د. زكريا حمودان* – خاص الناشر |
لبنان، الجغرافيا المحكومة بالبعد السوري، لا يمكن لنا أن نتحدث عنه دون أن نربطه بعمقه الأوحد والذي يتكامل معه في الكثير من الركائز الأساسية والحيوية.
في الواقعية العلمية، لبنان يحتاج لسورية وليس العكس، وفي الشق التطبيقي بحسب تاريخ البلدين، حين تكون سورية بخير فلبنان بخير، ولكن العكس ليس صحيحًا، فحين يكون لبنان ليس بخير لا تتأثر سورية ابدًا، وهذا الدليل الحسي على أن لبنان متأثر وليس مؤثرًا.
جغرافيًا، لا يمكن لنا مقارنة واقع لبنان الجغرافي مع واقع سورية التي تكبره بعدة أضعاف، سواء بالحجم أو بالثروة المستغلة في سورية فوق الأرض وتحته، والتي ساهمت بأن تكون سورية مكتفية في الكثير من القطاعات. وما كانت الحرب السورية لولا قوة سورية، كما أن التكامل الجغرافي الاستراتيجي بين البلدين كان له أثره في الدفاع البطولي للمقاومة عن التكامل الجغرافي مع سورية. هذا التكامل الجغرافي الذي نتحدث عنه هو ركيزة ومدخل للحديث عن صلة الوصل بين لبنان والعالم برًا، حيث تشكل سورية الممر الأوحد في ظل احتلال العدو الاسرائيلي لأراضي فلسطين في الجنوب اللبناني، بالتالي تشكل كذلك الجغرافيا في سورية ركنًا أساسيًا من أركان بُنية لبنان، وما تأثر الصادرات اللبنانية برًا بالأوضاع التي عصفت بسورية سوى خير برهان في تلك السنوات. كما أن حركة الوزراء الذين يتعلق عمل وزاراتهم بالعمق الجغرافي السوري ومنافعه على لبنان بعد عودة الاستقرار الى سورية هو البرهان، وهنا نتحدث عن وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والطاقة والدفاع.
اقتصاديًا، تأثر لبنان كثيرًا بعد إقفال شماله وشرقه مع سورية بسبب الأحداث الأخيرة، فبدل أن يكون الاقتصاد السوري معبرًا للبضائع المتعددة والمنافسة في الاقتصاد اللبناني الذي يفتقد للانتاجية، أُثقِلت السوق اللبنانية بالبضائع المستوردة بحرًا من تركيا التي كانت جزءًا من الحرب السورية، فنُقل أكبر مصانع حلب الى تركيا وتابعت تصديرها للبضائع الى لبنان عبر البحر، وضمن الاطار التركي. هذا الامر هو جزء بسيط من تأثر لبنان اقتصاديًا بأي عاصفة تهب على الشقيقة سورية، فلبنان الذي يعيش اقتصاده بجزء مهم منه على التصدير برًّا نحو العمق العربي ليدخل العملة الصعبة من اجل تعزيز الاقتصاد الداخلي، عانى الكثير في ظل الأزمة السورية خاصة على المستوى الاقتصادي. هذا الواقع الاقتصادي يمكن التركيز عليه اليوم في ظل ازمة لبنان الحالية، بحيث تستطيع سورية وبالرغم من كل ما تعيشه أن تخدم الاقتصاد اللبناني وفي العديد من المجالات مثل تصديرها الادوية وبعض السلع الرئيسية.
استراتيجيًا، يمثل العمق السوري الرئة النابضة في تثبيت قوة المقاومة في الساحات، كما أنه وبالرغم من جميع محاولات التفرقة التي قام بها الأميركي ومن بعده بعض ادوات الاميركي والاسرائيلي من دول الخليج، حافظت سورية على موقفها الداعم للمقاومة استراتيجيًا، دون أن ننسى الممر الآمن والداعم لقوى المقاومة في المنطقة.
في الخلاصة، ما بين لبنان وسورية تكامل غير محدود، نعيش خسارة لبنان منه كذلك كل يوم نظرًا لسياسة بعض الفرقاء الداخليين الذين يحسبون الكثير من المصالح الشخصية والأحقاد الدفينة والتاريخ الملطخ بالذل والحاقد على سورية، فيقطعون طرق الخير التي ترسل الى لبنان عبر سورية، محاولين أن يقنعوا انفسهم بأنهم يدافعون عن لبنان عندما يستهدفون سورية. إن حقيقة الأمر واضحة، فالتكامل غير المحدود بين البلدين هو فقط لمصلحة لبنان، فسورية موصولة جغرافيًّا بالعمق العربي واوروبا وكل آسيا، وسورية تمتلك قدرات اقتصادية تجعلها لا تحتاج للبنان، وسورية ركن استراتيجي من أركان الصراع. بالتالي، ان التكامل هذا غير المحدود هو تكامل يحتاج فيه لبنان أن يُنظم علاقته مع سورية لكي ينجح فيها، أما العكس فهو غير صحيح.
*مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.