كان خروج رياض سلامة من بوابة المصرف المركزي على إيقاع موسيقي فيه نوع من المجون حتى الجنون، ولربما انفصام عن الواقع. وهكذا انتهت حاكمية الرجل الذي شغل منصب حاكم المصرف المركزي وتحكّم بالليرة اللبنانية تحت عنوان “هندسات مالية” حصد منها جوائز وشهادات تقدير وتكريم كأسطورة مالية شغلت حياة اللبنانيين لكنها ملأت جيوب السياسيين ومعهم صناديق المصارف من حساب المواطن ووديعته المصرفية وعلى حساب الاقتصاد الوطني الذي دخل في أزمة “مفتعلة” قدّرتها منظمات رسمية بأنها الأسوأ منذ عقود، دون أن تخوض في أسبابها عن عمد بهدف طمس الحقائق والأهداف.
وخلال ثلاثة عقود وما يزيد، شكّل رياض سلامة ضمانة لليرة مستمدًا قوته من السلطة السياسية، ومنذ قيامة الجمهورية الثانية وليدة الطائف، والتي عيّنت سلامة حاكمًا للمركزي براتب خيالي ممسكًا ورقة النقد بيده متفرّدًا بقرار المركزي مختزلًا مجلسه بشخصه كجزء من مشروع سياسي متكامل، كان يراهن على السلام مع العدو الإسرائيلي وتوطين الفلسطينيين بما يشكّل رافعة للاقتصاد اللبناني وتحويل البلاد إلى منتجع بعد تغيير اقتصاده من منتج إلى ريعي، حتى دون تجهيز الأرضية الاستثمارية لها والبنى التحية وتطوير التشريعات بما يتناسب مع وجه لبنان في حينه.
مشروع السلام العادل والشامل تعثّر داخليًا وخارجيًا وتبدّلت معه خارطة العالم الاقتصادية
رغم انهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد وتعثّر مشروع الجمهورية الثانية، إلا أن رياض سلامة توسّع دوره وكبر مع تضخم حجم المديونية العامة التي لم يوفر فيها أسلوبًا لإغراق النقد الوطني دون الالتفات إلى قانون النقد والتسليف، مشكّلًا بذلك رأس حربة المشروع الأميركي – الغربي الذي لم يبخل عليه بكل وسائل الدعم والتغطية والحماية، وأغدق عليه الجوائز ودرجات تقييم صنفته رجل المال الأول وأهم حاكم مركزي فى العالم، وذلك لإبداعه في ضرب المالية وتقويض الحياة الاقتصادية بهدف الوصول إلى انهيار اجتماعي يرهن لبنان، بلد الثروات النفطية الواعدة والموقع الاستراتيجي، في مشروع الطاقة للعالم الجديد بواسطة صندوق النقد والبنك الدولى.
وهذا ما فعله رياض سلامة بشكل حسن، وهو الذي سار بركب المهمة بتواطؤ سياسي من كامل السلطات التي غرقت بنعيم عطايا سلامة، وأغرقها بمفاسده من بوابة المصارف اللبنانية ومنافعها ومصالحها مع السلطة ومكوناتها وارتباط معظمها بالمشروع الغربي، الذي لا زال حتى يومنا يمارس حربًا سلاحها حصار اقتصادي على لبنان وشعبه بتواطؤ داخلى لعب فيه سلامة دورًا كبيرًا كأداة تركت له الحكومة حرية القرار، ولم يحرك المجلس النيابي ساكنًا إصلاحيًا لوضع حدّ للانهيار الذي كلّف الليرة اللبنانية خسارة تزيد عن 98 بالماية من قيمتها، واستنزف احتياطات المركزى بما يزيد عن 20 مليار دولار.
الفاتورة كبيرة تستحق تقريرًا مفصّلًا بالأرقام، فوسط ركود اقتصادي وأزمة اجتماعية وانهيار كامل يخرج رياض سلامة من المركزي تلاحقه الدعاوى القضائية وانتقادات شعبية مقابل حماية سياسية ومصالح تربط بين الداخل والخارج الغربي الذي أفلس سياسيًا، وخسر ورقة رياض سلامة المحروقة ليستمر مشروعه ولو بوجه جديد. فهل سيطرأ على المشهد أي تغيير؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.