محمود موالدي* – خاص الناشر |
تتغير مفاعيل جبهات الاشتباك بالضرورة مع المصالح العليا والمعطيات السياسية المتسارعة، فهناك الثابت الذي لا يتغير وهناك المتغير الظرفي المشبع بالمرونة. إن سياسة القرن الجديد ترسم بشكل جديد، ليبقى الثابت هو العداء المطلق للسياسات الأمريكية وحروبها العبثية ورعايتها لكل الشرور المتعددة والملونة، فبلاد العم سام التي تمتلك أكبر فائض نقدي في العالم وأوسع اقتصاد ربوي وغير ربوي يعتمد بحقيقته على الاقتراض والافتراض، التي تختزن أكبر احتياطي للنفط والطاقة، متلازمًا مع أكبر إنفاق عسكري عالميًّا لم تدرك المتغير بعد، فلم يعد العالم يحكم بالقطبية الواحدة. لقد فقدت الولايات المتحدة هامش المناورة العالمي الواسع، وحجم المديونية لأوروبا للسلاح الأمريكي قاربت على النفاد بعد مرور سني الوصاية المباشرة تارة وغير المباشرة تارات عدة بعد الحرب العالمية الثانية. لكن العقلية الأمريكية تعاني بسبب العوامل المذكورة سابقًا من اضطراب في القيادة العالمية لتتجاوز (النكوفيلية)، فالغرور المفرط ولزوم الانصياع وتثبيت النفوذ على حساب الجميع لتحدد مساحة المناورة لدى الساسة الأمريكيين فكانت النرجسية السوداء السمة الأبرز للسياسة الأمريكية، مما يجعلها تفرط في هيمنتها لتتجاوز خطوط التحالف والشراكة مع أوروبا وغيرها من الحلفاء إلى الهيمنة وفرض السيطرة على القرار، ناهيك عن الدواعي الداخلية لصناعة الحروب بغياب تام لقواعد الاشتباك العالمي بين الشرق والغرب.
إن الكابوس المقيت التي تخشاه الإدارات الأمريكية المتعاقبة باختلاف مسمياتها بين ديمقراطيين وجمهوريين هو انكشاف العجز الأمريكي بشقه الاقتصادي الذي تجاوز 22.7 بالمئة وارتفاع البطالة والتضخم النقدي الكبير غير المسبوق لتسمع دعوات خافتة من حين لآخر بين الولايات بالرغبة الكبيرة في الانفصال لينعكس العجز الاقتصادي على الحراك السياسي بشكله العام. فأذرع أمريكا حول العالم تشهد انكماشًا ملحوظًا على المستوى التكتيكي وغيابًا تامًّا للمعالجات الظرفية للوقائع المستجدة،
فالحرب الروسية الغربية في أوكرانيا عكست واقع التخبط الأمريكي ببعده التكتيكي والاستراتيجي ليبقى الاختيار هو إحراق الحلفاء والبقاء لأمريكا الأقوى، وبات واضح استنفاد الحروب بالوكالة التي سوغتها أمريكا بشكلها الجلي أثناء الحرب الباردة التي لم تكن كذلك بكل كانت مشتعلة بالوكلاء غير الحصريين المعتمدين على مساحة خريطة المصالح للقوى العظمى.
تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية دائمًا عن أعوانها كلما دعت ضرورة مصلحتها وهذا شيء معتاد لكل الدول الغاشمة لكن في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم أصبحت الولايات المتحدة تحرق شركاءها وأدواتها وأعوانها بالجملة لتحولهم لخط سريع نحو الفناء.
إن جبهة الشرق الواعدة تتبلور بشكل ملحوظ ومتسارع، فمن التعاون الروسي الإيراني وارتقائه حد الشراكة بحسب المحللين الأمريكيين والاستمرار الحذق لمشروع الصين الحزام والطريق يجعل أمريكا في بوتقة الشلل الإستراتيجي. وإن طبيعة النشأة الأمريكية هي مشكلة مع الذات من خلال سلب الأرض من سكانها والاستيلاء على مقدرات الشعوب والنزعة العنصرية التي إلى اليوم لم تتخلص منها هذه العقلية الجمعية المرادفة بصبغتها على الازدهار مقابل الدم والقوة من خلال اضعاف المنافس والتكسب من تعب وعرق الآخرين، إنها بحق نرجسية شيطانية، إنها دولة الشر العالمي والشيطان الأكبر.
*كاتب وسياسي سوري
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.