لا يعود الفضل في صمود الهيمنة الاستعمارية الاستيطانية من النهر إلى البحر إلى القوة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية أو الدعم الأمريكي غير المشروط فقط، بل إن الأنانية الإسرائيلية الجماعية وعلاقتها بغنائم الهيمنة الاستعمارية هي ما يجعل الكيان الصهيوني قائمًا.
ما الذي يمكن أن يفسر دوافع الإسرائيليين العاديين للمشاركة في عدد لا يحصى من الممارسات القمعية المدنية والعسكرية التي تستمر في إخضاع الفلسطينيين؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد من النظر إلى الأبعاد الحيوية للأنانية الجماعية الإسرائيلية، حيث تُبنى القدرات والميول للقمع المكتسبة اجتماعيا.
بدءا من الحياة الأسرية وصولا إلى التعليم والأنشطة الترفيهية والسياسة والدين والإعلام، إن التجارب الاجتماعية للإسرائيليين موجهة نحو تشكيل العقول والأجسام وفقا لسلسلة من الديناميكيات المعروفة. وهذا يشمل الهوس العسكري بالأمن، وعلاقة التضحية بالأطفال، والميل إلى الفصل الذاتي، والانبهار بجنون العظمة الذاتي، والعلاقة الحصرية مع الأرض.
نشأت هذه الديناميكيات في مرحلة ما قبل الدولة مع استعمار المستوطنين لفلسطين، لكن صداها أصبح منذ ذلك الحين يتردد عبر ممارسات لا حصر لها في مختلف المجالات الاجتماعية، مما خلق واقعا اجتماعيا خانقًا.
لقد شهدنا في السنوات الأخيرة بعض التجاوزات المتعلقة بهذا الواقع. أنا لا أشير إلى الوحشية المتنامية للاحتلال الإسرائيلي، وإنما إلى التجسيدات البشعة للأنانية الإسرائيلية. وأعني بذلك التجسيدات المتطرفة لمواصلة إخضاع الفلسطينيين.
القدرات القمعية
هناك فرق نوعي بين القمع المباشر وإخضاع الفلسطينيين من النهر إلى البحر، والقدرات والميول القمعية المكتسبة اجتماعيا التي نراها: ليس في التوليد المباشر للقمع الفلسطيني، وإنما في المبادرات المشابهة.
ربما تكون السياحة العسكرية واحدة من أكثر الممارسات غرابة. يعمل عدد من الشركات الخاصة في هذا المجال، لدرجة أن أسلوب تدريب الجيش الإسرائيلي للسياح أصبح بمثابة صناعة كاملة. دعونا نبيّن ذلك بوضوح: ينخرط السائحون في أنشطة لممارسة مناورات حربية وتدريبات محاكاة “مكافحة الإرهاب”. وما تبيعه هذه الشركات هو منتزهات ترفيهية قمعية، بالاعتماد على تجارب الإسرائيليين الحقيقية.
ثانيا، يعمل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ سنوات على تمويل وحدات سرية في الجامعات، وتجنيد الطلاب للانخراط في أنشطة “هسبارا” على منصات التواصل الاجتماعي. وفي أوقات اندلاع أعمال العنف الشديدة، يُطلب من الطلاب أن يعبّروا عبر الإنترنت عن نوع الرسائل والخرافات والمعتقدات التي تعلموها منذ الطفولة. وهذا النشاط الخاص له قيمة مضافة من حيث تعزيز آلة الهيمنة الصهيونية.
أما المثال الثالث فهو صناعة المراقبة والاستخبارات، وهذا يشمل أكثر الأمثلة الفاضحة في الآونة الأخيرة وهو برنامج التجسس “بيغاسوس”. إن بيع هذا النوع من برامج التجسس الضارة للشركات والحكومات التي تستخدمها في التجسس على النشطاء والصحفيين وقتلهم لا ينبغي أن يفاجئنا على الإطلاق. ولا بد من توجيه ذلك ضد الصناعة الخاصة الإسرائيلية واسعة النطاق للحرب السيبرانية، التي يقودها ضباط استخبارات إسرائيليون سابقون. ولا تندرج حقوق الإنسان ضمن أولويات هذا النوع من المنظمات بأي شكل من الأشكال.
الأنانية الاجتماعية
رابعا، ولعله المثال الأكثر وضوحا، تجارة الأسلحة. في سنة 2019، كانت “إسرائيل” ثامن أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. وعلى امتداد عقود، كانت صناعة الأسلحة الإسرائيلية – العمل الذي يحظى بتقدير كبير بين صفوف الإسرائيليين – تصدر الأسلحة إلى أكثر الحكومات قمعا في العالم.
كل هذه الصناعات ترتكز على ديمومة النظام الاستيطاني الاستعماري، كما أن المهارات المطلوبة لترسيخها مرتبطة بحياة الإسرائيليين اليومية، ناهيك عن استفادتها من التدريب الاجتماعي في صميم برنامج العمل.
يمثل هذا الفائض من الهوية الاجتماعية والأنانية الجماعية نافذة على الروح الصهيونية – وهي وجهة نظر حزينة بالفعل لا يمكن أن تنكر المساهمات الإيجابية لعالم الطب الإسرائيلي أو الزراعة أو الطاقة.
بدلا من ذلك، يجب أن يفهم هذا الفائض من الأنانية الجماعية في علاقته بمحاولات “إسرائيل” فرض الرقابة على أي انتقاد يطال مبادئها وسياساتها باعتبارها “معادية للسامية”، وفي علاقته بتحديد أولويات الديمغرافيا على حساب الديمقراطية؛ وفي علاقته بما يجمع الإسرائيليين في جميع مناحي الحياة: أي الالتزام بالممارسات الاستعمارية.
مارسيلو سفيرسكي – ميدل إيست آي
ترجمة نون بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.