محمود موالدي* – خاص الناشر
بات المشهد السوري أكثر وضوحًا بعد تلاشي غبار التعقيد الإقليمي المتزامن مع التشابك المصلحي الحاصل من جهة الحلفاء والخصوم على حد سواء، وتقارب الأهداف المعلنة للاعبين الإقليميين. لكن الدعوات المتتالية للقيادة السورية لتسوية محددة تبقى بعيدة في المستقبل المنظور بغياب خارطة طريق سياسية واضحة، فالغرب الجاني للخيبات المتتالية يعرف تمامًا الثوابت السورية بغض النظر عن منسوب القوة المانعة لها، كما يعرف الأوراق السياسية غير المستخدمة بعد وطريقة صرفها بالاعتبار الإستراتيجي، بينما الميدان ما زال مشتعلًا على تخوم إدلب والقرى المحيطة بها، استعدادًا للحسم دون العجلة، بانتظار الظرف السياسي المناسب، فأي تسوية مرتقبة مع الدولة السورية محكومة بحسابات المتغير السياسي وانعكاساته العملانية. وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تتأثر به الجمهورية العربية السورية في ظل الحرب الاقتصادية الغربية الظالمة التي انعكست بشكل ملحوظ على الحياة المعيشية والشلل النقدي الكبير، إلا أن القيادة السورية متمسكة بثوابتها على خلاف ما يروج إعلاميًا، فإذا كان العدوان الصهيوني المتكرر يرتكز على حيثية عسكرية استراتيجية تخاف منها قيادات جيش العدو بحكم شعورهم الواقعي بنتائج أي مغامرة عسكرية كبرة، فإنها أيضًا رسائل تسويق إعلامي زائف باعتبارها محاولة لإظهار ضعف الدولة السورية عن الرد، من هنا لا بد من التوضيح بشكله الجامع على الحروب الاقتصادية والعدوان الصهيوني المباشر والمتكرر كونهم متشاركين في هدف واحد وهو الضغط على سورية لدفعها نحو التسوية ضمن الموجود، مع استمرار التواجد غير الشرعي للاحتلال الأمريكي والتركي على الأرض، تبقى الاستفادة من التغيير الدولي والإقليمي وتعاظم جبهة المقاومة هي مقومات مضافة للصمود السوري
لتكن الحاجة اليوم لمراجعات حقيقية لمضامين العمل السياسي بشقه الداخلي لتحصين الجبهة الداخلية ورفع المستوى المعيشي من خلال إصلاحات حقيقية تتغير معها سلوكات الحكومات المتتالية المفصومة عن واقعها، والذهاب لحاضنة حية، لعقد اجتماعي جديد، يحافظ على الثوابت الوطنية والقومية وتموضع سورية ضمن جبهة المقاومة من جهة ويكون بمثابة إنقاذ للعمل السياسي الداخلي من جهة ثانية، والذي ينعكس على جودة الاختيار للفريق الحكومي المتصدي للأزمات المعيشية ذات الخصوصية، إذ لا يمكن فصل الواقع السياسي الداخلي الحامي للجبهة الداخلية السورية عن واقع سورية السياسي على الصعيد الإقليمي وامتداداته الدولية، ولا يمكن أن نرجح الصمود عن التخاذل ونحن نختار الفاسد بدل النظيف، ولا يمكن أن نفرض القوة المانعة لأي مخطط تقسيمي من دون عقد اجتماعي جامع لكل السوريين، وبالتالي لا مكان للتحرير دون التحرر السياسي ضمن التعددية الحقيقية المنضبطة بالثوابت الوطنية، فالحياة السياسية الطبيعية تعطي الوطن انتعاشًا في مختلف المجالات، فلا مكان للكانتونات المالية بوجود رقابة شعبية ولا مكان للوكالات الحصرية باسم الدولة لشخصيات فاسدة بوجود تعددية اقتصادية منسجمة مع التعددية السياسية، فقوة سورية بتجددها الدائم ومواكبتها للمتغيرات لتختار أساس أي تسوية مفترضة.
*كاتب وناشط سياسي سوري
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.