انتظر أغلب اللبنانيين منذ سنوات طويلة يومًا يرون فيه مجلسًا نيابيًّا بنواب جدد. وهذه قاعدة موجودة حتى عند مؤيدي الأحزاب الذين كانوا يتمنون أن يتم استبدال خصومهم بنواب غيرهم. زاد الشوق لرؤية وجوه جديدة بعد مظاهرات 17 تشرين وتكلّل بنجاح 13 نائبًا نجحوا باسم “الثورة” في الانتخابات الأخيرة في الشهر الماضي.
من الناجحين أسماء قديمة وأسماء جديدة، بولا يعقوبيان نائبة سابقة وإعلامية سابقة عرفها اللبنانيون منذ سنوات، وهي الأكثر إثارةً للجدل بين المعارضة؛ البعض يراها انتهازية لم تخرج من غطاء انتمائها إلى 14 آذار والبعض يراها تغييرية تمثل طموحهم.
النقيب ملحم خلف هو النقيب السابق لنقابة المحامين في بيروت، والذي كان مرشح ما عُرف بـ”الثورة” عام 2019 وشكّل فوزه بالنقابة حينها رافعة كبيرة لمعنويات المتظاهرين. أداء ملحم خلف في النقابة وتصريحاته عن علاقاته ببعض السياسيين وأصحاب المصارف رسم العديد من علامات الاستفهام حوله كذلك الأمر.
مارك ضو رئيس حزب “تقدم” ترشح لانتخابات عام 2018 مشتتًا أصوات المعارضة مما كلّف لائحة المعارضة الثانية الحصول على حاصل والفوز بمقعد. لاحقًا اشتهر اسمه كمقدم برامج على محطة الجديد، ولاحقًا كرئيس لائحة ستفوز بثلاثة مقاعد في دائرة الشوف عاليه في الانتخابات الأخيرة. خلفية مارك السياسية وشخصيته وتصاريحه واتهامه بالتماهي مع مصالح أصحاب المصارف ورفعه على الأكفّ وتصريحه أن لا مانع أن تعطينا “إسرائيل” عائدات من التنقيب في حقل كاريش جعلت منه محطّ خلاف كبير فهناك من يعتبر أن مارك تغييريّ ويمثل طموح شباب 17 تشرين، والبعض أيضًا من المعارضة يراه انتهازيًا وصوليًا استطاع بدعم من المصارف وآل جنبلاط كسب مقعد نيابي كحصان طروادة.
نجاة عون صليبا هي أكاديميّة وبروفيسور في الجامعة الأميركية منذ سنوات طويلة. فازت بمقعد نيابي عن دائرة الشوف. كانت بعيدة عن المجهر نوعًا ما قبل الانتخابات ووضعت تحته عندما استهزأ الإعلامي مارسيل غانم بغادة عون حين توجّه إلى نجاة عون بمناداتها غادة ثمّ قال “إنتي عندك شعر”. هنا انتقدها العديد كيف لم ترفض هذا الأسلوب الذكوري والتنمر الذي حصل على شخص القاضية عون. هدأت الانتقادات قليلًا حتى عادت بعد نحو شهر بفيديو قصير مأخوذ من مقابلة لها تمّ عرضها على قناة الـotv تروي قصة لقائها الأول مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري حيث لاحظت أن العديد من النواب يدخنون في مبنى المجلس فقالت للرئيس إن التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة فأمر حرس المجلس بإزالة جميع المنافض من المبنى، ثمّ أعقبتها بالقول إن نبيه بري مدرسة بالبرلمان ينبغي الاستفادة منها. ما إن انتشر هذا المقطع حتى انهالت التعليقات على نجاة، فكيف بمن يدّعي مخاصمة النظام القائم أن يمدح رئيس مجلس نيابي لثلاثين عامًا واكب جميع أركان المنظومة منذ نهاية الحرب وأحد المتهمين الرئيسيين بمن كانوا السبب في وقوع البلد في أزمته والفساد المستشري وأحد أمراء الحرب والترويكا والمدافع عن المتهمين بانفجار مرفأ بيروت؟
ياسين ياسين نائب عن البقاع كان من بين المتظاهرين في 17 تشرين، انتشر مقطع فيديو يتوجه فيه إلى الناخبين ويطمئنهم أنه لن يصوّت لأي مشروع قانون يخالف الشريعة الإسلامية. البعض رأى كلام ياسين نقيض الدولة المدنية التي يطمح إليها واعتبره متسلقًا استخدم غطاء 17 تشرين ليحصد مقعدًا نيابيًا. ثمّ تم دعم هذا الرأي عندما زار ياسين ياسين مفتي الجمهورية بعد فوزه بالانتخابات ببضعة أسابيع.
نواب آخرون كانوا أيضًا محطّ جدلٍ بين ناشطي المعارضة بسبب مواقفهم من أصحاب المصارف والمعالجات الاقتصادية مثل وضاح صادق، أو بسبب انتمائهم السابق ومنشورات على صفحاتهم مثل سينتيا زرازير وفراس حمدان، أو بسبب مواقف أخرى. من النقاط التي يثيرها من يدافع عنهم أنّ هناك 115 نائبًا غيرهم لا يتمّ التركيز عليهم وعلى أخطائهم بقدر ما يتمّ التركيز على “نواب التغيير”. الاسم بحد ذاته أحد الأجوبة، فمن باب أول من يطرح نفسه أنه نائب تغييري ينبغي أن يقدم نموذجا جديدًا من الممارسة السياسية لا تشبه تلك التي اعتاد الناس عليها، ثانيًا أنت اليوم خصومك السياسيون هم كل الأحزاب وجمهورهم وبالتالي لن ترحمك جماهير كل الأحزاب من الانتقاد، ثالثًا وعندما تأتي بعد كل هذه الأزمات وبعد انفجار شعبي وتدّعي تمثيل عصب الناس ينبغي أن تعرف أنك تمثّل بالنسبة للعديد من الناس الأمل الأخير لهم وعليك أن تكون على قدر من المسؤولية وأن تتوقع أن تكون الآمال معلقة عليك وبالتالي أن تكون غلطتك بألف.
تخبط النواب سببه أنهم بالأساس ليسوا من حزب أو فكر واحد، بل آراؤهم متعددة بملفات دقيقة كان الأجدى أن يكون قد تمّ الاتفاق عليها قبل الانتخابات منعًا لحصولها في المجلس. اليوم باتت المعارضة مكلفة أكثر، فاليوم المعارضة في المجلس النيابي وتتحمل مسؤولية بقدر حجم تأثيرها. العديد من الفخوخ ستنصب لهم من قبل الأحزاب وأمامهم اختبارات كبيرة في المرحلة المقبلة. من المنطقي القول إنهم لا يتحملون مسؤولية حقيقية في كل ما جرى بالبلد وأنهم أقل طرف يتحمل مسؤولية في المرحلة القادمة ولكنهم يتحملون مسؤولية معنوية هي ائتمان شريحة كبيرة من اللبنانيين أملهم الأخير عليهم. غدًا أمام تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية وملف ترسيم الحدود البحرية وتشريعات قانونية خاصة تلك المتعلقة بالأوضاع المعيشية من ضرائب وغيرها، هل سيكونون على مسافة واحدة ورأي واحد؟ أم سيتهرب البعض منهم ويكتفي بالشعبوية؟ لدينا أربع سنوات لنشاهد.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.