ظلت السعودية منذ ليلة عدوانها البربري في 26 مارس 2015 تبحث عن وسيلة لإعادة اليمن إلى سابق عهده كحديقة خلفية، تنفذ فيها سياستها وأهدافها التدميرية، بعد إن أطاحت ثورة 21 سبتمبر 2014 برموز الفساد والعمالة والارتهان للخارج، التي ظلت تحكم البلاد لعقود منذ قيام الجمهورية اليمنية في 1962.
لكن المملكة قامرت يوم اتخذت خيار الحرب العدوانية، بدل الحوار والسياسة، خصوصًا أن قيادة أنصار الله كانت قد أرسلت ناطقها الرسمي الأستاذ محمد عبد السلام ومعه وفد لطمأنة قيادة النظام السعودي من أي مخاوف قد تثير قلقهم، ووعدهم عبد السلام بتأمين الحدود مع اليمن والتنسيق بين الطرفين، وحتى خصهم بأن تحظى الدولة السعودية بامتيازات خاصة بحكم الجوار.
على ما يبدو فإن النظام السعودي كان قد عقد النية على القوة والعدوان، بعد أن أدرك أن قيادة ثورة 21 سبتمبر لن ترضى بأقل من الندية في التعامل، وأن عهد الارتهان والعمالة قد ولى، وإلى غير رجعة، وأتى عهد الحرية والاستقلال للقرار السيادي.
اليوم، بعد سبع سنوات من العدوان الظالم، والحصار الجائر على 30 مليون يمني، تفشت المجاعة وأصبح أكثر من 25 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر بحسب منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بينما يموت طفل كل 75 ثانية وفق إحصائيات منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة أيضًا، هذا غير موت عشرات الآلاف من المرضى الذين يموتون بسبب تعذر سفرهم للعلاج في الخارج عبر مطار صنعاء الدولي، بالإضافة إلى معاناة ملايين اليمنيين مع المشتقات النفطية، وتوقف الحركة التجارية بحكم إغلاق ميناء الحديدة، الذي يعد الشريان الوحيد لكافة المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى في العاصمة صنعاء، وحيث تتركز الكثافة السكانية، حتى أن العاصمة نفسها تضم أكثر من خمسة ملايين نسمة وفق احصائية سكانية.
لم تكتفِ الجارة بكل ذلك، حتى اقدمت قبل ايام على خطوة تصعيدية من خلال تشكيل ما أسمته (المجلس الرئاسي)، جمعت فيه قادة ميليشيات القوات العسكرية التي تحت قيادتها هي والإمارات، في مؤشر خطير نحو التصعيد ينسف كل بوادر السلام الذي استبشر به اليمنيون عقب الاتفاق على هدنة شهرين بين تحالف قوى العدوان وصنعاء بمباركة أممية، على أن يتم خلالها إدخال سفينتين للمشتقات النفطية، وفتح مطار صنعاء الدولي واستقباله رحلتين كل أسبوع، وإيقاف العمليات العسكرية في مختلف جبهات المواجهة، لكن حتى اللحظة لم تصل رحلة إلى المطار، على الرغم من مضي الأسبوع الأول على الاتفاق، وقامت القوات العسكرية المدعومة من التحالف في محافظ مأرب بزحف عسكري كبير قبل يومين على مواقع الجيش واللجان (قوات صنعاء).
ان كل المؤشرات السابقة تثبت نوايا قوى العدوان المبيتة للتصعيد، وأنها غير صادقة في المضي بعجلة السلام نحو إيقاف حربها العدوانية، ورفع حصارها الظالم، وسحب قواتها المحتلة، وما عمليتها القيصرية لولادة المجلس الرئاسي (العسكري)، والإطاحة بالرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، وهو الذي تحت ذريعة شرعيته المزعومة، اعلنوا العدوان على اليمن، وارتكبوا المجازر البشعة، حيث قالت الأمم المتحدة انه بنهاية 2021 ادت الحرب السعودية على اليمن إلى وفاة 377 الف انسان، فيما تم تدمير البنية التحتية بالكامل، واستهدفوا كل مقومات الحياة حتى غدت حياة اليمنيين جحيمًا من المعاناة، ما هي إلا محاولة جديدة يلجأ إليها النظام السعودي في عدوانه على اليمن.
لقد شكلت السعودية المجلس الرئاسي بناءً على تصورها الخاطئ، الذي ترى من خلاله أإنها ستحقق بعض أهدافها الحالمة، في تحقيق تقدم ميداني من خلال جمع تلك المليشيات لتقاتل تحت قيادة واحدة، بعد ان ظلت طوال السنوات السبع الماضية تقاتل متفرقة، وبولاءات متعددة.
وعلى الرغم من أن الفار هادي رئيس غير شرعي، وانتهت ولايته الرئاسية منذ سنوات خلت، إلا ان إعلانه الرئاسي غير شرعي، ومخالف للدستور والقانون اليمني الذي ينص على ان الرئاسة تُسلم لرئيس مجلس النواب في حال حصلت استقالة الرئيس او توفي وما شابه، وهنا نحن امام شرطين اساسين يبطلان الإعلان، ويجعلان المجلس المشكل فاقدًا للشرعية، الأول هو أن الرئيس غير شرعي ومغتصب للمنصب وجاء بالخارج والقوات الأجنبية لفرض رئاسته، والأمر الآخر الإعلان المخالف للدستور والقانون اليمني.
من هنا جاءت الخطوة السعودية ككل خطواتها السابقة خاطئة، وفاقدة للشرعية القانونية، وستثبت فشلها الميداني إذا كانت منيت بالهزائم، ولديها هادي وحده وهو الذي كان ينفذ توجيهاتها كاملة، فكيف الحال وقد اصبح لديها عدد من الأشخاص يجمعهم مجلس يسمى رئاسيًّا، وتفرقهم المصالح والأطماع والولاءات؟
إن من فشل في سبع سنوات من عمر الحرب التي استخدم فيها أحدث التكنولوجيا العسكرية بما فيها الأسحلة المحرمة دولياً، وجمع عشرات الآلاف من المرتزقة من أصقاع المعمورة في مقدمتهم شركات الأمن كبلاك ووتر وغيرها، لن يحقق اليوم بالمليشيات البدائية نصرًا في ميدان المعركة المحسومة لصالح الشعب اليمني المدافع عن أرضه من الأطماع الخارجية، وهذا ما أثبته الماضي والحاضر، لأن هذا ما يجري عليه ناموس هذا الكون، وشرائع السماء، وقوانين الأرض.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.