على مدى السنوات الأخيرة، تعرّض جمهور المقاومة لحملات متواصلة، ليس فقط ممّن تحرّكهم الأجندات الخارجية الواضحة والتعليمات المباشرة بالاستهداف والتنميط والتغريب والاستفزاز، إنّما أيضًا ممّن انضمّوا بغير وعي إلى معسكر الحصار والهجوم لأسباب مختلفة، بعضها غريب جدًا، وبعضها بدا وكأن المنضمّ ذاك انتظر طويلًا أيّ فرصة لإشهار شعاراته القديمة المجدّدة،
والدخول في لعبة استهداف جمهور المقاومة، فاللعبة رابحة على مستويين: مستوى مغازلة الجمهور المعادي بطريقة غير مباشرة، وقيل الخصم، ومستوى استفزاز الجمهور المستهدف وتحصيل قدر من التفاعل يحقق لصاحبه شعورًا بالشهرة ربّما أو يعيد إليه ألقًا انقضى، ولو على صهوة هجوم مضاد قد يتضمن أحيانًا الشّتم. وبالمناسبة هي عدوى أصابت الوسط الإعلامي بشكل خاص، وفتكت حتّى بمن كان الظنّ بعقولهم حسنًا.
المشهد على منصات التواصل واضح جدًا. وواضح أيضًا أنّ الجمهور الآخر والذي يعمل بتقنية ردّ الفعل المفتعل لم يتعرّض إلى أي نوع من الهجوم المنظّم من قبل جمهور المقاومة، لاعتبارات كثيرة، ومنها أن الأخير وبشكل موضوعيّ مرتاح رغم حصاره واستهدافه وتغريبه واستفزازه. ولأنّه كذلك، تعمد الجيوش الإلكترونية التي تهاجمه عادة إلى فبركة “فعل” يستدعي ردّ فعل أهوج، وفيلم نظير الجشّي أحدث مثال على الأمر، أو إلى تعمّد سوء تفسير “تويت” أو “بوست” صادر عن حساب معروف الانتماء إلى حزب الله والبناء على التفسير المسيء والسيّئ لخوض معارك وهمية حينًا، وللعب دور الضحيّة المستهدفة أحيانًا.
وقد رأينا أمثلة عديدة على ذلك، ومنها ما كان دافعًا لبعض أصحاب الفكر العلماني إلى تكبير “صليبهم” بمواجهة وهمية مع ما اعتبروه “فائض القوّة الشيعي” ردًّا على كلام سياسيّ موجّه للكتائب وفتاها سامي الجميّل.
يحدث كلّ ذلك على منصّات الكترونية تحوّلت إلى ميدان حرب واضحة، مع الإشارة إلى تعدّد واختلاف جماهير “الهجوم” وتروّي وعقلانية الجمهور المستهدَف.
ماذا لو فكّكنا المشهد قليلًا، واخترنا بعضًا من رموزه وبعض الأمثلة الحيّة الدالّة على المهاجمين وإفلاسهم الحقيقي على مختلف المستويات:
شكّل الفيلم الركيك للمدعو نظير جشي فرصة ذهبية للكشف عن هشاشة الكثيرين، على الرغم من وضوح كونه مركّبًا ومفتعلًا، ومجيئه في سياق انتخابي معروف الوجهات والمصادر، فرصة نزع الراغبون فيها ومنتظروها وربّما الشركاء في فبركتها إلى سوق الجمهور الآخر إلى مستنقع التفاهة والسطحية. لا شأن لأحد إذا أراد جمعٌ ما أن يشارك صوره بالمايوه، ومنصات التواصل حافلة أصلًا بصور العراة، ولكن أي عقل استطاع تظهير حملة عرض المايوهات وكأنها رد فعل ثقافي؟! وما هو الرابط الواقعي بين العريّ وبين الثقافة؟ تفسير الأمر وانقياد الجمع إلى ردّ فعل كهذا يكمن ببساطة في جهة تستصغر جمهورها ولم تجد للملمة شتاته سوى فبركة كلام يستهدف غرائزهم ليجتمعوا.
هذه الفبركة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقها في مرات كثيرة ما سُمّي بمستندات “مسرّبة” تضمّنت أوهامًا مكتوبة تعشّش في أذهان أصحابها وممهورة بأختام مركبة وتواقيع منسوبة إلى حزب الله. وكان الجمهور ذاك يتداولها وكأنّه حظي بالدليل القاطع الذي يثبت أوهامًا زُرعت فيه أو يتمنى تحقّقها ليجد لنفسه أعذارًا تبرّر معاداته للحزب، رغم وضوح كونها مفبركة وبشكل واضح. وتجدر الإشارة إلى إن المفبرِك يعتمد على سطحية جمهوره ويعرف أنه رغم انكشاف الكذبة ستبقى قيد التداول بين من ارتضوا على أنفسهم الشهرة بالغباء، ولا سيّما إن كان ذلك مدفوعًا.
مع اقتراب الانتخابات، سينتشر وباء الفبركات أكثر، ستختلف مستوياتها وأدواتها، ستتعدّد أنماط مستهلكيها، ستسقط في فخّها وجوه كانت في وقت ما تبدو أكثر متانة وثباتًا، سيتورّط في صناعتها تجّار من مختلف ميادين العمل، سيبني عليها أهل الخواء مواقف وأطروحات وستشكّل مادة دسمة لطلعات تلفزيونية ولاستعراضات الكترونية، وستنكشف، أصلًا ستولد مكشوفة، لكنّها ستبقى جسرًا لمن يريد العبور إلى معسكر استهداف المقاومة وناسها. هذا الجسر الذي بناه البعض يومًا بجهد البحث عن كلمة صادرة عن جمهور المقاومة، عن مزحة، عن حرف، يشعر أنّه يستهدفه كي يمضي إلى حيث يحلو له، سيسهل بناؤه أكثر بالفبركات وبالأكاذيب، ولا نملك إلّا أن نقول لمن يريد عبوره نحو السقوط إلّا: مع السلامة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.