شوقي عواضة – خاص الناشر |
تخطّى موضوع التّعامل مع كيان العدوّ الصّهيوني المؤقّت كلّ الحدود واجتاز كلّ الاعتبارات مستهزئًا بالقوانين التي نصّ عليها الدّستور اللّبناني بتجريم التّواصل والتّعامل مع العدوّ. ويبدو أنّ هناك إصرارًا من البعض وفي مقدّمتهم البطريرك الرّاعي على إعطاء الموضوع بُعدًا طائفيًّا ومذهبيًّا من خلال الإيحاء بأنّ هناك استهدافًا للمسيحيّين لا سيّما بعد توقيف المطران موسى الحاج أثناء عودته من فلسطين المحتلّة عبر معبر النّاقورة وبحوزته مبلغٌ كبيرٌ من المال وأدوية اسرائيليّة تبرّع بها عملاء جيش العميل أنطوان لحد الذين فرّوا إلى فلسطين إبّان تحرير عام 2000.
وبالرّغم من أنّ العملاء في فلسطين يحملون الجنسيّة الاسرائيليّة ويتباهون بها وبخدمتهم في جيش العدوّ ويتفاخرون بدورهم في قمع الفلسطينيين من خلال عملهم في المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة ووحدة المستعربين وينشطون بعملهم في جهاز الموساد ووحدة التّجنيد والتّجسس لا يزال يصرّ البطريرك الراعي على اعتبارهم لبنانيين ويجب إعادتهم إلى لبنان إصرارًا يدعونا إلى التّساؤل عن خلفياته التي لم نجد لها أيّ تبريرٍ أو تفسيرٍ سوى أنّها إعادة للذّاكرة مشروع العلاقات الاسرائيليّة اللّبنانيّة وبالأخصّ العلاقات بين البطركية المارونيّة والوكالة اليهوديّة والتي وقعت وفقًا للنصّ الحرفي للاتفاق الذي كتب عنه العميد المتقاعد عمر معربوني العام الماضي في موقع حرمون حيث ذكر أنّ الاتفاق وقّع بتاريخ 30 أيار 1946 بين البطريرك أنطوان عريضة العامل باسم الكنيسة والطّائفة المارونية، أكبر طوائف الجمهوريّة اللبنانية؛ التي يُحسب منها أيضًا الموارنة التّابعون لبلدان أخرى، ممثّلًا بالشّيخ توفيق عواد، الوزير السّابق، بموجب تفويض موجّه إلى رئيس الوكالة اليهودية، الأستاذ وايزمن بتاريخ 24 أيار 1946، والوكالة اليهوديّة ممثّلة بالدكتور برنار جوزف، العامل باسم الوكالة اليهوديّة لفلسطين، المعروفة في القانون الدّولي، كممثّل للشّعب اليهودي في العالم كلّه، بقصد إقامة الوطن القوميّ اليهوديّ في فلسطين بغبطة البطريرك الماروني، أنطوان عريضة، وفقًا لما ذكره الباحث صقر أبو فخر في مقالته في العربي الجديد بتاريخ الثّاني من آب 2018 في مقال تحت عنوان الوكالة اليهوديّة وعلاقاتها في لبنان، حيث استقى معلوماته من كتاب للمؤرّخ الصّهيوني رؤوفين إرليخ، الذي صدر بالعبريّة تحت عنوان المتاهة اللّبنانيّة: (سياسة الحركة الصّهيونيّة ودولة إسرائيل تجاه لبنان من 1918 إلى 1959) الصّادر في (تل أبيب عن دار معراخوت ووزارة الدفاع الإسرائيلية، 2000) إضافة إلى عدّة مراجع منها كتاب بدر الحاج “الجذور التاريخيّة للمشروع الصّهيوني في لبنان: قراءة في مذكرات إلياهو ساسون وإلياهو إيلات” (بيروت: دار مصباح الفكر، 1982)، التي تتحدّث عن اتفاق البطريرك أنطوان عريضة مع الوكالة اليهوديّة متحدّثًا عن تفاصيلَ صادمةٍ توثّق علاقة الحركة الصّهيونية بشخصياتٍ لبنانيّةٍ بارزةٍ، أمثال الرّئيس إميل إده وخير الدّين الأحدب والشّيخ حسين حمادة والمطران عبد الله الخوري ومحمد العبد الله وجورج مشحور وراشد الريشاني والصّحافي إلياس حرفوش صاحب صحيفة الحديث اللّبنانيّة، إضافة إلى اللقاءات التي كشف عنها الباحث الفلسطينيّ محمود محارب، في دراسةٍ مطوّلةٍ نُشرت في صحيفة السّفير في أربع حلقات (29/1-3/2/2011)، وفيها تفصيلاتٌ مذهلةٌ عن لقاءات إلياهو ساسون وطوبيا أرازي ويولاند هارمر مع رياض الصلح في باريس، غداة إعلان قيام “دولة اسرائيل”، ومشاركة تقي الدين الصّلح وزهير عسيران في تلك اللّقاءات من خلال قناة يولاند هارمر. وهذا ما يؤكّد محاولات الكيان الدّؤوبة منذ ما قبل تأسيسه التّلاعب على الوتر الطّائفي ومحاولة إيجاد تيارٍ صهيونيٍّ مقنّع بالمسيحيّة لخدمة مشاريعه، وهو ما تحدّث عنه الباحث والأستاذ الجامعي الأب ميشال سبع في مقال نشرته مجلة الدّفاع الوطني في العدد 45 – تموز 2003 حيث ذكر تفاصيلَ تاريخيّةً عن تلك العلاقة وجذورها التّاريخيّة والتي لم تجلب للبنان سوى الفتن والحروب التي لم ولن تخدم لبنان وشعبه.
أمام كلّ تلك الشّواهد التّاريخيّة لا بدّ من التّساؤل عن هدف البطريرك الرّاعي من التمسّك بعملاءَ وخونةٍ وصهاينةٍ ليسوا لبنانيين، وما الغاية من ذلك، وما الدّوافع إلى تبنّي قضية العملاء بقوّةٍ والانتقال بها من مرحلة تبرير العمالة والخيانة والدّفاع عنها إلى مرحلة الهجوم على المقاومة في خطوةٍ لا تخدم إلّا العدوّ الاسرائيليّ، علمًا أنّ هناك قضايا إنسانيّةً ملحّةً أكثر تستدعي من البطريرك الرّاعي المطالبة بها مثل قضية المعتقل في السّجون الفرنسيّة منذ أكثر من ثلاثين سنة الأسير جورج عبد الله الذي لم تطلق البطريركيّة ولو موقفًا تضامنيًّا معه وكأنّ البطريركيّة لم تسمع بقضيّته ولا بالتّعذيب الذي تعرّض له الأسرى في السّجون الاسرائيليّة وزنازين العملاء ولم تشاهد المجازر التي ارتكبت بحقّ اللّبنانيين وتدمير منازلهم. وعلى قدر ما اتسعت عباءة البطريرك لاحتضان العملاء على قدر ما ضاقت في التّضامن مع المعتقل جورج عبد الله والأسير المحرّر ديغول أبو طاس وسهى بشارة والشّهيد طوني أبي غانم وغيرهم من المقاومين المسيحيين.
فعذرًا يا صاحب الغبطة إنّ للشّرفاء والأحرار طائفةً تجمعهم اسمها المقاومة مهما تنوّع انتماؤهم الدّيني، أمّا العملاء فلا دين لهم إلّا الخيانة ولا ثوب يُسقِط عنهم الخيانة ولا زيّ دينيّ مهما كان، فالقانون الذي حاكم العميل المعمّم محمد الحسيني وحكمه بالسّجن واستدعى المعمّم علي الأمين لتواصله بكبير الحاخامات في الكيان شلومو عمار ليس إلّا حقيقة تقول إنّه لا دين للعملاء والخونة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.