أعادت عملية حاجز شعفاط العسكري، التي نفّذها مقاوم فلسطيني قبل أيام قرب البلدة الواقعة إلى الشمال من مدينة القدس المحتلة، تسليط الضوء على واقع المخيم الذي يقطنه عشرات الآلاف، غالبيتهم من سكان المدينة واللاجئين.
وفي أعقاب هذه العملية التي أدّت إلى مقتل جندية وإصابة 3 آخرين، فرض الاحتلال الإسرائيلي عقابًا جماعيًّا على سكان المنطقة، تمثّلَ في إغلاق الحواجز المؤدية إليها كليًّا ومنع خروج المرضى تمامًا منها، وعطّل المدارس والمؤسسات الصحية بشكل كامل وكلّي.
يطلَق على مخيم شعفاط أحيانًا مخيم عناتا، وهو أحد المخيمات التي أُنشئت بسبب حركة النزوح للاجئين الفلسطينيين على مساحة تقارب الـ 200 دونم حاليًّا، في أراضٍ ما بين قريتَي عناتا وشعفاط ضمن حدود القدس في الضفة الغربية.
منذ النكسة إلى الآن
بدأت حركة النزوح إليه منذ عام 1965 إلى ما بعد حرب يونيو/ حزيران، وهو بحسب وكالة الغوث الدولية المخيم الوحيد الذي يحمل قاطنيه الهوية الإسرائيلية (دون الجنسية) أو ما يُسمّى بالهوية المقدسية، على خلاف هوية فلسطينيي 1948.
وإلى جانب المساحة الجغرافية المحدودة للمخيم، فإن الحاجز العسكري يعتبَر وسيلة تنكيل إسرائيلية اتُّخذت بحقّ السكان خلال تنقلهم من وإلى المخيم، وهو ما ضاعف من الأزمات المعيشية اليومية التي يواجهها سكانه.
بدأ الاحتلال بنصب الحاجز بشكل مؤقت خلال الانتفاضة الثانية من خلال وجود دوريات عسكرية وتفتيش للمركبات، ومع بدء بناء الجدار حول المنطقة عام 2002 تحوّل الحاجز إلى شبه دائم ولكن دون بناء إسمنتي.
وفي العام 2009 أعلنت سلطات الاحتلال رسميًّا عن تحويل الحاجز المؤقت إلى “معبر دولي” -أي بناء يفصل الأراضي التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس عن مناطق الضفة-، واستمرَّ العمل على توسيع الحاجز وبناء غرف تفتيش ومسارات المركبات وأبراج مراقبة وبوابات إلكترونية أكثر من 4 سنوات.
ومع إغلاق الحاجز، يتحول السكان في تلك المنطقة إلى سجناء في منطقة معزولة بالجدار عن الضفة الغربية، وعن القدس بالحاجز، حيث يتكون الحاجز من 3 مسارات رئيسية، الأول للمشاة عبر بوابات فحص إلكتروني، والمسار الثاني مخصَّص للحافلات التي تخضع لتفتيش دقيق أيضًا، والثالث للمركبات الخاصة.
يتحكم الجنود في هذه المسارات، في بعض الأيام يفتحها الاحتلال بالكامل، وفي أيام أخرى يفتح مسارًا واحدًا للفئات الثلاث، ما يخلق أزمة خانقة على الحاجز ويعرقل وصول أكثر من 10 آلاف مقدسي لمناطق أعمالهم في القدس وأراضي الـ 48.
يمرُّ السكان من المسار المخصَّص للمركبات الخاصة، وفي هذا المسار جهاز للكشف على لوحة تسجيل المركبات، وإذا كان هناك أي مخالفات على المركبة يتمّ اعتقال الشخص والتحقيق معه في مركز الشرطة المقام على الحاجز.
وعند وصول المركبة لمكان وجود الجندي على الحاجز، يتمّ التدقيق في الهويات الشخصية، وإذا كان يستقلّ المركبة شبّان يتمّ إخراجهم من المركبة وتفتيشها بالكامل، فيما يتحكم الاحتلال بالمنطقة التي يسكنها نحو 130 ألف فلسطيني.
مشاكل رئيسية.. كثافة سكانية
يعاني مخيم شعفاط كثيرًا من المشاكل أكبرها الكثافة السكانية العالية، إذ إن الارقام لدى “الأونروا” ليست كما على أرض الواقع، فالإحصاءات لأهالي المخيم الأصليين بلغت 9 آلاف نسمة، هذا غير القاطنيين على شارع عناتا وهو ضمن أراضي المخيم الذي ازداد عدد سكّانه فترة 2002-2009 دون إحصاءات رسمية، ويقدَّر عددهم بـ 6 آلاف نسمة (إحصائية تقديرية) ليصبح المجموع العام بحدود 15 ألفًا في مساحة لا تتجاوز الـ 203 دونمات.
ومن المشاكل الذي يعانيها المخيم الجدار العنصري (الجدار الفاصل) الذي أدّى إلى تعطيل أو عرقلة أعمال الكثير من العمّال الذين يعملون في المستوطنات القريبة منه، وإغلاق الطريق الخارجي أمام سكان مخيم شعفاط عن طريق رأس خميس الذي يعاني من تهديد هدم عدد من المنازل هناك، ومن الهموم اليومية حاجز المخيم الذي يعرقل مصالح أهالي المخيم بشتّى أنواعها.
وبسبب إهمال السلطة الفلسطينية وعدم الاهتمام من بلدية القدس وعدم اكتراث “الأونروا” لهذا المخيم، يعاني من نقص في الخدمات والبنية التحتية، إذ إن الأونروا تعتقد أن الأوضاع المادية لأهالي المخيم جيّدة ولا يحتاج إلى خدماتها، وبلدية القدس تكاد لا تعترف جغرافيًّا بسكان المخيم لذلك يعاني دومًا من قلة الخدمات العامة.
يعيش مخيم شعفاط كما غيره من المخيمات، إلا أنه موقع فصل وربط بين القرى الشرقية الشمالية والشرقية لمدينة القدس، ومن هنا تكمن المصيبة بحاجز مخيم شعفاط الذي يُذيق أهالي مخيم شعفاط الأمرَّين، ويؤثّر بذلك على حياتهم اليومية بما فيها طلاب المدارس والجامعات والعمّال صباح مساء.
وكما هو الوضع الراهن في المخيمات على احتوائها مبانٍ متلاصقة وأحياء متراصّة، لا يتجاوز عرض الشارع في أغلب الأحيان 3 أمتار، فإنه من الصعب أن تجد لنفسك مكانًا لتركن سيارتك فيه، وغير ذلك نجد أن نسبة الزواج المبكر في المخيم مرتفعة، ليكون متوسط أعمار الذكور عند الزواج 18-22 عامًا وعند الإناث 15-18 عامًا، وما ينتج عن ذلك المزيد من حجب الضوء وضيق المُتنفَّس، عن طريق بناء دُور جديدة في المبنى الذي يقطن فيه الشاب مع والدَيه.
والناحية التعليمية في المخيم بدورها ليست على ما يرام، مع وجود مدرستَين في مخيم شعفاط، إحداهما للبنين والأخرى للبنات، تحتويان على المستويَين الأساسي والإعدادي، وهما تابعتان لوكالة الغوث، أما أصول السكان فتعود إلى القدس، بيت ثول، اللد، بئر معين، المالحة، الولجة، برقوسيا، يافا وغيرها.
في هذا السياق، يتحدث رئيس اللجنة الشعبية لمخيم شعفاط، محمود الشيخ، لـ”نون بوست” عن أن حوالي 80% من سكان المخيم مقدسيون، حيث يبعد عن بوابة مدينة القدس حوالي 3.5 كيلومترات، ويسكن فيه قرابة 125 ألف نسمة.
ويقول الشيخ في حديثه إن المخيم خلال “الانتفاضة الأولى عام 1987 جرى توسعته من أراضي شعفاط وعناتا، حيث جرى تأسيس أحياء رأس خميس ورأس شحادة والسلام، وأصبح عدد السكان يعادل ثلث سكان القدس”.
ويعتقل الاحتلال في سجونه حوالي 120 أسيرًا من مخيم شعفاط ممّن لم تتجاوز أعمارهم السن القانونية، يقضون أحكامًا متعددة، كما يوجد حوالي 140 أسيرًا آخرين من الشبّان والرجال، فيما يبلغ عدد الشهداء منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 حتى الآن أكثر من 70 شهيدًا.
خلال هذه السنوات عمدَ الاحتلال اتّباع أساليب العقاب الجماعي بحقّ السكان، سواء عبر الحصار الجماعي أوقات تنفيذ العمليات أو منع تقديم أية خدمات لسكانه من مختلف المؤسسات، مثل السلطة و”الأونروا”.
وإلى جانب هذا الأمر، تغاضى الاحتلال عن السلاح الفردي في المخيم لتعزيز الإشكالات الداخلية، على غرار ما يجري في المجتمع الفلسطيني عام 1948، في محاولة لضرب النسيج الداخلي للمجتمع الفلسطيني في مخيم شعفاط.
سامي عبد الرحمن – نون بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.