ستّار محمودي* – خاص الناشر
تُمثِّل العضوية في المؤسسات الاقتصادية والسياسية والأمنية الاستجابة الأولى للدول في سبيل الانتقال بها من النظام الحالي إلى النظام الجديد. تغيير يطرأُ على النظام العالمي بسبب التقلّص النسبي في نفوذ الولايات المُتّحدة تزامُنًا مع صعود الصين. وقد يكون من الصّعب التّنبؤ بالنظام الجديد الناتج عن هذه التطوّرات، لكن بطبيعة الحال، ومع حدّة التوتّر بين القوى العُظمى، فإن مُستقبل العالم بالتأكيد سيتغيّر.
ومع بداية التغير في النظام الحالي، اتّجهت الدّول نحو تشكيل تكتّلات اقتصادية اقليميّة من أجل البقاء في مأمنٍ من اندفاعات النظام الجديد، أو لِتحمّل أقلّ قدرٍ مُمكن من الخسائر. إحدى المنظمات التي تمتلك هذه الأسس المُعتمدة، هي “منظمة شنغهاي للتعاون”، والتي لطالما اعتُبرت منذ تأسيسها المنظمةَ المُتقابلة مع الغرب وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهي في الواقع تُمثل عبر قيادتها من قبل روسيا والصين، النّواة الأساسية للكُتلة المُناهضة للغرب، وستُلبّي هذه المنظمة الحاجات الطّارئة للدول في النظام الجديد.
وإن لم يُعَد النظر في النظام العالمي، فإن المواجهة الخطيرة بين القوى العظمى خاصة في أوروبا والمحيط الهادئ، سيُولد منه في أفضل الأحوال عالمٌ يسود فيه نظامٌ مُتعدّد الأطراف والأقطاب، وولادة أوّل قطب عالمي سوف تتمثل بالكُتلة الديمقراطية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة أربعة أنظمة هي: “بريتون وودز”، و”حلف شمال الأطلسي”، و”الاتحاد الأوروبي”، و”مجموعة السّبع”. والكُتلة العالمية الثانية ستتمثّل في الكُتلة الأوراسيّة بقيادة الصين وروسيا، والتي قد تضم إليها دُوَلًا مثل الهند، وباكستان، وإيران، وكازاخستان، وحتى تركيا. في حين ستبدو الكُتلة الثالثة مُماثلة لدول عدم الانحياز، أو العالم الجنوبي، أو بعبارة أخرى؛ بقيّة العالم، وهذه الدول تُفضّل البقاء بعيدة عن الكُتلتين الشرقيّة والغربيّة.
ومن المتوقع أن ينشأ مع تحدّي النظام الحالي وارتفاع حدّة التوتر ثلاثة تغيرات مهمة في العالم ؛ أولها تغير يحكم الفكر العسكري والتسليحي في معظم دول العالم. فالدول المُنقسمة (على المعاهدات والاتفاقيات السابقة) في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، ستشهد تغيُّرات جيوسياسية وجغرافية خلال النظام الجديد، وستُشكّل هذه البلدان كُتلة اقتصادية اقليمية مُتطلعة إلى الداخل مثل “منظمة شنغهاي للتعاون”.
أُسِّسَت “منظمة شنغهاي للتعاون” عام 2001، أسَّستها بدءًا الصين وروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. ثم في العام 2017، انضمت إليها الهند وباكستان ومُؤخّرا إيران. يبلغ عدد سُكّان الدول الأعضاء في “منظمة شنغهاي للتعاون” 3.33 مليار نسمة (2021)، أي ما يُعادل 42.49 في المئة من إجمالي سُكّان العالم. شكّلت الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية أكبر منظمة اقليمية في العالم من حيث المساحة الجغرافية والسكّان. أيضًا، تُعدّ جميع بلدان هذه المنظمة مُنتجة رئيسية للمواد الغذائية، وتلعب دورًا رئيسيًّا في تطوير سلسلة التوريد الغذائي. كما زادت التجارة بين أعضاء شنغهاي من 667 مليار دولار في العام 2001 إلى 6 تريليون دولار في العام 2020.
في بيانهم المُشترك الأخير، دعا قادة “منظمة شنغهاي للتعاون” إلى بناء نظامٍ عالميٍّ جديدٍ مُتعدّدِ الأقطاب، وأكّدوا التزامهم بنظامٍ عالميٍّ ديمقراطيٍّ وعادلٍ وقائمٍ على التعدّديّة المنصوص عليها في مبادئ القانون الدولي المُعترف بها. فكان الهدف من بناء منظمة شنغهاي في إطار الأمن العام الجماعي مُرتبطًا بهذه المبادئ، إضافة إلى تأسيس مركز جديد للطاقة “على المستوى الاقتصادي”، وتقليص النّفوذ الأمريكي في منطقة أوراسيا “على المستوى السياسي”. هذا التعريف المدروس لـ”شنغهاي” يتماشى مع حاجات ومُتطلبات الدول في النظام الجديد، وسيضمن مصالح أعضاء هذه المنظمة. من نافذة الحرب الأوكرانيةِ، ترى كل من الصين وروسيا العالم على مُفترق طُرق، وتُمثّل “منظمة شنغهاي للتعاون” الأداة البارزة لزيادة رقعة نفوذهما العالمي وتقليص نفوذ النظام العالمي الديمقراطي اللّيبرالي الغربي.
ولا تنحصر ماهيّة منظمة شنغهاي على اعتبارها كُتلة مُضادة لحلف شمال الأطلسي “الناتو” فحسب، بل استطاعت تحقيق نجاحٍ في توسيع نطاقها، لا سيما فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار داخل المنطقة، وباتت تقترب من اعتبارها تحالفًا اقتصاديًّا أيضًا. تحاول هذه المنظمة أن تكون بديلًا موثوقًا لأعضائها قدر الإمكان لتحييد الصدمات الاقتصادية والمالية الناجمة عن العقوبات المُتعلقة بالنظام المالي العالمي الذي يُسيطر عليه الغرب. التفاعل الإيجابي للدول مع هذه المنظمة سيجعل من السهل التنبؤ بالحركة نحو نظام جديد.
وبطبيعة الحال، لا تحصر روسيا والصين جهودهما على “منظمة شنغهاي للتعاون” فحسب، بل سارت هاتان الدولتان في قنوات أخرى مثل “تحالف بريكس”، سعيًا لإيجاد بديل عن نظام عالمي يقوده الغرب، كما أنهما تمضيان قُدُمًا نحو مشروع “بريكس +”؛ ” BRICS Plus” والذي يضم اقتصادات ناشئةٍ ونامية.
العُضويّة في المؤسسات الاقتصادية والسياسية والأمنية ستمثل الاستجابة الأولى لاحتياجات الدول في النظام العالمي الجديد. وستمثّل أيضًا تحديًا للنظام الغربي والدول المُقربة منه للبحث عن حلول، وهنا يبدو أن عددًا من المُؤسسات والهياكل السياسيّة غير الغربيّة “النظام الحالي” مثل “تحالف بريكس” و”منظمة شنغهاي للتعاون” ستُصبحا محط الأنظار أكثر من ذي قبل. ولعلّ هذا ما تُخطط له كل من الصين وروسيا لتلبية احتياجات الدول، والانتقال بها من النظام الحالي إلى النظام الجديد. تعتقد القوى التي تريد تغيير النظام الحالي؛ أن المنظمات الجديدة يجب أن تضمن للدول الأعضاء عامل أمانٍ في إطار ثلاث فئات من المُتغيرات: (السياسية – الاقتصادية – الأمنية). ووفق هذه المنهجية، ستُسهّل القوى النامية في الكُتلة الثانية خروج الدول من النظام الحالي.
*باحث إعلامي إيراني
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.