دخل لبنان العام الجديد على إيقاع تركة أزمات هدّدت وجود الكيان بأكمله، مع تحلّل مؤسسات الدولة، وشبه انهيار للسلطة الحاكمة وليدة اتفاق الطائف.
فقد شهدت المرحلة السابقة حركة سياسية توّجت في الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم بلقاء رباعي ضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر، في اجتماع خلص إلى توصيات تبنت ما عرف بـ”ورقة العمل الكويتية” بنقاطها العشر التي حاول تمريرها وزير خارجية الكويت في جولته الأخيرة على المرجعيات السياسية ولم تلقَ قبولًا في حينه، إذ اعتبر فريق من اللبنانيين أنها “إملاءات غربية وشروط سعودية وتدخل بالشؤون الداخلية”.
وكان حضور مدير المخابرات السعودية اللقاء الرباعي، مؤشرًا إلى الدور الذي تسعى له الرياض في لبنان، بالتكامل مع الدور المشبوه الذي يلعبه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وجولاته الاستفزازية، في ظل مبادرة قطرية وأفكار فرنسية وجولات أميركية ودعوات لتدويل القضية اللبنانية.
الأسابيع الأخيرة شهدت أحداثًا بدأت تغيّر المشهد السياسي الداخلي، على أصداء عتب رئيس التيار الوطني اتجاه الثنائي الوطني الشيعي، وتحديدًا حزب الله، بسبب حضورهم جلسة للحكومة لعب فيها الحزب دور الوسيط النزيه، وعجز أمام تعنّت الوزير جبران باسيل، بعد أن ضمن له التوافق وعدم التصويت وحصر المقررات بالبنود الحياتية التي تهم مصلحة المواطن. إلا أن ما أظهرته الأيام أثبت أن تعنّت باسيل لم يكن من عدم، بل بإغراءات فرنسية توّجت بلقاء مع رئيس اللقاء الديمقراطي الوزير السابق وليد جنبلاط، بهدف إطلاق رصاصة الرحمة على اتفاق كنيسة مار مخايل، ودفنه في ثرى التسويات الدولية، انطلاقًا من المبادرة العربية الغربية بهدف محاصرة حزب الله داخليًا.
وفي هذا الإطار، عُلم أن لقاء باسيل مع جنبلاط تم التوافق عليه خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، حيث تلقى نصائح بالتحرر من الاتفاق مع حزب الله، ما يشكّل له مساحة واسعة تعطيه قبولًا عربيًا، كما أنه يشكّل له دعمًا دوليًا يؤسّس له في مرحلة لاحقة. فبدأ باسيل أولى خطواته بزيارة قطر، “صاحبة المبادرة”، وتابع جولاته بعيدًا عن الإعلام، حيث شملت رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إضافة إلى الوزير السابق المرشّح الدائم سليمان فرنجية، واستكملها مع الوزير وليد جنبلاط، الساعي لدور يحجزه لنفسه والذي سمع أيضًا نصائح فرنسية وتوصيات أميركية بما يساهم في إعادته لاعبًا أساسيا بعد خسارة رهانه بسقوط النظام في سوريا ودوره المعادي تجاه دمشق، ونجاح حزب الله بحماية ثروات لبنان البحرية وحاجة الفرنسي ومعه الغرب للاستقرار في لبنان.
وفي السياق، كشفت المعلومات أنه خلال تعزيته برحيل البابا بنديكتوس السادس عشر، سمع جبران باسيل نصائح من السفير البابوي في لبنان، في خلوة جمعتهما استمرت قرابة الساعة، خرج بعدها باسيل مرتاحًا. وأكد مقربون من باسيل أنه يعيد ترتيب علاقاته السياسية مع كافة الأفرقاء، بما فيهم حزب الله الذي تفرض الظروف مراجعة التفاهم معه وإعادة النظر فيه، مشيرين إلى أن المرحلة تفرض خصوصية في التعاطي مع الحلفاء والخصوم، غامزين من قناة المبادرة الرباعية والاهتمام الفرنسي والانفتاح على باسيل، وضرورة إيجاد تسوية مع الرئيس نجيب ميقاتي تنسحب على أكثر من ملف.
فهل يستكمل جنبلاط دوره ويتابع جبران باسيل غروره، أم أن القادم من الأيام تفرضه التوازنات الدولية ويبقى الداخل اللبناني انعكاسًا لما يجرى على طاولات الخارج؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.