مُتهم بتسبّبه بحدوث زلازل عديدة… ما هو مشروع “هارب” الأميركي؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد (HAARP) أو كما يعرف بـ”مشروع هارب”، أسس سريًّا في المنشآت العسكرية في جاكونا بولاية ألاسكا، عن طريق شركة “بي إي إيه تي” (BEAT) للتقنيات المتقدمة لأغراض الاتصالات اللاسلكية والمراقبة عن طريق تحليل الغلاف الأيوني “الأيونوسفير” والبحث في إمكانية تطوير وتعزيز تكنولوجيا المجال الأيوني.

طبقة الأيونوسفير

الأيونوسفير طبقة فرعية من طبقات الغلاف الجوي للأرض، تقع بين طبقة الميزوسفير والغلاف الحراري والخارجي، يتميز بتأينه متأثرا بالإشعاع الشمسي والكوني، يمتد على ارتفاع قد يصل إلى ألف كيلومتر فوق سطح الأرض، ومقارنة بحجم كوكبنا يعد الأيونوسفير صغيرا جدا.

تتشكل ظاهرة الشفق القطبي في هذه الطبقة إثر تفاعل كيميائي كهربائي بين المجال المغناطيسي للأرض والرياح الشمسية، وتؤثر الطاقة العالية من الشمس والأشعة الكونية على الذرات في طبقة الغلاف الأيوني، حيث تنزع منها إلكترونا أو أكثر، مما يجعلها “مؤينة” أي تصبح مشحونة إيجابيا (بالكهرباء).

الإلكترونات المؤينة تتصرف كجسيمات حرة، وتتأثر باستمرار من التدفق المستمر للأشعة فوق البنفسجية والبلازما من الشمس بالإضافة للأشعة السينية، وخلال الليل يكون الغلاف الأيوني متأثرا بشكل أقل من الأشعة الكونية مثل النجوم النيوترونية الدوارة والمستعرات العظمى والمجرات وغيرها، مما يسهل عملية اكتشاف تأثرات هذه الطبقة لسهولة ملاحظتها.

وتعد أهمية طبقة الأيونوسفير في أنه يؤثر بمدى انتشار الراديو ووصوله إلى مناطق بعيدة، وأيضا بإرسال الإشارات بين الأقمار الصناعية والأرض.

من جهة أخرى، تمثل هذه الطبقة جدار الحماية لكوكب الأرض من النيازك وغيرها، فأي شيء يمر خلالها سيتعرض للتفكيك والاحتراق لارتفاع درجات الحرارة فيها، وهي بمثابة الخط الفاصل بين الفضاء والغلاف الجوي الذي نستطيع العيش فيه.

مشروع “هارب” أنشأته القوات الجوية والبحرية الأميركية عام 1993 ثم سلم لاحقا لجامعة ألاسكا (غيتي)

النشأة والتأسيس

تعود الفكرة الأولية للمشروع إلى العالم الفيزيائي الأميركي نيكولاس تسلا (1856-1943)، الذي بلّور في عام 1891 الأسس الأولى للنظرية العلمية التي انبنى عليها المشروع، وبعد نحو قرن انطلق العمل فيه بشكل رسمي عام 1993 وانتهى عام 2007، وبني في موقع تابع للقوات الجوية الأميركية، وموّل من قبل القوات الجوية الأميركية والقوات البحرية الأميركية وجامعة ولاية ألاسكا وداربا.

تعد شركة “بي إي إيه تي” للتقنيات المتقدمة المقاول الرئيسي لهذا المشروع، وأسهمت فيه أيضا عدة جامعات منها “ستانفورد” و”كورنيل” و”ماساشوستس” و”كاليفورنيا” ومعهد “ماساشوستس” للتكنولوجيا وجامعة “دارتموث” و”كليمسون” وجامعات “بنسلفانيا” و”توليا” و”ميريلاند”.

أعلنت القوات الجوية الأميركية إغلاق المشروع عام 2015 وإيقاف تجاربه وأنشطته وتسليمه إلى جامعة “ألاسكا فيربانكس”، فأصبح المشروع منشأة للبحث العلمي للطلاب في الجامعة، ويستخدم لأغراض البحث والتطوير واستكشاف ظواهر الغلاف المتأين.

الأكثر قدرة وتطورًا في العالم

تعرف جامعة ألاسكا “هارب” بأنه جهاز إرسال عالي القدرة والتردد، وهو الأكثر قدرة وتطورا في العالم لدراسة طبقة الأيونوسفير، ولا يعمل طوال الوقت بل عدة مرات فقط في العام لفترة أسبوع إلى أسبوعين، ففي عام 2022 شغِّل المشروع 4 مرات فقط.

يحتوي المشروع على مرافق متطورة منها مركز عمليات مساحته نحو 22 ألف قدم مربعة، ومبنى للصيانة والتخزين بمساحة 2400 قدم مربعة، ومحطة طاقة بقدرة 12 ميغاواتًا، و8 منصات علمية، و10 ملاجئ شبه قابلة للنقل في القطب الشمالي.

تم بناء 180 هوائيا موزعا على مساحة 14 هكتارا، وتصدر موجات راديوية عالية التردد تتسبب بانعكاس الموجات الموجودة في غلاف الأرض الأيوني “الأيونوسفير” الذي يمتد من 50 كيلومترًا إلى 400 كيلومتر.

من الأدوات الرئيسية التي يعتمد عليها البرنامج جهاز إرسال راديوي عالي القدرة وعالي التردد ويعرف باسم أداة أبحاث الأيونوسفير “آي آر آي” (IRI)، بالإضافة إلى مقاييس الطيف البصري والأشعة تحت الحمراء والكاميرات التي تستخدم لمراقبة الاختلافات الطبيعية للأيونوسفير، وكذلك للكشف عن التأثيرات الاصطناعية التي ينتجها جهاز “آي آر آي”.

وتستعمل أدوات أخرى لقياس ودراسة العمليات الجيوفيزيائية التي تحدث في تلك المنطقة المحددة، منها أداة التردد المنخفض جدا (ELF) ورادار التردد فائق العلو (VLF) ومقياس المغناطيسية وجهاز الاستقراء المغناطيسي.

وتعمل الجامعة على خطة استكمال رادار للتردد فوق العالي من أجل قياس كثافة الإلكترون ودرجات حرارته والأيونات وسرعات دوبلر في المنطقة المحفزة وفي الأيونوسفير الطبيعي باستخدام تقنيات التشتت غير المترابطة.

كيف يعمل مشروع “هارب”؟

تعتمد المحطة في آلية عملها على أداة أبحاث الأيونوسفير “آي آر آي” المسؤولة عن إرسال الترددات اللاسلكية ذات القوة العالية (HF)، والتي تستعمل لتنشيط وتسخين منطقة محددة من المجال الأيوني لفترة زمنية.

ترسل مضخمات (Amplifiers) ترددات ما بين 2 إلى 2.5 غيغا هيرتز، وتطلق حزمة موجية بقوة تصل إلى 500 ميغا واط من خلال هوائيات ترسل ترددات متساوية في كل الاتجاهات.

الترددات لا تخترق طبقة “الأيونوسفير” المتأينة، إنما تنعكس باتجاه الأرض، وقد ينتج عنها ارتفاع حرارة المنطقة فقط، لذلك استعملت سابقا لاتصالات “ما بعد الأفق اللاسلكية”، والتي كانت تستعمل قبل اكتشاف الأقمار الصناعية، وكانت توفر اتصالا بعيد المدى بين البلاد والقارات.

تعتمد هذه الخاصية على كثافة أيونات طبقة “الأيونوسفير” وتأينها الموجب القطبي المتغير حسب تعاقب الليل والنهار والصيف والشتاء، لأنها تؤثر في التردد الذي يجب استعماله.

استعمالات مشروع “هارب” ومجاله

توضح جامعة “ألاسكا” أن المشروع يستعمل بهدف مراقبة العمليات الناتجة عن استخدام جهاز “آي آر آي” تحت رقابة العلماء من أجل فهم أفضل للعمليات التي تحدث باستمرار إثر تعرض الطبقة لأشعة الشمس.

وأيضا تحديد خصائص الغلاف الأيوني باستخدام إشارات الأقمار الصناعية والرصد التلسكوبي للبنية الدقيقة في الشفق القطبي، وتوثيق التغيرات على المدى البعيد في طبقة الأوزون.

وفي مجال الدراسات البحثية، يستعمل في فيزياء البلازما وعلوم الراديو وتشخيص طبقة “الميزوسفير” (الغلاف الحراري) وأيضا “الطقس الفضائي” الذي يعنى بدراسة الظروف الزمنية المتغيرة داخل النظام الشمسي منها الرياح الشمسية.

وأيضا يستعمل لدراسة الوعي بالمجال البحري في القطب الشمالي ودراسة حزام الغلاف المغناطيسي-الإشعاعي و”الفيزياء تحت الشفق القطبي” وتوليد قنوات البلازما، وانتشار التردد المنخفض للغاية (ELF) وكشف التجاويف في الأرض والرادار عبر الأفق وظروف الغلاف المتأين والغلاف الجوي.

أهمية المشروع

يمكن للوسط المتأين “الأيونوسفير” أن يؤثر في الإشارات اللاسلكية ويعكسها ويستوعبها، ومن ثم يمكن أن يؤثر على العديد من نظم الاتصالات المدنية والعسكرية والملاحة والمراقبة والاستشعار عن بعد بعدة طرق متنوعة.

مثلا، يمكن سماع برامج البث الإذاعية التي لا يمكن سماعها نهارا إلا على بعد بضع عشرات من الأميال من المحطة، بينما في الليل (أحيانا) يمكن سماعها على بعد مئات الأميال، وذلك بسبب التغييرات التي تطرؤ للإشارات القادمة من الأقمار الصناعية في طبقة “الأيونوسفير” بفعل التغييرات الطبيعية.

أو حتى قد تتداخل الإشارات البثية بين المحطات، مما يخلق تشويشا فيسمع بث إذاعة ما في ترددات إذاعة أخرى. ومن أجل ذلك يعمل مشروع “هارب” على محاولة فهم التغيرات الطبيعية أو حتى الصناعية التي تحدث في طبقة “الأيونوسفير”، مما يسهم في تطوير مجال الاتصالات والبث وغيرها.

نظرية المؤامرة حول مشروع “هارب”

للسرية الكبيرة التي أحاطت بهذا المشروع وعلاقة الجيش الأميركي به منذ تأسيسه، تحوم حوله الكثير من الشائعات والأقاويل التي تلصقه بأحداث كارثية حصلت أو قد تحصل، مثل إمكانية عكس قطبي الأرض والسيطرة على الطقس والمناخ.

كما شاع أنه يعتبر جزءًا من الأسلحة الإلكترونية السرية للجيش الأميركي، وظهرت أقاويل بقدرته على التحكم بأدمغة البشر، وأنه السبب وراء الزلازل الكبيرة التي تحدث منها زلزال جنوبي تركيا وسوريا، الذي حدث في 6 فبراير/شباط 2023.

وينفي القائمون على المشروع تسببه بأي أضرار بيئية أو صحية، كما ينفون النظريات التي تربطه بافتعال الظواهر الطبيعية كالزلازل وغيرها، ويؤكدون تأثير أجهزته في المنطقة التي يعمل بها فقط، ويوضحون أن سبب علاقته بالجيش الأميركي هو أن الأرض التي يعمل عليها المشروع ما زالت ملكا للقوات الجوية الأميركية.

ويؤكد القائمون على مشروع “هارب” أنه تم إجراء دراسة للأثر البيئي خلال عامي 1992 و1993 وفقا لقانون السياسة البيئية الوطنية، وأن الوثائق مفتوحة للعامة.

وبسبب التسخين المستمر لطبقة “الأيونوسفير”، ما زالت المخاوف موجودة من احتمال التأثير على المدى البعيد على الغلاف الأيوني. وتقول جامعة “ألاسكا” إن الغلاف لن يتأثر، لأنه يعد بطبيعته وسطا مضطربا تحركه الشمس وتجدده، لذا فإن الآثار المستحدثة اصطناعيا تمحى بسرعة، واعتمادا على الارتفاع داخل الغلاف المتأين حيث يحدث التأثير في الأصل، لم يعد من الممكن اكتشاف هذه الآثار بعد أوقات تتراوح بين أقل من ثانية و10 دقائق.

ويشبَّه مشروع “هارب” بمحطة بث إذاعية كبيرة، ليست حتى قادرة على إنشاء شفق اصطناعي، لأن الطاقة التي يولدها المشروع أضعف بكثير من الطاقة الطبيعية المتشكلة.

وكالات

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد