أيهما أقوى عسكريًّا؟ المسيّرات التركية والإيرانية..

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مثّل دخول المسيّرات التركية إلى جانب الطرف الأوكراني تحوّلا مهما في مسار الحرب إبان أشهرها الأولى، وفي الأسابيع الماضية كانت المسيرات الإيرانية ترسم واقعا جديدا في مسار الحرب لمصلحة الروس.

بالمنطق العادي، فإن الدولتين المسلمتين الكبيرتين المنتجتين للطائرات المسيرة (تركيا وإيران) غير معنيتين بالحرب التي يشبّ لظاها في عمق “الحضارة المسيحية” ويذيب أوارها الجليد الذي عبرت عليه طوال قرون أواصر التعايش بين الشعبين الروسي والأوكراني، لكن منطق صناعة السلاح وترسيخ القوة والنفوذ جعل البلدين الأكثر حضورا في ساحات المواجهة مع الغرب مؤثرين وبقوة في صناعة يوميات الحرب وأنغام الموت بين الروس والأوكرانيين.

يعتمد الروس على مسيرات إيرانية من نوعيات مختلفة حسب ما تؤكده المصادر الأوكرانية والغربية وينفيه الإيرانيون، ويحمي الأوكرانيون قواعدهم وسماءهم بأجنحة “بيرقدار تي بي-2” (Bayraktar TB-2) التي تعدّها تركيا أيقونة نجاحها العسكري، فمن أين بدأت القصة؟ وما الذي تغيره المسيرات “الإسلامية” في يوميات الحرب بين جيران الثلج واللهب؟

بيرقدار.. “عصا سحرية” بيد أوكرانيا

خلافا لما عليه الحال بين روسيا ومسيرات إيران، فإن علاقة أوكرانيا بالمسيرات التركية ليست وليدة الحرب، بل تعود إلى ما قبل ذلك.

فقد كانت الشركة المصنعة لبيرقدار تبني مصنعا في أوكرانيا قبل نشوب الحرب، كما أن الشركات الأوكرانية أيضا هي المنتجة لمحركات “تي بي2″، وبالإضافة إلى ذلك فقد باعت تركيا عددا من مسيراتها إلى كييف على مدار عامين، وهو ما جعل مراقبين يعتقدون أن مخزون أوكرانيا من المسيرات التركية أعلى بكثير من العدد المتوقع.

وقد وصفتها صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية بأنها عصا سحرية مكّنت الأوكرانيين من عرقلة تقدم المهاجمين الروس، مشيرة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي تعج بفيديوهات لهذه المسيرات وهي تستهدف القوافل الروسية، حيث “ظهرت قوافل الدبابات التي تغزو أوكرانيا وهي تتعرض لضربات شديدة أجبرتها أحيانا على التوقف ولو لفترة قصيرة”.

وفي مارس/آذار الماضي احتفت القوات البرية الأوكرانية على طريقتها بالطائرة المسيّرة التركية، حيث نشرت أغنية حماسية تُفاخر بإمكانات مسيّرة “بيرقدار”، وذكر حساب القوات البرية عبر فيسبوك أن نشر الأغنية هو “انتقام للأطفال الأوكرانيين والجورجيين والسوريين والشيشان وتتار القرم”.

ومما جاء في كلمات الأغنية الأوكرانية “جاءتنا الخراف لتعيد بناء الدولة القديمة، لكنّ لدينا راعيا لهذه الخراف، لدينا البيرقدار”، وفي مقطع آخر من الأغنية نجد ما يلي “أحضروا كل جيوشهم ومعداتهم وصواريخهم القوية، لكنّ لدينا تعليقا من كلمة واحدة.. بيرقدار!”

بيرقدار (TB2) التركية (الجزيرة)

المسيّرات الإيرانية إلى جانب الروس

تعود بدايات قصة لجوء الروس إلى المسيرات الإيرانية إلى مطلع يوليو/تموز الماضي، حينما بدأت التهم الأميركية تحلق فوق إيران بشأن نيتها تزويد حليفتها روسيا بمسيرات حربية.

فقد أعلن البيت الأبيض أن معلوماته الاستخبارية تفيد بأن إيران ستزود روسيا بمئات الطائرات المسيرة لمساعدة قواتها في مواجهة المقاومة التي يبديها الجيش الأوكراني في شرق البلاد.

وفي الـ30 من أغسطس/آب نقلت صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إيران أرسلت أول شحنة من طائراتها المسيرة إلى روسيا قبل 10 أيام لاستخدامها في أوكرانيا، لكن بعضها ظهرت به عيوب.

ونسبت الصحيفة لوكالات تجسس أميركية قولها إن تلك الشحنة شملت، على الأقل، نوعين من الطائرات المسيرة ذات القدرة على حمل ذخائر للهجمات على الرادارات والمدفعية والأهداف العسكرية الأخرى.

وفي 13 سبتمبر/أيلول أعلنت أوكرانيا أنها تمكنت للمرة الأولى من إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية الصنع تستخدمها القوات الروسية.

وذكرت وزارة الدفاع الأوكرانية أنها أسقطت الطائرة من طراز “شاهد-136” في منطقة خاركيف شمال شرقي البلاد، ونشرت الوزارة صورا لما بدا أنه أجزاء من طائرة مسيّرة مدمرة، وقالت وكالة رويترز إن طرف الجناح يتطابق مع طرف جناح الطائرة “شاهد-136”.

وفي الأيام الأخيرة كثفت الدول الغربية تصريحاتها وتحركاتها المناوئة لاستخدام المسيرات الإيرانية في الحرب الأوكرانية، وقال دبلوماسيون إن هناك تحركا من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن الدولي لبحث استخدام الجيش الروسي طائرات مسيرة في أوكرانيا يُعتقد أنها إيرانية الصنع.

لكن الحكومة الإيرانية نفت مرارا تزويدها الجيش الروسي بطائرات مسيرة، كما قال الكرملين إنه ليست لديه معلومات بشأن الحديث عن شراء روسيا طائرات مسيرة “انتحارية” من إيران.

وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، أمس الثلاثاء، إن هذه المسائل تخص وزارة الدفاع، مشيرا إلى أن بلاده تستخدم آليات وأسلحة روسية تحمل تسميات روسية خلال عمليتها الخاصة في أوكرانيا، وفق تعبيره.

ورغم النفي الإيراني والروسي، فإن أوكرانيا ظلت تعلن باستمرار إسقاط مسيرات إيرانية على أراضيها، مؤكدة في أحدث تصريحات لها أنها دمرت 223 طائرة مسيرة إيرانية الصنع منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، كما عرضت صورا من الطائرات المسيرة التي تجزم أنها إيرانية وطالبت العالم بالضغط على طهران لمنعها من الاستمرار في تزويد روسيا بمسيراتها.

ومع افتراض صحة الرواية الأوكرانية والغربية بشأن انخراط مسيرات إيران في حرب أوكرانيا، فلا تُعرف على نحو دقيق أعدادها ولا نوعياتها، رغم أن المعلومات المتداولة تشير إلى بعض الطرازات من قبيل “شاهد-136″، و”مهاجر-6” وغيرها.

أيهما أقوى؟

لمع اسم بيرقدار في السنوات الأخيرة، باعتبارها آخر وأهم صيحات التصنيع الحربي في تركيا، بعد سنوات من الحصار والتشديد الغربي على بلاد العثمانيين، لمنعهم من التكنولوجيا الحربية.

وتعززت مكانة المسيرة التركية بشكل كبير بعد استخدام القوات الأوكرانية في اصطياد أرتال الآليات العسكرية الروسية، وفي مواجهة أمطار اللهب التي تقذفها الحوامات الروسية بسبب التصدي الأوكراني لجيش قيصر الثلج، وتمكنت منذ الأسابيع الأولى للحرب من إحداث دمار كبير في الدروع والشاحنات والمدفعية الروسية.

كما أظهرت المسيرات الإيرانية -وفقا للرواية الأوكرانية- قوة تدميرية كبيرة، خصوصا مع التراجع البري الروسي الواضح في الأشهر الأخيرة وفي ظل تقدم أوكراني على أكثر من جبهة.

ومع أنه من شبه المستحيل معرفة مستوى التأثير الفعلي لأي من مسيرات البلدين في الحرب الدائرة، فإن التنافس بينهما بدا جليا وتحدث عنه بعض المحللين العسكريين في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، حيث يشير فيكرام ميتال البروفيسور في الأكاديمية العسكرية الأميركية في “وست بوينت” إلى أن “مسيرة مهاجر-6 تشبه من حيث الوظيفة والحجم مسيرة بيرقدار تي بي-2 التركية”.

ويرى الباحث الفرنسي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جان كريستوف نويل أن مسيرات مهاجر-6 المستخدمة في أوكرانيا “هي الرد الروسي على مسيرات تي بي-2 التي تستخدمها أوكرانيا”، في إشارة إلى المسيرة التركية المسلحة المعروفة التي تحلق على علو متوسط وتمتاز بقدرة كبيرة على التحمل.

المسيرة شاهد 136 الإيرانية
المسيرة شاهد 136 الإيرانية (الجزيرة)

وبشأن فاعلية المسيرة الإيرانية، يؤكد نويل أنه “على غرار كل المسيرات المسلحة، هي فاعلة جدا حين لا يملك الخصم وسائل لحماية نفسه منها أو الرد عليها”.

وشرح ميتال أن “قسطا وافرا من نجاحها في البداية يعود إلى كونها سلاحا جديدا على مسرح العمليات”، ملاحظا أنها “ستظل فاعلة إلى أن يتمكن الأوكرانيون من التقاطها وكشف إمكاناتها وتطوير أنظمة مضادة لها”.

أما المسيرة الإيرانية الثانية “شاهد-136″، وهي مسيرة انتحارية هدفها الاقتراب من الهدف والانفجار أمامه، فيؤكد غراسيه أن “استخدامها يوفر على روسيا اللجوء إلى الصواريخ العابرة للقارات والتي تراوح كلفتها بين 1.5 ومليوني دولار أميركي”، ولكنه يشير إلى عيب جوهري فيها يكمن في أنها لا تستطيع أن تصيب سوى أهداف ثابتة”. ولذلك فإنها -حسب قوله- لا تشكل تهديدًا على القوات المنتشرة، ومن ثم “لا ينبغي أن يغير وصول هذه المسيرات مجرى المعركة”.

وفيما يتعلق بالمقارنة عموما بين المسيرات الإيرانية والتركية، ذكرت ماريان رينو الخبيرة في الطائرات والمسيرات أن “قمة السوق تشغلها الولايات المتحدة وإسرائيل”، وأضافت أن “المسيرات التركية تحل في المرتبة الثالثة متفوقة على المسيرات الإيرانية التي يبدو أنها لا تتصف بدقة كبيرة”، حسب قولها.

ورغم ذلك، يشير نويل إلى أن “لإيران زبائن لهذه المسيرات في الشرق الأوسط” (إشارة إلى حلفاء طهران في اليمن ولبنان والعراق)، “لكن العقوبات الأميركية تحد بشكل كبير من عدد الراغبين في التزود بأسلحة مماثلة”.

وبدورها، تقول وكالة رويترز -في تقرير لها- إن الطائرات التركية المسيرة لا يمكنها مضاهاة الطرز التي ينتجها رائدا السوق “إسرائيل والولايات المتحدة” من حيث التكنولوجيا، لكنها تتميز بأنها أقل في السعر وقيود التصدير. وتنقل عن مصدر عسكري غربي أن أداء هذه الطائرات (التركية) أفضل من الطائرات المسيرة الصينية أو الإيرانية التي نشرتها روسيا في أوكرانيا.

بيد أن صحيفة “ليبراسيون” (Liberation) الفرنسية وفي تقرير لمراسلتها من إسطنبول آن سوفي فيفر لكادر، تذكر أنه على عكس المسيرات الإسرائيلية التي لم تستخدم في صراعات شديدة الحدة -كما تقول المراسلة- فإن المسيرات التركية أثبتت جدارتها في نزاعات شديدة في أوكرانيا حيث تضرب القوافل الروسية، وقبل ذلك في أذربيجان وليبيا وغيرها في السنوات الأخيرة.

وتضيف المراسلة أن ثمة ميزة أخرى رئيسة لهذه المسيرات بالمقارنة بتلك الأميركية أو الإسرائيلية؛ هي أن السلطات التركية لا تفرض قيودا أو شروطا سابقة على من يطلبون اقتناء هذه الطائرات.

وتنقل المراسلة عن المستشار والباحث الفرنسي أميل بوفييه قوله “لقد أصبحت المسيرات التركية مصدرًا رئيسًا لتأثير أنقرة، ولكنها أيضًا مصدر قوة ناعمة مكرسة لزيادة الهالة الدبلوماسية لتركيا”.

بالمقابل، يتحدث الأوكرانيون عن الأثر المدمر الذي تخلفه المسيرات الإيرانية، كما ظهر قلق إسرائيلي متصاعد منها، خشية من تأثيرها في أي حرب مستقبلية بين الطرفين، وتزخر الصحف الإسرائيلية بتعليقات الخبراء العسكريين ومطالباتهم بأخذها على محمل الجد.

وفي حين ظلت التقييمات العسكرية الغربية تقلل من قيمة الطائرات المسيرة الإيرانية، وتأثيرها المتوقع في مسار الحرب، عاد الغربيون في الأيام الأخيرة إلى التحذير من خطرها ودعت 3 دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مجلس الأمن الدولي لبحث استخدام الجيش الروسي طائرات مسيرة في أوكرانيا يُعتقد أنها إيرانية.

وتعليقا على تلك التصريحات الغربية، قال المرشد الإيراني إن من كان يقول إن المسيرات الإيرانية هي صور مفبركة بات الآن يحذر من خطورتها.

ومما لا شك فيه أن الأثر الذي تحدثه مسيرات الدولتين في ساحات الحروب التي تنخرط فيها أضحى يدفع عددا من الدول إلى طلب الحصول عليها.

فقد كشف المدير العام لشركة “بيرقدار” التركية المصنعة للطائرات من دون طيار، خلوق بيرقدار، أن شركته صدّرت منتجاتها من “بيرقدار TB2” إلى 24 دولة، كما ذكر مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية اللواء يحيى رحیم صفوي أن 22 دولة تريد شراء الطائرات المسيرة الإيرانية.

وبين بيرقدار التركية ذات النسخ المتعددة، وشاهد ومهاجر الإيرانية ذات السلالة التي وصلت حلقاتها إلى السادسة، تلتهب السماء الأوكرانية بين راجمات الموت التي صنعت بأياد مسلمة، وهي اليوم تسهم في رسم خريطة اللهب ومسار التدافع بين روسيا وأوكرانيا في حرب تكمل شهرها الثامن من دون أن ينفطم مولودها عن تأجيج مزيد من شلالات الموت المسافر في الخاصرة الشرقية لأوروبا.

 الجزيرة

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد