ماذا تعني خسارة الضفة الغربية “لإسرائيل”؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يدق قادة الكيان المؤقت ناقوس الخطر من ناحية تطور قوة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. ولطالما كانت الضفة بقعة التوتر الأولى من ناحية الهبات الشعبية والانتفاضات التي قامت منذ ما بعد احتلالها عام 1967.

فما تشكله الضفة أولًا من ناحية امتدادها، ومساحتها، وجغرافيتها من ناحيتي العمران والتضاريس يختلف عن غزة التي تعتبر مساحة منبسطة ومغلقة ومحاصرة ولا يوجد تماس قريب مع المدن والمستعمرات الصهيونية، فكانت الرؤية الإسرائيلية منذ انسحابهم من غزة أنهم يستطيعون عزل غزة عن الجغرافيا والديمغرافيا في الداخل المحتل. أما مع الضفة الغربية فهذ شيء لا يمكن أبدًا، فالخروج من الضفة الغربية بشكل كامل كما حصل في غزة يعني التخلي عن خط الدفاع الأخير لما يعتبرونه الأمن القومي “الإسرائيلي” وهو تهديد حقيقي لبقاء دولة “إسرائيل”.
فمساحة الضفة الغربية التي تشكل حوالي 21% من مساحة فلسطين التاريخية بطبيعة امتدادها وموقعها وحدودها ومواردها المائية إذا خرجت عن السيطرة الإسرائيلية تشكل تهديدًا عميقًا ووجوديًّا وخاصة أن القدس تابعة تاريخيًّا للضفة الغربية وهذا ما يعني أن ما يسميه الصهاينة بالعاصمة التاريخية لـ”إسرائيل” أصبح خارج حدودها.

من هذه الرؤية التي يدركها الصهاينة بشكل واضح فإن محاولاتهم الى ما قبل أوسلو للسيطرة على الضفة كانت صعبة على أرض الواقع مع أن الفلسطينيين كانوا يحاربونهم بالحجر والسكين إلى أن وصلوا إلى بدعة أوسلو حيث استطاعوا ضبط الأمور بأيدي فلسطينية واستمر الهدوء نوعًا ما الى حين اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 حيث أوجع الفلسطينيون الصهاينه بقوة وخاصة بسلاحهم النوعي الذي كان العمليات الاستشهادية.

اليوم مع التغير النوعي في أساليب العمل المقاوم وضعف السلطة الفلسطينية وقصورها عن أداء مهامها الأمنية الموكلة إليها من قبل الاحتلال نتيجة الخوف من المجتمع الفلسطيني القائم في الضفة الغربية، وبعد الأخطاء الفادحة التي قامت بها أجهزة السلطة بقمع المقاومين الفلسطينين وقتلهم كما حدث مع نزار بنات وتسليم العديد منهم الى الجيش الإسرائيلي فإن الجيش الإسرائيلي أصبح مجبرًا على دخول أزقة الضفة مرغمًا لتنفيذ عمليات محدوده تهدف إلى قتل واعتقال المقاومين من مختلف الكتائب الناشطة في العمل المقاوم والتي بدأنا نرى حضورها بشكل علني وعملي على الأرض نتيجة تشكل بيئة حاضنة تحميها وعلى رأسها كتيبة جنين والتي كرت السبحة من بعدها لتتشكل كتائب في كل المدن الفلسطينية الأساسية في الضفة بعيدًا عن الخوف من سطوة أجهزة محمود عباس .

يقع الإسرائيلي الآن بين نارين النار الأولى عدم الدخول الى الضفة الغربية وبالتالي ما يعنيه من إضعاف أكثر لأجهزة محمد عباس والذهاب لانهيار سلطة أوسلو وثم تضخم قوى المقاومة من ناحية التسليح وتكوين ترسانة حربية تذهب في طريق التطور لتشكل تهديدًا ذا مدى أبعد من صليات الرصاص أو تفجير العبوات، ومنها إنتاج صواريخ محلية الصنع تطال المستوطنات التي تقطع أوصال الضفة ومحيط المدن والقرى الفلسطينية وحدوث واقع جديد مشابه لغزة “كغلاف جنين”.

النار الثانية هو دخول الضفة الغربية بعمليات محدودة لأن اجتياحًا كاملًا للضفة الغربية يعني كرة نار متدحرجه قد تدخل غزة وصواريخها إلى ساحة القتال ومن ثم الحرب الشاملة التي يهرب الإسرائيلي منها. وفي طبيعة التوغل الإسرائيلي الى مناطق البيئة الحاضنة للمقاومة في جنين ونابلس وطولكرم وغيرها فإن هذه العمليات غير مجدية على الصعيد الإستراتيجي لدولة الكيان فما يحصل أن المقاومين أصبحوا يعرفون بشكل كبير طبيعة التحركات الإسرائيلية ونوعية تحشدها واستخدام ما تيسر من قوة نارية تجاه القوات المتوغلة وإرباكها وصدها وإفشال مخططاتها ومنعها، إضافة إلى اكتساب المقاومين خبرة قتالية فعليه نتيجة الاحتكاكات المتتالية مع قوات الاحتلال. لذا فإن الاعتماد الإسرائيلي على السياسات السابقة والإستراتيجية المعتمدة تجاه المقاومة الصاعدة في الضفة الغربية أصبحت بحاجة الى تغيير وبحاجة إلى ابتداع بديل مجدٍ يمنع التحول السائد في المجتمع الفلسطيني في الضفة. وإن الحالة العسكرية للجيش الإسرائيلي على كافة الجبهات أصبحت في حالة تراجع وأخطرها حالة الكيان في الضفة الغربية فلا بديل لدى الصهاينة عن التواجد الدائم على كامل أراضي الضفة وهذا ما يتطلب حشدًا بشريًّا كبيرًا للسيطرة، وإنّ هذا التواجد سيعطي المقاومين الفلسطينين فرصة أكبر لإيقاع أعداد كبيرة من الإصابات في القوات الإسرائيلية وسيؤثر على كامل الجبهات الممتدة من غزة الى الجولان ولبنان وجهوزية الجيش الإسرائيلي بشأن الحرب المتعددة الجبهات التي بدأوا بالحديث عنها.

إن قراءة الواقع الإسرائيلي العام يدل على عمق الأزمة التي تحاصره في الضفة والتي لا يدرك كيفية الخروج منها بحيث أصبح الجيش الإسرائيلي يدخل في كل مرة الى الضفة كالفيل الهائج ويخرج منها مصابًا بجروح لا تندمل.

لقد أصبحت إسرائيل وجيشها في حالة من الاستسلام الإستراتيجي، وهذا ما تترجمه حالتها في الضفة الغربية، ففي إقدامها خسارة وفي إحجامها خسارة والانهيار النهائي للكيان المؤقت قد بدأ من كتيبة جنين.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد