لنكن إذًا واضحين، منطقيين وواقعيين، فالدور الذي تؤديه بعض وسائل الإعلام اللبنانية والجهابذة في لبنان، يفوق بقوته وشراسته وحقده ما تقدمه أهم وسائل الإعلام الصهيونية ومحللوهم وقادتهم وسياسيوهم. كيف لا وقد بذل هؤلاء كل ما لديهم من طاقات وقدرات لتشويه صورة المقاومة وبيئتها وإنجازاتها وانتصاراتها وقد كان آخرها الانتصار السيادي الكبير الذي خضع بموجبه الكيان الغاصب لقوة المقاومة واستجاب لمطالب الدولة اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية؟
وسائل اعلامية بقوالب عدوانية
كغيرها من الملفات السابقة والمتعلقة بالمقاومة وشعبها، تناولت بعض الوسائل الإعلامية المحلية والعربية على طريقتها الخزعبلية الخاصة، ملف ترسيم الحدود ودخول المقاومة كطرف أساسي في هذا النزاع مع العدو الإسرائيلي، معتبرةً أن المقاومة تشكل “سببًا للنزاع، وأن الأمور تأخذ منحى تصعيديًا ربما سيؤدي إلى طريق مسدود وبالتالي ستقع الحرب”.
كان هذا واحدًا من السيناريوهات العظيمة التي روّجت لها أدوات أميركا في لبنان، إن كان عبر وسائل إعلامية أو محللين سياسيين أو متحدثين مكلفين باسم السفارات أو ناطقين باسم أحزاب معينة أو رواد مواقع تواصل اجتماعية يبدون آراءهم التي في الأساس لا يلتفت لها أحد.
ومقاربة مع المثل القائل “عنزة لو طارت” فقد أصر هؤلاء الحمقى على “تبسيط ” ما أنجزته المقاومة وسحبه من قائمة الإنجازات التي تسجل للبنان و تجريده من قيمته المعنوية والوجودية وحتى العسكرية باعتبار أن ما حصل يندرج تحت عنوان “تسوية قد تمت”، ربما حفاظًا منهم على مشاعر وكرامة قادة العدو، والتي هم أنفسهم لا يملكون شيئًا منها.
وتعقيبًا على ذلك، فإن هؤلاء الفلاسفة لم تسكت أفواههم حتى بعد تصريحات قادة العدو وعلى رأسهم نتنياهو الذي صرّح حرفيا قائلًا: “هذا ليس اتفاقًا تاريخيًا مع لبنان، بل استسلام إسرائيلي تاريخي…”، فضلًا عن التصريحات التي سبقت هذا الأخير وبعضها صدر عن ضباط في جيش الاحتلال كتغريدة عميد الاحتياط ورئيس حركة الأمنيين لديهم قائلًا: “نحن أمام سابقة خطيرة، أن يهددنا الحزب ونتراجع بهذه السرعة. “إسرائيل” ركعت على ركبتيها”، وغيرها من التصريحات الصادرة عن الأميركي قبل الصهيوني والتي تعترف بحق لبنان بالتنقيب والاستخراج، وبالسماح لشركة TOTAL بمعاودة التنقيب والاستخراج، إضافةً إلى الاعتراف بأن خط 23 كاملًا للبنان، وحقل قانا كذلك، وغيرها من البنود التي تصب في مصلحة الدولة اللبنانية.
لا تراهنوا علينا.. نحن رهن اشارة قائدنا
خطّ سماحة السيد في خطاب الأمس أولى بشائر النصر، نسجه ببصيرته وحكمته وفطنته وإيمانه وشجاعته، بلغة هادئة ممزوجة بفرحة النصر والعزّة والفخر، والوعي والمنطق، بأن الأمور لم تنته بعد وأن النصر بصيغته النهائية سيتحقق حين يتم التوقيع فعليًّا وواقعيًّا.
بعد هذا الخطاب التاريخي الذي زف فيه سماحته نصرًا جديدًا للبنان وشعبه، أين يجد هؤلاء المعتوهون أنفسهم؟ هل حملوا مظلات ترد عنهم نفحات الكرامة التي نشرها سماحته في النفوس وفي روح كل شريف ومقاوم، أم عادوا كعادتهم خائبين مذلولين إلى أسيادهم مطالبين بمخطط آخر وخطط بديلة لخوض متاهة جديدة؟ أم أن الغباء قد انتشر بينهم حتى سيطر على عقولهم وتملّكها وعاث فيها فسادًا وحماقة؟
ستصدح وسائل الإعلام هذه وأتباعها في الأيام القليلة القادمة بعويل قادة العدو وعملائهم في لبنان. ستخلق حكايات وسيناريوهات وحقائق من صنع الخيال والوهم لم نسمع بها سابقًا بل ربما لم نتوقعها، وستهطل علينا كميات مخيفة من التحليلات العبقرية التي مضى زمن على انقراضها، وكل ذلك لعيون “أميركا و”إسرائيل” التي سيقتلعها من مكانها ووجودها كيان المقاومة وعزمها وقريبًا جًدا بإذن الله وبقوة وعزم سيدها ومجاهديها وشعبها.
المطلوب في هذه الفترة الدقيقة الحساسة، أن نكون جاهزين مستعدين إعلاميًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا تمامّا كما عسكريًّا، وأن نكون على قدر كبير من الوعي والمسؤولية في التعاطي مع الأمور والمستجدات، وحريصين على الدفاع دائمًا بالمنطق والعقل والحجّة عما سطرته المقاومة من نصر سيغير الكثير من المعادلات والأحداث والمواقف المرتبطة به ارتباطا مباشرًا وغير مباشر.
راهن هؤلاء سابقًا وفي الكثير من المراحل على هزيمة بيئة المقاومة، وعلى اتهامها بالخيانة والعمالة والارتهان للخارج، وفي كل مرة كانت الصفعة تأتيهم تلو الأخرى، ولكن يبدو أنها لم تغير شيئًا في قناعاتهم ومواقفهم. ولكن أيعقل أن يكون لمثل هذه النماذج من الأمم قناعات ومواقف مشرفة؟ وإن كانت هذه القناعات قد وجدت فعلًا، فأي شرف يرتبط بها حين تكون الصهونية عنوانها ومرجعيتها؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.