ميساء الشلح – خاص الناشر |
أدّت الحرب الأخيرة في سوريا إلى نشوء أزمة نزوح وهجرة قسرية، ذات أبعاد كارثية على الدول المضيفة، فقد بات السوريون يشكّلون أكبر مجموعة من اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وفي لبنان بالتحديد، أخذت مسألة النازحين طابع أزمة كبيرة تتفاقم مع الوقت وفقًا لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، بحيث يعتبر لبنان حاليًا الدولة التي تضمّ أكبر عدد من اللاجئين نسبة لدول العالم كافة.
وكما أن السوريين يشكلون عبئًا ديموغرافيًا على المواطن اللبناني الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة، ومن حالة نقدية هشّة وكذلك يفتقر إلى أساسات وركائز البنى التحتية المتطورة، يعتبر اللاجئون أن الحياة في لبنان صعبة جدًا، بحيث معظمهم لا يحصل على الغذاء الأساسي – خاصة في بداية الأزمة – والمأوى والصحة والتعليم ويعيش في فقر مدقع.
إن أزمة اللاجئين السوريين كانت نتيجة سياسات حكومية فاشلة اتّخذتها الدولة اللبنانية أو نتيجة سياسات لم تتخذها البتة. فمنذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، بدأ توافد اللاجئين بأعداد هائلة فاتخذت الحكومة اللبنانية العديد من الإجراءات لتنظيم دخولهم وإقامتهم وعملهم. ومن بين هذه التدابير، كانت أن أوقفت الحكومة معاملات التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وفرضت شروط إقامة صارمة وقيود عمل. ويُذكر أن السوريين، قبل الحرب السورية، كانوا يشكلون نسبة كبيرة من اليد العاملة في لبنان في مجالات عديدة.
ومن ناحية أخرى، راحت أزمة اللاجئين تنعكس بشكل كبير على المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اللبناني. فقد تزايد معدّل التحاق السوريين بالمدارس الابتدائية، الأمر الذي شكّل ضغطًا على القطاع التعليمي، فتضاعفت البطالة الوطنية، بالإضافة إلى بروز أزمة سكن عبر صعوبة توافر المساكن مما أدى إلى ارتفاع في معدّل الإيجارات وكذلك الاكتظاظ السكاني. ولاحقًا، بدأت الأمم المتحدة عبر مفوضية اللاجئين، بمساعدة العائلات السورية عبر تقديم مبالغ مالية لكلّ عائلة وبالدولار الأميركي، فراح السوريون يتسلمون الأموال مباشرة من المصارف في وقت كان اللبناني يقف في الصف ليحصل، أو لا يحصل، على أمواله المحجوز عليها.
كل ذلك، أدّى إلى موجة استياء لدى اللبنانيين الذين بدأوا يشعرون بالتهديد الديموغرافي وخرق السيادة الوطنية، هذا عدا تأثير الميول السياسية لدى جزء من الشعب اللبناني الرافض – عبر الذاكرة والتاريخ – للوجود السوري.
فباتت المسألة غير المعالَجة من قبل الدولة، عرضة للتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ما تسبب إلى حدّ ما، بمناكفات تمييزية وسياسية وإطلاق نعرات طائفية بين اللبنانيين والسوريين، الأمر الذي لبنان هو بغنى عنه مع كلّ مشاكله وأزماته.
ومن ناحية أخرى، تستغلّ السلطة اللبنانية والزعماء الوصوليون مسألة النازحين لتحريك العاطفة الوطنية والوجودية في كلّ مرة تكون هذه السلطة وهؤلاء الزعماء بحاجة لمثل هذه المسرحية لثبيت وجودهم. فقد دعت السلطات اللبنانية مؤخرًا اللاجئين إلى العودة إلى سوريا وأصدرت تعليمات لقوات الأمن بشن حملة ترحيل منظمة إلى سوريا منذ ذلك بداية عام 2023. مع العلم، أن مسألة الترحيل اليوم لا تحتاج إلى دعوة شفهيّة بل إلى تنظيم جديّ مع السلطات السورية.
إن مسألة اللاجئين السوريين، تعتبر حاليًا من أكبر المعضلات الإنسانية والاجتماعية. ففي وقت مزّقت فيه الحرب الضارية في سوريا المنازل وشتّتت الأفراد في كل أنحاء العالم، وسلخت المواطنين عن أرضهم ومسقط رأسهم، يواجه هؤلاء الأفراد في بلدان مضيفة، ظروفًا سيئة وتجاذبات سياسية عقيمة.
ومن ناحية أخرى، ومع كل ما يعانيه لبنان من أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، بات من البلدان الأقل قدرة على تحمّل أعباء إضافيّة كمسألة استقبال نازحين سوريين أو غيرهم.
ولأنه اليوم، ساد الاستقرار الأمني في سوريا، وأصبح العديد من اللاجئين السوريين في لبنان يدخلون الأراضي السورية ثم يعودون، بات من الضروري العودة الآمنة إلى الوطن. ويبقى الحلّ العملي الوحيد المطلوب، هو التنسيق ما بين الحكومتين اللبنانية والسورية من أجل العودة، وذلك عبر الضغط الإعلامي المحلي والدولي، رفقًا بلاجئين غادروا بلادهم قسرًا ويتوقون للعودة إلى ديارهم، وكذلك رفقًا بشعبٍ يعاني الأمرَّين من إهمال دولته ولا يستطيع أن يحمل على عاتقه مسؤوليات شعوب أخرى.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.