فرض عالم التواصل الاجتماعي نفسه على عالمنا، على تفاصيل أيامنا وميادين حياتنا التي باتت مرتبطة به لأبعد حدود، تمامًا كجرعة هائلة من التخدير، ألقيت على كوكبنا، فتمكنت منا التكنولوجيا، وسيّرت حياتنا مقدّمة نفسها كحاجة حياتية أساسية لا مفر منها ومن اللجوء إليها، وبالفعل نجحت.
وكما أن هذا العالم الاجتماعي الافتراضي، دخل مجالات البشر من أوسع أبوابها وانصهر فيها، فإنه أيضًا لم يستهدف فئة عمرية دون غيرها، بل طال كافة الأعمار، منذ اللحظات الأولى التي يبدأ فيها المخلوق البشري بإدراك الأمور ووعيها وصولًا إلى آخر أيام حياته. ورغم أن التأثيرات قد تكون متشابهة بين فئة وأخرى، إلا أنها أكثر وأعمق تأثيرًا على فئة الأطفال على وجه الخصوص.
رغم فوائدها.. السوشيال ميديا خطيرة جدًا
يتأرجح عالم التواصل الاجتماعي بين الإيجابية والسلبية، تظهر أهميته الكبيرة في كل ميدان يدخله، ليتبعها فيما بعد كم هائل من المخاطر والمشاكل الخطيرة أيضًا.
ليس بإمكان أحد أن ينفي الإيجابية والفوائد المقرونة بالسوشيال ميديا، لا سيما في عالم الأطفال، إذا إنها على سبيل المثال لا الحصر، تساعد الطفل في الوصول إلى مستوى مفيد ومسلٍّ، وتسمح له في مرحلة معينة من عمره بالتعبير عن نفسه بحرية وبساطة، كما أنها تشكل وسيلة لاكتساب مهارات جديدة وتنمية قدرات الطفل عبر الألعاب المتوفرة لهذا الغرض، بالإضافة إلى أنها تسمح للأطفال المرضى ومن ذوي الاحتياجات الخاصة بالتواصل بسهولة مع العالم الخارجي.
وعلى مقلب آخر، ثمة مخاطر ناجمة عن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي يكون لها بالتالي تأثير أكبر مقارنة مع باقي الفئات العمرية، بحكم أن الطفل يكون في طور التكوين.
وفي مقدمة هذه المخاطر، تأتي المشكلات النفسية، إذ اظهرت دراسات نفذت خلال السنوات الخمس الأخيرة ان واحدًا من كل عشرين طفلًا يتعرض لمشكلات نفسية كالقلق والتوتر والاكتئاب نتيجة استخدام السوشيال ميديا بشكل مستمر خلال اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت الدراسات أيضًا، أن تعرض العين للضوء الازرق الموجود في شاشات الاجهزة الذكية يؤثر على جودة ساعات النوم التي من المفترض ان يحصل عليها الطفل، وعند حدوث خلل في ساعات النوم أو المواعيد الثابتة لديه، يؤثر ذلك على نمو مهاراته الحركية ومهاراته الإبداعية، والتي تتطور خلال ساعات نومه كل يوم. فضلًا عن ذلك، يتعرض الكثير من الأطفال الصغار للتنمر على وسائل التواصل الاجتماعي، والطفل يكون غير مهيأ بعد لاستقبال هذا الكم من تعليقات وانتقادات الغير، مما يعرضه لمشكلات كبرى في الثقة في النفس وفي التعامل مع كينونته كشخص، كما أنها تساهم في الحد من نمو المهارات الاجتماعية عند الطفل وتواصله مع الآخرين.
كيف تتم حماية الأطفال من المخاطر؟
في محاولة للوقاية من مخاطر الاستخدام المبالغ فيه لوسائل التواصل الاجتماعي، ثمة مجموعة من الخطوات التي تساهم بتحقيق التوازن المطلوب في استخدام هذه الوسائل لدى الأطفال، وذلك يعتمد وقبل كل شيء على متابعة الأهل ووعيهم لحقيقة هذه المخاطر ومدى تأثيرها على صحة الطفل النفسية والعقلية.
تركز هذه الخطوات بشكل أساسي، على ضرورة شرح الأمور التي يصعب على الطفل فهمها، كمفهوم التنمر والمتنمرين بشكل عام، لتفادي الوقوع بشعور مؤلم عند التعرض لأي موقف أو انتقاد، بالإضافة إلى تحديد عدد ساعات معين لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتوقيت محدد، بحيث لا يكون قبل موعد النوم مباشرةً، والمراقبة الدائمة لتصرفات الطفل من قبل الأهل، ومتابعة تقلباته النفسية والمزاجية والتدخل فورًا في حال حصول أي تصرف غير طبيعي لا سيما بموضوع التواصل مع أفراد أسرته والمحيط الخارجي، بالإضافة إلى تشجيع الطفل على التعبير عن كل ما يصادفه من أحداث ومواقف وأن يبوح بها دون تردد، وأخيرًا وليس آخرًا، مشاركة الطفل اهتماماته عبر الإنترنت ومحاولة توجيهه إلى الأمور المفيدة دائمًا.
أضف إلى ذلك، دور الأهل في تشجيع الطفل على القيام بنشاطات جسدية ونفسية (كالرياضة، الرسم، الموسيقى..) وإبعاده قدر الإمكان عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عندما لا تدعو الحاجة لذلك، وتشجيعه على ممارسة المهارات التي تغني قدراته الجسدية والنفسية وتطور مواهبه.
لا بد إذًا، من أن يدخل ” عالم التواصل الاجتماعي” ضمن أسس التربية الحديثة، وأن يكون له أسس خاصة به وبكيفية التعامل مع هذا العالم الواسع جدًا، لما له من تأثير على حياة الطفل وأفكاره ومشاعره وتصرفاته وبالتالي على مستقبله ككل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.