حيدر الموسوي – خاص الناشر |
خرج غاضبًا من اجتماع مجلس الدفاع الأعلى وقال لصديقه: ” يقولون إنهم سيقومون بالتصدي للجيش العراقي بعد تأمين المعدات اللازمة والتي ستستغرق شهرين وبالحد الأدنى شهرًا كاملًا، لكنني قلت لهم إنني سأذهب الآن للتصدي للجيش العراقي والتحقوا أنتم بي بعد شهر أو شهرين”. وبالفعل ذهب شمران فجرًا مع عدد قليل من الإخوة، تبعه بعدها بيوم عدد كبير من المجاهدين فدمروا السدود وأجروا عمليات خلف خطوط البعثيين ما أوقف تقدمهم. كان شمران آنذاك وزير دفاع يسكن في غرفتين بسيطتين تحت الأرض في مبنى الوزارة. هكذا كانت عقلية شمران وإيمانه، من أميركا إلى مصر ثم لبنان فإيران، روح صلبة واحدة، لذا ليس مستغربًا أن يطلق عليه الإمام الخميني لقب “حمزة العصر “.
بداية النضال في إيران
تلقى شمران دروس المنطق والتفسير والفلسفة عند السيد طالقاني والشهيد مطهري. وبعمر 24 عامًا التحق بلجنة “حركة المقاومة الوطنية” بعد انقلاب 1953 وسقوط حكومة الدكتور مصدق. كما شارك في احتجاجات الطلاب الجامعيين ضد زيارة “ريتشارد نيكسون” مساعد الرئيس الأمريكي آنذاك، وأصيب على إثرها. كتب شمران في الذكرى السنوية العاشرة لتلك الحادثة مقالًا مفصّلًا طبع في نشرة المؤتمر الدولي لطلاب الجامعات في أمريكا. كما كان الدكتور شمران واحدًا من 14 شخصًا شكلوا مجلس المطالبة بتأميم الصناعات البترولية وإلغاء الامتياز الممنوح للشركة الإيرانية البريطانية.
تحصيل وكفاح في أميركا
أكمل شمران دراسته التخصصية في أميركا، فحصل على شهادة الدكتوراه في فرع الالكترونيات وفيزياء البلازما. وهناك أسّس مع مجموعة من الطلاب الإيرانيين فرعًا من الجبهة الوطنية تحت عنوان “الجبهة الوطنية الإيرانية في أمريكا”، كما تم اختياره كأوّل عضو فخري دائم في منظمة الطلاب الإيرانيين في أميركا بسبب جهوده الحثيثة في تنمية الحركة الطلابية.
في أوائل سنة 1960م قام شمران وبالتعاون مع الطلاب الإيرانيين والمسلمين بتأسيس “الاتحاد الإسلامي للطلاب الجامعيين في أميركا وكندا”، وقد تمخضت عنه “جمعية الناطقين بالفارسية” للاتحاد الإسلامي للطلاب الجامعيين. وبعد ايام من اعتقال الإمام الخميني عام 1963 قام الدكتور شمران بتنظيم تظاهرات واسعة منها مسيرة 90 كلم من “بالتيمور” إلى “واشنطن” وصولًا إلى البيت الأبيض تنديدًا بالإجراءات التعسفية التي يقوم بها نظام الشاه. هذه النشاطات وغيرها ساهمت في لفت نظر الرأي العام الأميركي إلى القضية الإيرانية ومسار الثورة.
فترة التدريب في مصر ولبنان
عمل شمران على إنشاء قوى عسكرية منظمة خارج إيران لتقوم بمواجهة الشاه عسكريًا إذا لزم الأمر؛ فقدم إلى مصر عبد الناصر للتدريب عام 1964 برتبة مجاهد ومسؤول أول عن الدورات التدريبية. يتحدث الشهيد شمران في مذكراته عن هذه المرحلة وكيفية قدوم المعارضين الشباب من داخل إيران وخارجها الى مصر بطريقة سرية وعن ترحيب الرئيس عبد الناصر بالفكرة وفتح يديه لجميع التقديمات المطلوبة. استمر الدكتور في مصر حتى أواخر عام 1966 لكنه اضطر لمغادرتها بسبب تسرب أخبار إلى الشاه تفيد بتدريب المعارضين الإيرانيين في مصر، ما دفع السافاك إلى إرسال الجواسيس لمراقبة تحركات الإيرانيين في القاهرة. بناء على هذا غادر شمران إلى لبنان عام 1967 حيث وجد استعداد اللبنانيين لاستضافة حركة المعارضين الإيرانيين وامدادهم بالتسهيلات. لكنه ما لبث أن غادرها إلى أميركا عام 1969 بسبب توتر العلاقات اللبنانية الإيرانية بعد إيقاف الأمن اللبناني لرئيس جهاز السافاك “بختيار” ورفض تسليمه إلى الشاه.
شمران ودعوة الإمام الصدر إلى لبنان
استدعى الإمام موسى الصدر صديقه شمران لمساعدته في إغاثة المحرومين اللبنانيين وتأسيس نواة المقاومة؛ فعينه بدايةً مسؤولًا عن مهنية جبل عامل عام 1971، وهناك قدم الخدمات والخبرات للبناني والفلسطيني على حد سواء، ليحصل على تكريم خاص باسمه من الأمم المتحدة. وبعد تأسيس حركة المحرومين كان شمران المسؤول التنظيمي فبها. وكان صاحب دور كبير في إنشاء أفواج المقاومة اللبنانية “أمل”، فدرّب الكوادر في عين البنية واليمونة وجنتا. كان ذلك سابقًا للاجتياح الإسرائيلي الأول عام 1978. بعد الاجتياح ووصول القوات الإسرائيلية إلى البازورية، دخل شمران بسيارته الخاصة إلى القرى المحتلة مستعملًا جواز سفره الأميركي منتحلًا صفة صحافي أجنبي فصوّر جميع المواقع الإسرائيلية ووضع خطة لمهاجمتها. ثم اجتمع بأكثر من 200 مجاهد في حسينية برج البراجنة موزعًا المهام والمسؤوليات فيما بينهم. لكن القوات الإسرائيلية انسحبت بعد أيام قليلة.
استمر شمران في نشاطاته العسكرية والتربوية حتى بعد اختطاف الإمام الصدر، محاولًا كشف مصيره عبر طرق ونشاطات عديدة أبرزها الاعتصام داخل مبنى الأمم المتحدة في بيروت والمسيرة الشعبية إلى دمشق بالتزامن مع انعقاد مؤتمر جبهة الصمود والتصدي. في دمشق كان لدى شمران فكرة مفادها إدخال مسدس إلى غرفة المؤتمر من خلال تخبئته داخل عمامة أحد رجال الدين، وبعدها يقوم شمران باعتقال القذافي وتهديده بالقتل إذا لم يكشف عن مصير الإمام الصدر. لكن تلك الفكرة لم تبصر النور حيث رفض الجميع فكرته ووصفوه بالمجنون.
العودة والشهادة في إيران
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عاد شمران إليها بعد 22 عامًا من الغياب. وسرعان ما بدأت الفوضى والحرب المسلّحة في كردستان بعد انتصار الثورة بثمانية أيام فكُلّف شمران والعميد فلاحي قائد القوات الجوية بحل الأزمة بطريقة سلمية. وبعد أن نجح في حل مشاكل مدينة “مريوان” تصدّى لمهمة تهدئة مدينة “باوه” في مدن محافظة كردستان. وفي النهاية خمدت نيران الأزمة في كردستان بعد تدخّل الجيش وصمود القوات الشعبيّة.
دخل شمران مجلس الشورى الإسلامي نائبًا عن منطقة طهران، كما تم تعيينه وزيرًا للدفاع وممثلًا للإمام الخميني في مجلس الدفاع الأعلى. ولم تلبث الحرب العراقية الإيرانية أن بدأت فانطلق شمران للمجابهة. ورغم كونه وزير دفاع إلا أنه لم يرض إلا أن يكون في الصف الأول مع المقاتلين.
شارك شمران في أيار 1981 في عملية تحرير سوسنجرد وتلال الله أكبر، وبعد النجاح في هذه العملية نفّذ خطة للسيطرة على منطقة دهلاوية بالتعاون مع مجاهدي هيئة الحروب غير المنظّمة، لكن شظية قذيفة أصابته ليسقط شهيدًا في جبهة سوسنجرد ـ دهلاوية ليجري بعد ذلك نقله إلى مقبرة جنة الزّهراء في طهران ليدفن فيها.
لم يكن من عالمنا
كان شمران نائبًا، وزيرًا، وأستاذًا حاصلًا على شهادة دكتوراه، لكن ثقافة الألقاب لم تكن تعنيه، فكان يعرف عن نفسه بأنه تراب أحذية الفقراء. تخلى الرجل عن عروض عمل بآلاف الدولارات في أميركا، واضطر إلى أن يعيش بعيدًا عن زوجته وأبنائه في لبنان. كان يجلس مع الأيتام في المبرة ويأكل العدس قائلًا لهم: “من يحبني يأكل عدسي”. لم يكن شمران من أهل دنيانا، لقد جنّد روحه وقلبه وكل ما زخر به عقله في سبيل الله والإنسان. لم تكن تعنيه الحدود، لم تكن غايته مصلحة خاصة بفرد أو جماعة، كان همه الحق فدار معه حيثما دار.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.