المعيار المستخدم من قبلهم كما يتبين من كتاباتهم ولقاءاتهم يقتصر على حساب الخسائر البشرية والعسكرية والمادية لدى الطرفين، وهو ما يضمن لهم تفوق نظريتهم على النظريات الأخرى بسبب تفوق الجيش “الإسرائيلي” على كلّ جيوش المنطقة وقدرته التدميرية ضدّ أعدائه.
بدورنا، لو أخذنا هذا المعيار وطبقناه على حروب أخرى كالحرب السوفييتية الألمانية في الحرب العالمية الثانية مثلًا، لوجب علينا تهنئة المانيا (التي فقدت ١٢ مليونًا بين عسكري ومدني في كلّ الجبهات) بالانتصار على الاتحاد السوفييتي (الذي فقد ما يقارب ٢٧ مليونًا ما بين عسكري ومدني فقط على الجبهة الألمانية)، ولوجب علينا تهنئة أميركا (التي خسرت ٥٧ ألفًا فقط) على انتصارها على الفيتناميين (الذين خسروا نحو مليوني قتيل ما بين مقاتلين ومدنيين)، ويمكننا أن نكمل في هذه الأمثلة الكثيرة التي تظهر وهن هذه النظرية وآخرها ما حدث في أفغانستان من انسحاب مذل للجيش الأميركي بعد ٢٠ عامًا من الحرب في أفغانستان انتهت بتسليم السلطة لطالبان، رغم فداحة الخسائر الأفغانية.
إن أوهام النصر التي تعتري البعض بعد مشاهدة التفوق العسكري لجهة ما، سوف تتلاشى بعد فترة شهر أو شهرين أو حتّى سنوات حين تظهر النتائج الاستراتيجية للمعركة، وأكبر شاهد على ذلك نشوة الانتصار التي شعر بها “الإسرائيلي” وحلفاؤه في لبنان بعد احتلال ثاني عاصمة عربية وهي بيروت وتنصيبهم رئيسًا حليفًا لهم وتوقيع اتفاقية 17 أيار مع لبنان.
نشوة النصر هذه تحولت إلى صدمة مفجعة خلال أقل من ٣ سنوات على الاجتياح “الإسرائيلي” بعد سلسلة من الهزائم أدت إلى انسحاب “إسرائيل” وخسارة حلفائها لكل مكتسباتهم التي حصلوا عليها جراء هذا الاحتلال.
وأيضًا ما حصل في أفغانستان مع الجيش الأميركي وغيرها من الحروب الأخرى يؤكد أن النصر الاستراتيجي الطويل المدة والذي يشمل تحقيق الأهداف الموضوعة من قبل الطرفين المتحاربين هو المعيار الأدق لتحديد المنتصر، أما الانتصارات التكتيكية الواضحة في بداية الحرب فلا يمكن الاستناد إليها إن لم تمتد لتصل للنصر الاستراتيجي الذي تم فيه تحقيق أهداف الطرف المنتصر، لذلك حرصت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على أن يكون الانتصار هذه المرة كاملًا لتفادي خطأ وهم الانتصار في الحرب العالمية الأولى الذي جعل ألمانيا بعد أقل من 15 عامًا أقوى دولة في أوروبا.
ما يجري اليوم في غزّة، وبعد الأهداف التي أعلنها نتنياهو من إنهاء حركة حماس يشبه إلى حد كبير ما أعلنه بوش عام ٢٠٠٢ حين أعلن هزيمة ونهاية طالبان وسط تصفيق الحاضرين قائلًا: “إن مرحلة طالبان انتهت وسوف نعمل على خلق مجتمع أفغاني جديد يتمتع بالحرية والكرامة”، ولكن في نهاية هذه الحرب تسلمت طالبان مقاليد الحكم في أفغانستان.
هذه الأهداف والخطط التي وضعت من قبل بوش وفريقه تبين بعد عدة سنوات أن شيئًا لم يتحقق منها، وعلى نفس المنوال، الأهداف والخطط التي وضعها نتنياهو لإنهاء حركة حماس وإعادة الأسرى الصهاينة بالقوّة، لم يتحقق منها شيء حتّى اليوم وسيكتشف الصهاينة أن ما وعدهم به نتنياهو ما هو إلا سراب سيكتشف حقيقته الصهاينة قريبًا بعد توقف الحرب.
صمود الشعب الفلسطيني – رغم كلّ الخسائر البشرية والمادية – أفشل كلّ أهداف العدوان الصهيوني، وحوّل الانتصار الوهمي لآلة التدمير “الإسرائيلية” إلى نصر فلسطيني بدأت تتضح معالمه خلال الحرب وستتضح أكثر بعد توقفها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.