حمزة الأمين – خاص الناشر |
قبل أيام من هذا النهار، 25 أيّار/مايو 2000، كان الدخول إلى بلدة حولا في جنوب لبنان لا يزال حلمًا، وكذا الدخول إلى كل بلدات «الشريط الحدودي المحتل».
وشريط القرى هذا يمتد من الناقورة إلى شبعا، ملاصقًا لفلسطين، يتسع ويضيق من منطقة لأخرى فيكون بين القرى الأمامية غير المحتلة والحدود مع فلسطين قرية واحدة، كحال بلدتي شقراء التي كانت تفصلها عن الحدود شرقًا بلدتا حولا وميس الجبل. وفي قرى أخرى كانت تفصلها عن الحدود عدة بلدات كبلدتي تبنين وبرعشيت، حيث كان العبور الثالث عبر بيت ياحون والطيري وكونين وصولًا إلى مدينة بنت جبيل، صعودًا إلى مارون الراس حيث المرتفع المشرف على فلسطين المحتلة.
واتساع الفاصل وضيقه بين القرى الأمامية والحدود مع فلسطين يشبه حكاية التحرير نفسها؛ فمن أقرب نقطة يستحيل الإيجاز، ومن أبعدها يصعب الإيفاء. فحكاية الأرض هنا لا حدود لها إلا السماء، وجمعٌ من الشهداء، شبكوا أيديهم كسياج من نور، يتسعُ ويضيق، بحسب الحاجة، يحدّد نقاط العبور، والطرقات التي يجب أن تُسلك، كأنهم فتحوا قناة اتصال بالعابرين، وبإيماءات خفيفة كالطيف دلّوا السالكين على مواضع العروج في الأودية المجاورة والتلال المحيطة، دون إلحاح، كمن يريد للدموع أن تبقى خالصة للفرح. وحيثُ أتاح الله لهم فتحوا في السياج ثغرة لمن أراد الالتحاق في اللحظات الأخيرة، وكان للطريقة شيخٌ جليلٌ عبر مع ثلة من المريدين، ولم تكن تلك الحلقة الأخيرة.
اليوم بعد 22 عامًا على تحرير جنوب لبنان، نقف على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، مقابل الحلم تمامًا، الحلم الكبير. لكن الفرق أنّنا نرى الحلم يتحقّق، نسمع نداءاته من المرابطين في باحات الأقصى، ومن الفدائيين الذين يصدّرون جوازات العودة لمن هُجّر، وجوازات الهجرة لمن اغتصب. نراه يتحقّق في صحوة الداخل وصمود غزة ونبع جنين الذي لا ينضب، وفي رايات أهل الحق في هذا الشرق. وكما كان العبور قبل 22 عامًا مفاجئًا وغير متوّقع بصورته التي حصلت، أرى دهشة تعمّ العالم، وحيرة، وحلمًا يُبَثُّ على الهواء مباشرة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.