ما حدث بالأمس في معرض الكتاب ليس سوى تفصيل جديد يُضاف إلى سيل المحاولات الممنهجة لعزل بيئة المقاومة وكلّ ما يعنيها أو يمثّلها أو يعبّر عنها. والخطاب السياسيّ الذي تمّ اعتماده منذ سنين ضدّ المقاومة وأهلها ساهم إلى حدّ كبير في تحويل هذه الارتكابات إلى “أعمال بطولية” يُهنّأ عليها فاعلوها ويتحوّلون بعدها إلى نجوم يصفّق لهم من يضاهيهم حقارة. بالإضافة إلى المبالغ المرقومة التي تتكبدها السّفارات المعادية للمقاومة عن طريق “NGOs” أو بطرق أخرى، ساهمت الدعاية المضادة للمقاومة بخلق حقد ضدّها وضدّ رموزها، أو على الأقل استثمرت في أحقاد دفينة وأعادت تظهيرها وتسويقها كشعارات سياسية أو ذات طابع شعبويّ.
تهدف هذه المحاولات إلى تغريب المقاومة وبيئتها، وإلى وضع كلّ ثقافتها وانتاجاتها في كلّ الميادين موضع المساءلة. وكان أحد أبواق هذا المنهج قد قالها صراحة حين طالب “المجتمع الدولي” بمعاقبة وعزل كلّ من يرتبط بالمقاومة وناسها بأي صلة كانت.
هذه المحاولات الحثيثة والمتتالية لا تأتي من فراغ. وما حدث بالأمس هو حلقة جديدة في سلسلة طالت وتواصلت وصارت مرّة بعد مرّة أكثر وقاحة وأكثر فجورًا ما يعكس افلاسها ولجوءها إلى المكاشفة بعد فشل كل المحاولات المبطّنة وذات الطابع التحايلي.
من هو الآخر هنا؟ هو من تختلف معه في قضية جذرية وتغيب بينك وبينه أيّ مشتركات عميقة، لا تجمعك وإياه سوى عناصر ظرفية ومؤقتة مهما بلغ عمرها. الآخر هنا هو الذي يقف تمامًا في المعسكر الذي يستهدفك قتلًا وحصارًا وتضليلًا وإلغاءً. بالحديث عن الإلغاء، يمكن اعتبار كلّ حركة سابقة ولاحقة، تهدف بقصد أو بغير قصد إلى عزل المقاومة وترهيب أهلها بالإقصاء حينًا وبالتشكيك بانتمائهم إلى هذه الأرض أحيانًا حركة إلغائية مهما بلغت تفاهة مرتكبها، وسطحية طرحه. من ذاك الذي “بيعرف الشيعة من تيابن” إلى الفتى الذي يتفجّع على هويّة لبنان كلّما لمح محجّبة في مكان عام. ومن تلك التي ترفض “النموذج الإيراني” وتتحدث عنه بفوقية مقزّزة لشدّة العفن المتراكم في خوائها الإنساني والحضاري والقيمي، إلى أخرى ترى في سلاح المقاومة خطرًا يهدّد حريّتها و”ووجه لبنان الحضاري”.
جميع هؤلاء هم “الآخرون” الذين لا يجمع في ما بينهم سوى معاداتك، والذين يحاضرون في ضرورة قبول الآخر وحرية الاختلاف، وبحجج مختلفة، بل كلّ مرّة بحجّة أحقر من سابقاتها، يريدون بكلّ بساطة إلغاء مكوّن من المجتمع فقط لأن هذا المكوّن يرفض الانصياع للشرّ الذي يستثمر فيهم ويشغلهم بشكل فعلي أو موارب. وبالتالي لا يمكن فهم “سيناريو” البارحة المقرف إلّا في هذا السياق الإلغائي المستحيل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.