العلاقات بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”: التحديات والحلول

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

حكومة جديدة في “إسرائيل”، وسياسة غير واضحة تجاه روسيا، وانتقادات متزايدة ضد الدعم التلقائي “للسياسة الإسرائيلية” واتجاهات بعيدة المدى في الولايات المتحدة التي تغير وجه المجتمع الأمريكي: العلاقة القوية بين تل أبيب وواشنطن تواجه تحديات غير مسبوقة. فكيف تتصرف “إسرائيل” حتى تصمد العلاقة الخاصة بين الجانبين حتى في الأوقات غير المستقرة؟

إن موقف “إسرائيل” القيمي بين الغرب وروسيا على خلفية المعركة في أوكرانيا وكذلك التكوين والسياسات المحتملة للحكومة الإسرائيلية القادمة، لا سيما فيما يتعلق بقضية “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، يزيد من وضوح قضايا العلاقة الخاصة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة. تم الحفاظ على هذا النظام من العلاقات على مر السنين في ضوء الفهم السائد في الولايات المتحدة بأن الطرفين يشتركان في قيم مشتركة.

ولا يزال التأييد “لإسرائيل” عالياً، لكن الانتقادات ضدها تتزايد، خاصة بين الديمقراطيين، وهي تزداد قوة حسب استطلاعات الرأي العام بين الشباب. حتى لو تبنت “إسرائيل” سياسة تتماشى تمامًا مع رأي منتقديها، فإن دراسة التطورات في الولايات المتحدة تكشف عن توجهات بعيدة المدى بعضها لا علاقة له ب”إسرائيل”، ولكنها قد تسبب تآكلًا حقيقيًا في الدعم لإسرائيل”.

وتركز هذه الاتجاهات على التغيرات في التركيبة السكانية في الولايات المتحدة، والاستقطاب السياسي هناك، وعلى وجه الخصوص تعزز النزعات الشعبوية والميول المناهضة “لإسرائيل” في صفوف الحركة التقدمية، التي تتحدى المؤسسة الديمقراطية على اليسار. يجب على “إسرائيل” أن تجري تفكيرًا عميقًا فيما يتعلق بالعواقب المتوقعة لهذه الاتجاهات على الالتزام المستقبلي للرؤساء والمشرعين الأمريكيين بأمنها ، وأن تكيف سياساتها مع الواقع الناشئ ، بما في ذلك توسيع العلاقات بحيث تتناول أو تتعامل أيضًا مع الحياة نفسها”: الصحة والمناخ والاقتصاد والتكنولوجيا، حيث إن التوقيع “إعلان القدس” يفترض أن يكون خطوة أولى وهامة في هذا الاتجاه.

**
في الآونة الأخيرة، برزت مسألة العلاقة الخاصة التي تربط “إسرائيل” بالولايات المتحدة منذ تأسيسها بقوة أكبر في “الخطاب الإسرائيلي”. وهذا بشكل أساسي على خلفية الحرب في أوكرانيا ومسألة المعسكر الذي يجب أن تكون “إسرائيل” فيه، من حيث القيم، حيث تقود الإدارة الأمريكية التحالف الدولي لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا، و”إسرائيل” لأسباب أمنية تتعلق بعلاقاتها مع موسكو، تحافظ على الحياد النسبي. ويتضمن الخطاب إشارة إلى التوازن بين الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل” بشكل عام على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية وبين الاستجابة “الإسرائيلية”.

فالأساس المتين الذي بُنيت عليه شبكة العلاقات بين الجانبين سمح لهما بالحفاظ عليها حتى عندما نشبت خلافات في الرأي بين الحكومتين. هذا أولاً وقبل كل شيء، في ضوء الفهم السائد في الولايات المتحدة بأن كلا الجانبين يشتركان في قيم مشتركة (الحرية والديمقراطية وحماية الحقوق المدنية) بالإضافة إلى الروح المشتركة (الأمة المهاجرة، “وأرض الإمكانيات أو الفرص غير المحدودة ). استند التعاطف مع “إسرائيل” في النظام السياسي الأمريكي إلى الفهم لدى الرأي العام الأمريكي بأن العلاقات مهمة وتنبع من الالتزام بأمن الدولة اليهودية. على مر السنين، عززت الولايات المتحدة و “إسرائيل” المصالح المشتركة وأنشأت الأطر التي مكنت من الاتفاق على الاحتياجات والمصالح المشتركة والتعاون في مجموعة واسعة جدًا من القضايا، إسرائيل، من جانبها، كانت حريصة على الحفاظ على دعمها من الحزبين، لكي يرى كلا الجانبين في النظام السياسي الأمريكي العلاقات على أنها قضية فوق كل خلاف.

أظهرت زيارة الرئيس جو بايدن لـ “إسرائيل” في تموز/يوليو 2022 و “إعلان القدس” بشأن الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين الذي تم التوقيع عليه خلالها، أن الإدارة الحالية وبايدن كزعيم لها ما زالا ملتزمين بأمن إسرائيل، وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس الأمريكي، الذي عبر طوال سنوات عمله في السياسة الأمريكية عن تعاطفه مع “إسرائيل”، وعلق أهمية كبيرة على الزيارة حتى لو لم تقدم خلالها تطورات سياسية مهمة.

على الرغم من أن الإدارة تشدد على الحياد فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت في “إسرائيل”، إلا أنه سمعت هناك انتقادات بالفعل ، خاصة في صفوف الحزب الديمقراطي في الكونجرس حول التشكيل المتوقع للحكومة، وفي الإدارة نفسها هناك انتقادات وقلق واضح بشأن السلوك الإسرائيلي، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان وفي الشأن الفلسطيني.

• علاوة على ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو “Pew Research Center” للأبحاث أن معظم المستطلعة آراؤهم يؤيدون “إسرائيل”، لكن هذا الدعم يتناقص بشكل ملحوظ مع انخفاض عمر المستطلعين، بينما بين أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً يصل الدعم في المتوسط 65 % من بين المستطلعة أراؤهم، في الأعمار الأصغر ينخفض الدعم إلى متوسط حوالي 45 %. وتشير أيضا استطلاعات الرأي التي أُجريت في جامعة ميريلاند لصالح معهد بروكينغز للأبحاث أيضًا إلى أن الجمهور الأمريكي ككل يدعم “إسرائيل”، ولكن لدى جزء من الجمهور الأمريكي، خاصة مؤيدي الحزب الديمقراطي، هناك انتقاد ضد الموقف الإيجابي لصناع القرار الأمريكيين في “السياق الإسرائيلي” لا سيما فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين. معظم الديموقراطيين الذين سئلوا عن رأيهم زعموا أن الإدارة تدعم “إسرائيل” أكثر مما ينبغي، ولم يكن لدى عدد كبير من مؤيدي الديمقراطيين أي رأي في هذه القضية على الإطلاق، وادعى معظم المستطلعين (بما في ذلك مؤيدوا جمهوريين) أن ممثليهم المنتخبين في الكونجرس يدعمون “إسرائيل” أكثر من اللازم. يتركز انتقاد إسرائيل بالفعل بين الديموقراطيين وأكثر من ذلك بين من يُسمون بالتقدميين، حيث ينتقد جزء صغير من ممثليهم في الكونجرس سياسة إسرائيل بشدة ويطالبون الإدارة بتغيير موقفها تجاهها.

ومع ذلك، حتى لو تبنت “إسرائيل” سياسة تتماشى تماماً مع رأي منتقديها في الولايات المتحدة، تظهر التطورات في الولايات المتحدة وعلى الساحة العالمية، أن هناك اتجاهات مقلقة بعيدة المدى، حتى لو معظمها ليس له صلة مباشرة بـ”إسرائيل” وسلوكها، إذا نظرنا إليه ككل قد تؤدي إلى تآكل كبير في الدعم لـإسرائيل.

التغيرات الديموغرافية
في السنوات الأخيرة، حدثت تغييرات مهمة في البنية الديموغرافية للمجتمع الأمريكي: زيادة عدد السكان غير البيض يجعل من الخطاب العنصري عاملاً مهماً في صياغة الخطاب السياسي العام وفي خصائص الأحزاب ، تعاقب الأجيال – جيل قادة الرئيس بايدن ورئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذين نشأوا في ظل الحرب العالمية الثانية ويرون أن الحروب شر لا بد منه، يتم استبدالهم بجيل من القادة الحروب التي تشكله هي حروباً “غير ضرورية” (فيتنام والعراق وأفغانستان)، ويميل إلى موقف متشكك وحتى ساخر تجاه استخدام القوة العسكرية، وتبدو مزاعم “إسرائيل بالدفاع عن النفس وحروب “اللا خيار” جوفاء في نظرهم.

الاستقطاب السياسي
يشهد المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة عملية واضحة من زيادة التشرذم والاستقطاب السياسي فيما يتعلق بكل موقف تقريباً يتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولا يتعلق الأمر فقط بالخلافات الأيديولوجية، ولكن أيضاً، وأحياناً بشكل أساسي لغرض انتقاد الطرف الآخر على أساس الخلافات السياسية.

المعنى الأساسي هو أن مساحات الإجماع التي ميزت المجتمع والنظام السياسي في الولايات المتحدة في الماضي آخذة في التلاشي، ودعم “إسرائيل” هو أحد البؤر الأخيرة لسياسة تحظى بدعم الحزبين، حتى ولو بشكل جزئي وفي اتجاه تراجع.

زيادة قوة الشعبوية
التقدميون اليساريون مقابل الانفصاليين اليمينيين، والوسط السياسي موجود بالفعل، لكنه يزداد ضعفاً، وتتقوى التيارات الشعبوية من اليسار واليمين ضده، متحدية مواقف الحزب السائد، ومن الطبيعي أن تبرز الاتجاهات المعادية لـ”إسرائيل” بشكل رئيسي بين الحركة التقدمية التي تتحدى المؤسسة الديمقراطية اليسارية، ومن بين هذا المعسكر السياسي هناك من يعتقد، بسبب الجمود السياسي في “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” لا تشتركان في قيم مشتركة.

يؤيد بعض دائرته حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS) ويعارضون المساعدة العسكرية الممنوحة لها، ولقد تمسك الرئيس بايدن حتى الآن بموقفه، ولكن هناك دلائل على أنه في الكونجرس والجامعات وأماكن أخرى -الرسالة تتغلغل بالفعل.

اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل”
على الرغم من أن غالبية اليهود الأمريكيين يواصلون دعم “إسرائيل”، إلا أنه حتى بينهم يمكن ملاحظة اتجاهات تراجع، وخاصة تعزز معين لقوة المنظمات اليهودية اليسارية المستعدة للتعبير عن مزيد من الانتقادات لـ “إسرائيل” وجزء صغير منهم يدعم المقاطعة.

تعديلات في ترتيب الأولويات على الساحة العالمية
في السنوات الأخيرة، وبشكل أكبر على خلفية المنافسة المتزايدة مع الصين والحرب في أوكرانيا، فإن التغيير في سيناريو التهديد المرجعي العالمي الأمريكي يؤثر أيضاً على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للشرق الأوسط، ولا تزال الإدارة تضطر إلى الاهتمام بالمنطقة، لكن بشكل محدود مقارنة بالماضي، وتركز على الحد من الضرر بدلاً من تعزيز الفرص، وبشكل يلاحظ الاتجاه نحو تقليص الإنفاقات العسكرية.

وتجدر الإشارة إلى أن الرغبة في الابتعاد عن الشرق الأوسط ظاهرة طويلة الأمد وعابرة للحكومات وتحظى بإجماع نادر في واشنطن. إن دعم الولايات المتحدة لـ “إسرائيل” ليس من المسلمات حتى لو لم يكن للأحداث الداخلية في الولايات المتحدة دائماً تأثير مباشر على “إسرائيل”، ولأنه وبشكل غير مباشر ومع مرور الوقت، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي سيتطور في الولايات المتحدة سيكون له تأثير مباشر على “المصالح الإسرائيلية” على مستويات عدة، ولا تزال الولايات المتحدة الدولة العظمى الأقوى في العالم، ومع ذلك تتغير الأولويات الأمريكية وهذا له تأثير على اللاعبين الدوليين، بما في ذلك في الشرق الأوسط.

لـ”إسرائيل” الحق في تبني المواقف المستقلة، لكن المطلوب هو الفهم بأن الحفاظ على القيم المشتركة سيكون له تأثير على مواقف الجمهور والحكومة، لذلك من الضروري إجراء تفكير متعمق في “إسرائيل” فيما يتعلق بالاتجاهات العميقة التي تمر فيها الولايات المتحدة والعواقب طويلة المدى للاستقطاب السياسي والتغيرات الديمغرافية والاجتماعية فيها، ولا سيما بشأن الالتزام المستقبلي لـلرؤساء والمشرعين الأمريكيين بأمن “إسرائيل”، وصياغة الحوار مع الولايات المتحدة وفقاً لذلك. وذلك بشكل أساسي على ضوء خطر أن ما يحدث على الساحة الأمريكية سيؤدي إلى تراجع في الفهم العميق الذي لا يزال قائماً في أوساط القيادة الحالية في الولايات المتحدة لاحتياجات “الأمن القومي الإسرائيلي”.

يوصى بأن تلائم “إسرائيل” من سلوكها ومواقفها مع ترتيب الأولويات الناشئ في الولايات المتحدة، وعلى خلفية الخلافات المتوقعة حول القضايا السياسية، بما في ذلك قضايا الحرب في أوكرانيا ومسألة الصراع مع الفلسطينيين، والعمل على توسيع علاقاتها مع واشنطن بحيث تتناول أيضاً مع “الحياة نفسها: الصحة، ومكافحة المناخ، وتحديات الاقتصاد ومجال التكنولوجيا، الذي يقع في قلب المنافسة بين القوى، حيث شكل كان التوقيع على “إعلان القدس” خطوة أولى وهامة في هذا الشأن. تمتلك “إسرائيل” مزايا نسبية في هذه المجالات، والتي قد تكون مصدر قوة لواشنطن، وبهذه الطريقة سيتم الحفاظ على العلاقة بين الجانبين وتعزيزها حتى في الوقت الذي يتراجع فيه الشرق الأوسط في ترتيب الأولويات الأمريكية، وتواجه فيه العلاقات تحدي آثار التغييرات التي تحدث في الولايات المتحدة نفسها وفي “النظام السياسي الإسرائيلي”.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على “إسرائيل” أن تنوع جمهورها من المؤيدين في الولايات المتحدة وأن تزيد من جهودها للتواصل مع الجماهير التي تفتقر إلى ارتباط تاريخي واضح بـ “إسرائيل”، ولا تعتمد بشكل خاص على دعم الإنجيليين واليهود الأمريكيين. وبالأخص من المناسب التأكيد على الحاجة إلى تطوير حوار قيم مع التقدميين، بما في ذلك أولئك الذين ينتقدون إسرائيل، بهدف التخفيف من انتقاداتهم وتقليصها، ولكن مع عدم تجاهل الاختلافات بين الطرفين تماماً.

إلداد شافيت وروتم أورغ – معهد أبحاث الأمن القومي
ترجمة الهدهد

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد