ستّار محمودي* – خاص الناشر
زادت القوة العسكريّة الصّينيّة بشكل كبير في العقد الماضي. صرّح أدميرال البحريّة الأمريكيّة فيليب ديفيدسون مُحذرًا بأنّ الجيش الصّيني سيتفوّق على الجيش الأمريكي بحلول عام 2027، وأنّ بكين ستُغيّر الوضع في شرق آسيا بالكامل لصالحها. يُدرك المسؤولونَ الأمريكيّون جيدًا أنّ تزايد قوة الصّين في شرق آسيا سيكون نقطة بدايةِ زوال الهيمنة الأمريكيّة على العالم. هذا هو سبب تأكيد الولايات المتحدة الدّائم في السنوات الأخيرة على وجوب الوقوف في وجه النّفوذ الصّيني لدرجة أنّ جيك سوليفان يعتقد أنّ: “الولايات المتحدة دخلت في العقد الحاسم في المُنافسة مع بكين”.
بسبب التغيّرات في النّظام العالمي والانتقال من عالمٍ أُحاديّ القُطب إلى عالمِ تعدّد الأقطاب، وجب الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة لم يعد بإمكانها الاعتماد فقط على قوتها العسكريّة لإدارة النّظام والتّحكم بالعالم، ومن أجل السّيطرة والمحافظة على النّظام، يجب عليها اتّباع استراتيجيّة جديدة تتمحور حول تجنُّب السّعي لإنشاء نظام مُهيمن، وبالتالي تقليص التّواجد العسكري في المناطق التّابعة لها. في الإستراتيجيّة الجديدة، يتمّ التّدخل العسكريّ واستخدام القوة بشكل مباشر بعد تطبيق العقوبات الاقتصادية وانهيار الدولة المُستهدفة على المستويين الاقتصادي والسياسي، أي بعد أن تُصبح أرضيّة التدخّل العسكريّ جاهزة. وبناءً عليه، فإنّ الولايات المتحدة تُهيّئُ الأُسس للحرب العسكريّة ضد الصّين عبر تشكيل تحالف ضدها، ومنع الصّين من تشكيل تحالفات مع الدول الصديقة لها، والتّدخل غير المباشر والحرب بالوكالة .
تشكيل تحالف ضد الصّين
منذ عام 1949، حصل ثلاثةٌ وعشرون نزاعًا حدوديًّا بين الصّين وجيرانها، وتمكّنت الصّين من حلّ سبعة عشر نزاعًا حتى الآن. ومع ذلك، لا تزال هناك نزاعات كبيرة بين الصّين وجيرانها على الحدود، ولا يبدو أنّ الأطراف المَعنيّة قادرة على إيجاد حلّ دبلوماسيّ لهذه النزاعات. النزاعات المُهمّة مرتبطة بمنطقة بحرَي الصّين الجنوبي والشرقي. في بحرها الشرقي، تخوض بكين صراعًا شرِسًا مع اليابان بشأن الجُزر المُتنازع عليها، والتي تُسمّيها طوكيو “جُزر سينكاكو”، وتُسمّيها الصّين “جُزر دياويو”. أمّا في البحر الجنوبي، فإنّ للصّين نزاعات مستمرة مع فيتنام للسيطرة على “جُزر باراسيل”، ونزاعات مع بروناي وماليزيا والفيلبّين وتايوان وفيتنام على “جُزر سبراتلي”. أمّا الخلاف الأهم، فهو بشأن تايوان التي تقع على حدود البحرَيْن الشرقي والجنوبي للصّين. هناك أيضًا نزاعات على الأراضي والحدود بين الصّين وبين بوتان والهند. أضِف إلى ذلك حاجة الصّين المُلِحّة إلى نفط الخليج الفارسيّ من أجل نُموّها الاقتصادي. ولكي تمرّ السّفن الصّينية عبر الموانئ الرئيسيّة لها وتصل إلى الخليج الفارسيّ، وجب عليها المرور عبر ثلاثة طُرق: مضيق ملقا، ومضيق لومبوك، ومضيق سوندا، وهذه المضائق مُحاطة بدول مُتنازعةٍ معها وتُعتبر حليفةً لأمريكا. تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على هذه النزاعات، وتستخدمها كذريعة لوجودها العسكريّ في شرق آسيا ومنطقة الإندو- باسيفيك.
في السنوات الأخيرة نمت العلاقات العسكريّة الأمريكيّة مع جيران الصّين من الناحيتين الكميّة والنوعيّة بشكل ملحوظ. بدا النشاط الأمريكي في هذه المنطقة واضحًا من خلال إبرام واشنطن لمعاهدة آكوس الأمنيّة التي تهدف إلى تعزيز الغوّاصات النوويّة الأستراليّة، وتوسيع العلاقة العسكرية مع إندونيسيا. توسيع العلاقات هذا يهدف إلى تحديث وتعزيز المُقاتلات الإندونيسية “رغم أن جاكرتا معروفة بعدم التزامها”. تحرّكاتٌ أخرى تجلّت بالاتّفاق على تعزيز التعاون الدفاعيّ بين الفيلبّين والولايات المتحدة، وزيادة الميزانية العسكريّة لليابان وتغيير نهج طوكيو العسكريّ بعد الأزمة الأوكرانية. طبعًا لا يخفى على الجميع أيضًا التغيّر في سياسة واشنطن الغامضة اتجاه تايوان، ومشاركة قادةٍ من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا في قمة الناتو. أمّا النشاط الأمريكيّ الأهم فهو الاتّفاقيّة الرّباعية لليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا المعروفة بـ “تحالف كواد” بهدف إنشاء الناتو الآسيوي في منطقة شرق آسيا، والذي سيشمل المزيد من الدول في المستقبل. كل هذه الأنشطة من اتفاقيّات ومساعٍ تُشير إلى محاولات أمريكا لتشكيل تحالفات ضدّ الصّين.
مَنْع الصّين من تشكيل تحالفات
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة الصّين خصمًا رئيسيًّا لها، وذكرت ذلك في وثائقها الرسميّة الاستراتيجيّة، لدرجة أنّها وَصفتها بـ “المُّهدّد الأساسيّ” لأمريكا للقرن القادم في خطة “الاستدارة نحو آسيا”. ومع ذلك، لا ننسى أنّ الولايات المتحدة تَعتبر روسيا وإيران “مُهدِّدتين لها”، إلى جانب الصّين.
بالنظر إلى اختلاف مستوى القوة بين الدول الثلاث “الصّين وروسيا وإيران”، فإنّ اعتبار روسيا وإيران “تهديدًا” ناتجٌ عن أنّ واشنطن تحاول كبح نفوذ الصّين وإضعاف الدول القريبة من سياستها، وبالتالي منعها من تشكيل تحالفات في الحرب المُحتملة القادمة. لهذا السبب، ومن خلال دفع أوكرانيا إلى الحرب، استطاعت الولايات المتحدة أن تُشرك روسيا في حرب استنزاف من جهة، فتسعى هي إلى توسيع الناتو في الحدود الشرقية من جهة أُخرى. كذلك، تهدف الولايات المتحدة إلى إشغال الحكومة الإيرانية في الدّاخل عبر دعم قوى المعارضة الدّاخلية، وإلى جعل إيران مُستنفرَة أمنيًّا عبر إبرام اتفاقيّات مثل “اتفاقيّة ابراهام”. النقطة الجديرة بالتأمّل أنّ الولايات المتحدة تخلّت عن سياستها الغامضة اتّجاه تايوان بعد تورّط روسيا وإيران في الحرب والفوضى. وفي النهاية سيؤدي إضعاف روسيا وإيران إلى تمهيد الطريق لحرب هرمجدون.
التدخل غير المباشر والحرب بالوكالة
بالإضافة إلى منع الصّين من تشكيل التحالفات، فإن الهدف التالي هو تحريك الخلافات على حدودها. فمن أجل تدمير مجالَي الصّين السياسيّ والاقتصاديّ، يسعى المسؤولون الأمريكيّون إلى استخدام نفس منهجيّتهم المُعتمدة داخل روسيا وإيران ضدّ الصّين، وبالتزامن معهما أيضًا. فمن ناحية، ستُرسل زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان إشارة لدعم “الانفصاليين” فيها، الأمر الذي لا بد أن يستفزّ ويحرّك الصّين باتجاه الحرب. أيضًا يمكن للولايات المتحدة استخدام التيّارات الاجتماعيّة المعارضة للحزب الشيوعيّ من أجل إضعاف الحكومة الصّينية. من جانبٍ آخر، تتطلّع الولايات المتحدة إلى ترسيخ وجود “داعش” على حدود الصّين. وبحسب أجهزة المخابرات، فإنّ هدف الولايات المتحدة من الإطاحة بحكومة طالبان وسحب قواتها من أفغانستان، هو نقل العناصر المُتطرّفة والجماعات الإرهابية من الغرب إلى الشرق، وإنشاء قوة مماثلة لداعش على حدود الصّين. إنّ انشغال الصّين على حدودها الجنوبيّة والشرقيّة سيُمهّد الطريق إلى مواجهة مباشرة بين واشنطن وبكين المُستنزَفة. مُواجهة ستشتعل من خلال تحريك وتحريض الدول ذات النّزاعات الإقليميّة مع الصّين، والمُبرِمة للاتفاقيات العسكرية والأمنية مع الولايات المتحدة. تجدر الإشارة إلى أنّ نجاح هذه الخطة يستوجب القيام بخطوات ثلاث بشكل متزامن: أي يجب القضاء على إمكانيّة تشكيل التحالفات، وخلق الفوضى على حدود الصّين، وتحريض الدول ذات النّزاعات الحدوديّة مع الصّين في وقت واحد، أي في غضون سنة أو سنتين.
خُلاصة
من أجل مواصلة النمو الاقتصاديّ وتحويله إلى قوة عسكريّة، تحتاج بكين إلى التحالف مع دول معارضة لسياسة واشنطن. مع بداية الصراع القادم المُحتمل، يُمكن للولايات المتحدة بسهولة جعل طريق النّقل البحري الصّيني طريقًا غير آمنٍ، وتركيز قوّتها العسكريّة في شمال الصّين من خلال تشكيل التحالفات الاستخباراتيّة “تحالف العيون الخمس”، والتحالفات العسكريّة “الناتو الآسيوي”. وحيث إنّ عدم دعم بكين لموسكو (فيما يتعلق بتوسيع حدود الناتو في أوروبا الشرقية والحرب في أوكرانيا) يمكن أن يؤثر أيضًا على أمن كليهما –حيث إنّ موسكو التي لم تتصرف كما هو متوقع في حرب أوكرانيا وتُعاني أيضًا من العقوبات- فإنّ الصّين ستتجه إمّا نحو تسوية العلاقات مع الغرب، أو ستُواصل السياسة الحاليّة “حرب الاستنزاف”، الأمر الذي سيؤدي إلى نمو الحركات المُناهضة للحرب والمُعارِضة لبوتين، وبالتالي إضعاف روسيا. وكل ذلك سيؤول إلى توسّع الناتو إلى حدود الصّين وتطويقها بالكامل.
وبالنّظر إلى استعداد الولايات المتحدة لمواجهة الصّين، يمكن لبكّين اتخاذ الإجراءات التالية لمواجهة الخطّة الأمريكيّة:
• تقديم الحوافز اللّازمة للدول التي تتماشى مع سياسة الصّين من أجل تحقيق التوازن ضد الولايات المتحدة.
• تقديم مساعدات ماليّة للدول التي كانت تُعاني من الحصار.
• مُساعدة هذه الدول لتخطي العقوبات الأمريكيّة.
• ضمان شراء النفط مُقابل تأمين النّقل البحري.
• المُساعدة في تفعيل اتفاقيات التّجارة الإقليمية، مثل “منظمّة التعاون الاقتصادي”.
• تشكيل تحالفات مع الحكومات اليساريّة في أمريكا اللّاتينيّة.
على الرغم من خطاب واشنطن المُعادي لموسكو وطهران، إلّا أن هدف الولايات المتحدة هو القضاء على تهديد الصّين باعتبارها القوة الوحيدة التي تقف في وجهها. لذلك، تحاول الولايات المتحدة أولًا إنشاء تحالف ضد الصّين، ومنعها من تشكيل التحالفات، والتدخّل غير المباشر والحرب بالوكالة، وتمهيد الطريق لهجوم على هذا البلد.
*باحث إعلامي إيراني
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.